قال محللون إن التقارب المفاجئ بين السعودية وإيران لا يشكل "عصا سحرية" لليمن، محذرين من عدم وجود حلول سهلة للصراع المعقد الدائر ومشككين بقدرة الصين على لعب دور الجهة الضامنة للسلام.
إعادة إحياء العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين أثارت الآمال بتراجع حدة التوترات في المنطقة لا سيما في اليمن الذي يعيد أفقر دولة في العالم العربي، وحيث يخوض خصمان بارزان ما يعتبر فعليا حربا بالوكالة.
وكان الحوثيون المدعومون من إيران قد سيطروا على صنعاء عام 2014، ما أدى إلى تدخل السعودية في العام التالي وإلى معارك أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص وعن إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
ولكن حتى انسحاب السعودية والتدخل الإيراني لن يحلا مجمل المشاكل في بلد لطالما عانى من حالة اضطراب ويشهد انقسامات طائفية ومناطقية وسياسية.
وفي هذا السياق، قالت الخبيرة في الشأن اليمني من كلية غيرتون في جامعة كيمبريدج، إليزابيث كندال، إن "الاتفاق السعودي-الإيراني هو خطوة بناءة لكنه لن يحل وحده الصراع اليمني، ليس على المدى القصير على أقل تقدير".
وأوضحت أن "سبب ذلك يعود إلى أن الصراع اليمني نشأ أساسا في الداخل حول قضايا ترتبط بالجهة التي ستسيطر على السلطة والأراضي والموارد".
وتبدأ مشاكل اليمن من اقتصاد منهار في ظل اعتماد الملايين على المساعدات، وصولا إلى وجود واسع لتنظيم القاعدة مع تحركات انفصالية في الجنوب الذي شكل دولة منفصلة يحكمها الشيوعيون من العام 1967 حتى العام 1990.
ويسيطر الحوثيون الذين يتحدرون من منطقة شمالية تقع على الحدود مع السعودية، على مناطق شاسعة من البلاد حيث يفرضون قيودا مشددة، لا سيما على النساء.
ردة فعل متباينة على الاتفاق
هذا ورحبت الحكومة اليمنية بالإعلان الذي ورد يوم 10 آذار/مارس، معبرة عن أملها بـ"مرحلة جديدة من العلاقات في المنطقة، بدءا بوقف تدخل إيران في الشؤون اليمنية".
لكنها ذكرت أنها ستستمر بالتعامل مع النظام الإيراني بحذر إلى أن ترى تغيرا أساسيا في سلوكه وسياساته المدمرة في اليمن والمنطقة، حسبما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط.
ويشمل ذلك دعم النظام المتواصل للحوثيين عبر تزويدهم بالأسلحة والمدربين التابعين للحرس الثوري الإيراني.
وبدت ردود فعل الشعب اليمني متباينة.
وقال الطاف علي المقيم في صنعاء الخاضعة للحوثيين، "إن شاء الله يكون الاتفاق بين إيران والسعودية بادرة خير للوطن العربي والعالم وبشكل خاص لليمنيين واليمن لإنهاء الحرب".
ولكن المواطن عبد الحكيم مغلس من مدينة تعز الواقعة تحت سيطرة الحكومة والمحاصرة من الحوثيين، قال إنه يشك في أن يؤدي استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران إلى "السلام الشامل".
وأوضح "قد ينتج هدنة مؤقتة وفق تفاهمات معينة لفترة قصيرة، لكنه لن يوقف الحرب ويحقق سلاما شاملا ودائما في اليمن".
يُذكر أن المعارك في اليمن هدأت بشكل ملحوظ بعد الإعلان عنهدنة برعاية الأمم المتحدة دخلت حيز التنفيذ في نيسان/أبريل الماضي، وقد بقيت سارية نسبيا حتى بعد انتهاء فترة اتفاق الهدنة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وذكرت مصادر يمنية وإقليمية أن السعودية تجري مع الحوثيين منذ أشهر عدةمحادثات خلف الكواليس برعاية عمانية .
وتوجه المبعوث الأميركي الخاص لليمن تيم ليندركينغ يوم الثلاثاء، 14 آذار/مارس، إلى السعودية وعُمان لمواصلة الجهود الأميركية المكثفة لأحراز تقدم مبني على الهدنة.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان إن "الهدنة وفترة الهدوء التي تلتها والتي حققتها الدبلوماسية الأميركية منذ العام 2021، أنقذت آلاف الأرواح وأمنت إغاثة ملموسة لملايين اليمنيين كما خلقت أفضل فرصة للسلام حصل عليها اليمن منذ سنوات".
ʼما من عصا سحريةʻ
وبحسب ماجد المذحجي مدير مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، ليس الاتفاق السعودي-الإيراني "عصا سحرية" للمشاكل التي يواجهها اليمن.
وقال إن "الحل في اليمن لن يتحقق إلا عبر حوار متعدد الأطراف تشارك فيه السعودية والإمارات (وهي عضو مهم في التحالف العربي) والحوثيين وإيران" وجهات أخرى.
بدوره، ذكر الباحث في معهد مجموعة الأزمات الدولية، أحمد ناجي، أن حالة الانفراج بين السعودية وإيران لا "تعني نهاية كاملة لكل أوجه الصراع المعقدة".
وتابع أن اليمن يشهد "حربا متعددة الجوانب، وسيساهم هذا الاتفاق في التطرق إلى الحجم الإقليمي لهذا الصراع".
وأضاف "لكن الحوافز المحلية للصراع ستبقى موجودة وسيتطلب وضع حد لها مزيدا من الوقت وحلولا متعددة المسارات".
وأشار مركز كارنيغي للشرق الأوسط إلى أن "ما ليس واضحا هو ما إذا كانت بيجين ستقدم أي ضمانات في حال انتهك أي من الطرفين شروط الاتفاق".
وقال إن التدخل الإيراني هو "واقع حياتي" في اليمن وفي دول أخرى من المنطقة، مشيرا إلى أن الضمانة الوحيدة للسلام في اليمن "تبدو في عدم استعداد أي من الطرفين لإثارة غضب الصين في هذه المرحلة الحرجة".
ومن جهته، ذكر موقع المونيتور في تحليل أعده أن "معظم من يراقبون العلاقات السعودية-الإيرانية منذ فترة طويلة من الوقت يشككون بحق في قدرة الطرفين على ترجمة روح الاتفاق بتقارب صادق".
وقال الموقع الإخباري المستقل "خلافا لواشنطن، تعد قدرات الصين لاستعراض القوة محدودة إلى حد كبير".
ولفت إلى أنه "في ظل وجود قاعدة عسكرية أجنبية وحيدة لها في جيبوتي وبغياب هيكل أمني مهم في المنطقة، سيتعذر على بيجين تنفيذ الاتفاق باستخدام القوة أو التهديد بها".
وأضاف أنه "في حين أن غياب هذا الطابع العسكري قد يكون مصدرا للقوة الناعمة بالنسبة للصين في نظر الدول الإقليمية... إلا أن بيجين لا تستطيع حماية الأصول الأساسية في المنطقة أو الرد على أي تجاوزات".
وتابع أن "بيجين ما تزال تعتمد على واشنطن على هذا الصعيد"، مشيرا إلى أن الصين "ستكون بدون شك غير قادرة وغير مستعدة للعب دور ضامنة هذا الاتفاق".