تحليل

الاتفاق الإيراني-السعودي برعاية صينية يثير التساؤلات في المنطقة

نهاد طوباليان ووليد أبو الخير

رجل في طهران يحمل صحيفة محلية تناولت في صفحتها الأولى الاتفاق بين إيران والسعودية الذي توسطت فيها الصين ووقع في بيجين قبل يوم أي في 11 آذار/مارس. [عطا كيناري/وكالة الصحافة الفرنسية]

رجل في طهران يحمل صحيفة محلية تناولت في صفحتها الأولى الاتفاق بين إيران والسعودية الذي توسطت فيها الصين ووقع في بيجين قبل يوم أي في 11 آذار/مارس. [عطا كيناري/وكالة الصحافة الفرنسية]

أدى الإعلان المفاجئ الذي ورد يوم الجمعة، 10 آذار/مارس، بشأن استئناف العلاقات بين الخصمين القديمين إيران والسعودية في اتفاق توسطت فيه الصين إلى إنهاء الخلاف الذي بدأ عام 2016، ولكنه يثير في الوقت عينه مخاوف أخرى للمنطقة.

فأعرب البعض عن شكهم بقدرة الصين على الحفاظ على الاتفاق، مشيرين إلى أن التقارب الإيراني-السعودي متقلب بطبيعته وقد ينهار عند أول اختبار.

وشككوا كذلك في قدرة الصين على لعب دور الوسيط، طاعنين في حيادها ومشيرين إلى سجلها الحافل في استغلال الدول الضعيفة لتحقيق مكاسب استراتيجية لها.

وأشار آخرون إلى أنه في الوقت الذي وصفت فيه الصين الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد 5 أيام من محادثات جرت الأسبوع الماضي في بيجين بأنه انقلاب دبلوماسي، لم تعترف بأنه جاء نتيجة جهود سابقة بذلتها جهات أخرى.

عمال يزيلون لافتة لمنتدى الحزام والطريق خارج مكان انعقاد المنتدى في بيجين يوم 27 نيسان/أبريل 2019. [وكالة الصحافة الفرنسية]

عمال يزيلون لافتة لمنتدى الحزام والطريق خارج مكان انعقاد المنتدى في بيجين يوم 27 نيسان/أبريل 2019. [وكالة الصحافة الفرنسية]

وقالت صحيفة واشنطن بوست في تحليل لها يوم الأحد، إنه على الرغم من أن الاتفاق تم برعاية بيجين، إلا أنه "جاء بعد عامين على الأقل من حوار مستمر ومن محادثات رعتها جهات نافذة إقليمية أخرى"، بما في ذلك العراق وعُمان.

وتابعت أن "الصين لم تتدخل ببساطة وتجعل الأطراف المتنازعين يتفقون فجأة"، مشيرة إلى أن "التقدم المحرز في بيجين لا ينذر فعليا بتحول كبير في الديناميكية الإقليمية، ليس الآن على الأقل".

مخاطر كامنة

ورحبت دول كثيرة بالاتفاق الذي سيشهد "استئناف العلاقات الدبلوماسية [بين إيران والسعودية] وإعادة فتح السفارات والبعثات في غضون شهرين"، ومن المحتمل أن يعزز السلام الإقليمي.

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي "نؤيد أي جهود لتهدئة التوترات في المنطقة"، على الرغم من تشكيكه في التزام إيران بتحقيق تقارب فعلي مع خصم قديم، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز يوم الجمعة أن الصراع بين إيران والسعودية متجذر في خلافات عميقة قد لا يكون التواصل الدبلوماسي البسيط قادرا على حلها.

وفي هذه الأثناء في الشرق الأوسط، أعرب كثيرون عن شكوكهم بهذا الاتفاق.

وقال مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات حسان قطب للمشارق إن الاتفاقية "قد تبدو للبعض أنها جيدة".

وأردف "لكنها بالعمق تخفي محاذير عديدة، أهمها التنبه لتمدد النفوذ الصيني بالمنطقة".

وأشار قطب إلى أن النفوذ الصيني في بعض الدول "نتج عنه انتهاكات لسيادة هذه الدول واضطرابات باقتصادها أدى لإفقارها".

أحلام توسعية

وذكر قطب أن الصين تسعى إلى إعادة إحياء أحلامها التوسعية وتسخير اقتصادها وهيكلها العسكري لحماية توسعها ومصالحها الاقتصادية.

وغالبا ما تقوم بذلك عبر السيطرة على البلدان ذات المواقع الاستراتيجية والمضطربة اقتصاديا مثل إيران، وهي بلدان تتمتع في الوقت عينه بثروة محتملة يمكن للصين استغلالها الآن أو مستقبلا.

وأوضح قطب أنها تستفيد من أزماتها الاقتصادية لمساعدتها، لكن هذه المساعدة تأتي دوما مشروطة.

وأضاف أن الصين "تأمل بترسيخ الاستقرار بمنطقة الخليج وتطوير علاقاتها التجارية معها وزيادة نفوذها السياسي والعسكري فيها".

وتابع "إلا أن هذا الأمر سيترك أثره على واقع هذه الدول الداخلي وقدرتها على حماية سيادتها أو التمتع بقدرة كافية لاتخاذ قرارات سيادية لا تزعج الصين".

من جانبه، قال أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برينستون برنارد هيكل خلال فعالية افتراضية من تنظيم معهد هدسون في 19 آب/أغسطس الماضي، إنه يمكن وصف انخراط الصين في المنطقة بأنه "انتهازي".

وأوضح أن الصين كانت "تراقب القواعد العسكرية وتحاول الدخول في القطاع العسكري عبر الخليج"، لكن يتركز جهدها هذا على مصالحها الخاصة.

تعقيدات إضافية

وبدورها، قالت الأستاذة المحاضرة والمتخصصة في السياسة الدولية مي عبد الرحمن للمشارق، إن التوغل السياسي الصيني في الشرق الأوسط ستكون له عواقب وخيمة.

ولفتت إلى أن الصين لم تكن يوما فعليا في دائرة الدول التي سعت للمحافظة على مصالح بلدان المنطقة.

وأضافت أن سعيها للتدخل الآن سيؤدي إلى خلط الأوراق السياسية وإلى توترات لا تحتاجها المنطقة في الوقت الراهن.

وأشارت عبد الرحمن إلى أن الصين استفادت تقليديا من الاضطرابات لتصور نفسها على أنها وسيط وتقدم حلولا قد تبدو للوهلة الأولى قادرة على نزع فتيل التوترات، إلا أنها في الواقع مجرد حلول مؤقتة.

وأوضحت أن هذه الحلول يمكن أن تضر أكثر مما تنفع عبر إفساد الشراكات الاستراتيجية القائمة في مجالات الاقتصاد والتجارة والأمن.

وتوقعت عبد الرحمن أن يكون الفشل مصير المحاولات الدبلوماسية الصينية حتى لو بدت ناجحة، مشيرا إلى احتمال انهيارها أمام أول أزمة.

وقالت إنه عبر تقديم نفسها كوسيط وضامن بين أطراف معينة، ستضع الصين نفسها أيضا في موقف صعب مع دول المنطقة عندما تفشل الأطراف الأخرى بالالتزام بشروط الاتفاقية.

وأكدت أنها ستفقد علاقتها الجيدة مع بعض العواصم، الأمر الذي سيضر بمصالحها الاستراتيجية والاقتصادية نظرا لحاجتها إلى الممرات المائية والطاقة.

’دبلوماسية فخ الديون‘

ويشكك البعض في مزاعم بيجين بأنها تسعى للعب دور بناء في إحلال السلام في الشرق الأوسط، مشيرين إلى مشاريعها الاقتصادية في نحو 150 دولة عبر مبادرة الحزام والطريق التابعة لها.

وفي هذا الإطار، أكدت مبادرة الأبحاث الجنوبية من مقرها بالعاصمة السريلانكية كولومبو تقرير صدر في 26 كانون الثاني/يناير، أن مبادرة الحزام والطريق المعروفة أيضا باسم حزام واحد طريق واحد، ليست سوى غطاء لـ "دبلوماسية فخ الديون" الصينية ومساعي توسيع وجودها العسكري.

هذا وقوبلت مبادرة الحزام والطريق في الصين "بأسئلة مرتبطة بالاستدامة واتهامات بالفساد وصُورت على أنها واجهة للهيمنة الصينية"، وفقا لتقرير صدر في كانون الثاني/يناير عن المركز العربي في واشنطن العاصمة.

وأضاف التقرير أن دولا عدة شهدت نوعا من "ندم المشتري" بسبب اعتمادها مبادرة الحزام والطريق وتحملها أعباء الديون التي رافقتها.

وذكر التقرير أن "سرعة وعزم بيجين [في المضي قدما بمبادرة الحزام والطريق] ظهرا جليا وبصورة أكبر في الشرق الأوسط"، مشيرا إلى أن الصين "ضخت ما لا يقل عن 123 مليار دولار في الشرق الأوسط في تمويل المشاريع المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق".

وجاء في التقرير أنه "في الوقت الذي يمكن فيه وصف استراتيجية الصين للانخراط في الشرق الأوسط بأنها حميدة، فهي في الواقع تترافق مع تمدد ظلها العسكري والدبلوماسي في المنطقة".

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500