منذ أن تولى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي منصبه خلال الصيف الفائت، أعلن أن هدف حكومته في السياسة الخارجية هو تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية مع الدول المجاورة لإيران.
ولكن ذكر مراقبون أن الحكومة هي في الواقع رهينة السياسات الإقليمية المزعزعة للاستقرار التي ينتهجها الحرس الثوري الإيراني.
وقالوا إن هذه السياسات قد طغت طوال عقود على علاقات إيران الخارجية، واعتمدت على استخدام الوكلاء لتقويض مصالح الدول التي يعتبرها قادة الحرس الثوري "أعداء".
وأدت السياسات أيضا إلى احتجاجات شعبية داخل إيران، أججها نقص في المياه والانقطاع الدائم للتيار الكهربائي وانتهاكات حقوق الإنسان، إضافة إلى سوء إدارة الجائحة.
وحذر محللون من أنه بعد عقد من سياسة إيران العدائية في المنطقة مع ما تشهده داخليا من احتجاجات شعبية متواصلة ضد الحكومة، باتت الظروف مهيأة لانتفاضة داخلية في إيران تحاكي تلك التي انطلقت في سياق "الربيع العربي".
التمسك بإرث سليماني
وقال المحللون إن الشعب الإيراني يغرق أكثر فأكثر في أزمة اقتصادية صاعقة بسبب إصرار النظام على التمسك بإرث قائد فيلق القدس المقتول قاسم سليماني.
فقبل مقتله في غارة أميركية في بغداد يوم 3 كانون الثاني/يناير 2020، قاد سليماني مهمة تنفيذ أجندة الحرس الثوري التوسعية عبر شن عدد من الحروب بالوكالة في مختلف أنحاء المنطقة، بما في ذلك العراق وسوريا ولبنان واليمن وأفغانستان.
وكانت هذه التدخلات مكلفة وأظهرت مرارا سوء طهران في ترتيب الأولويات، وترافقت مع تصاعد استياء الإيرانيين من الحكومة والأوضاع الاقتصادية المتفاقمة.
وفي الجزء الأكبر من العقد المنصرم، استثمر النظام الإيراني بكثافة في سوريا عبر دعم نظام بشار الأسد عسكريا والإنفاق بسخاء في مناطق أخرى، ولكن من دون أن يحصل في المقابل على أي مكاسب ملموسة.
وإن المبالغ المالية الهائلة التي أنفقتها ولا تزال تنفقها إيران في سوريا، لم تحصد للنظام الإيراني المكاسب التي كان يأملها.
ولم تعزز قدرات الحرس الثوري الذي أصبح اليوم أضعف بكثير مما كان عليه قبل عامين، حتى بعد إنفاق ملايين الدولارات.
ووفقا للخبير في العلاقات الإيرانية-العربية المقيم في إيران عبد الله كابولي، قام المسؤولون الإيرانيون أيضا بالمبالغة إلى حد كبير في توصيف نفوذ سليماني في سوريا وعلى روسيا.
وتدخلت كل من روسيا وإيران في الحرب السورية لدعم نظام الأسد. ولكن مع انتهاء الحرب، أصبحا متنافسين يسعى كل منهما إلى الاستفادة من دوره وتعزيز أجندته الخاصة على حساب الآخر.
وقال كابولي للمشارق إن "طهران تعتقد أن سليماني أقنع [الرئيس الروسي فلاديمير] بوتين بالتدخل عسكريا في سوريا".
وأوضح "لكن في الواقع ومن خلال استغلال المسلحين المدعومين من إيران في سوريا، سيطرت روسيا على الوضع وحصدت مكاسب سياسية واقتصادية".
وكلاء إيران ينشرون الفوضى
ومن جهة أخرى، كانت التكاليف البشرية والمالية لإيران خلال الحرب السورية طائلة.
وقال محللون إن إيران تبرعت بمئات الملايين من براميل النفط وملايين الدولارات لنظام الأسد على مدى العقد الماضي، إلا أن هذه التقدمات التي انعكست كأوجه قصور ومصاعب في حياة الإيرانيين، ذهبت سدى.
وأكدوا أن خسارة طهران لمصالحها الاقتصادية والسياسية في المنطقة وعلى المسرح العالمي، تشكل ثمنا باهظا آخر تدفعه على خلفية تدخلها الإقليمي ولا يمكن تخيل الحد الذي يمكن أن يصل إليه هذا الثمن.
وفي اليمن، يواصل الحرس الثوري تهريب الأسلحة التي تغذي الصراع بين الحوثيين المدعومين من إيران والحكومة المعترف بها دوليا.
وفي 20 كانون الأول/ديسمبر، صادرت البحرية الأميركية 1400 بندقية من طراز أي.كي-47 وذخيرة من سفينة صيد في شمال بحر العرب، وأوقفت 5 من أفراد طاقمه عرّفوا عن أنفسهم بأنهم يمنيون.
وجاء في بيان صدر عن البحرية الأميركية في 22 كانون الأول/ديسمبر، "بحسب التقييمات، فقد انطلقت السفينة التي لا تحمل أية جنسية من إيران وعبرت المياه الدولية في مسار يستخدم عادة لتهريب الأسلحة غير القانونية إلى الحوثيين في اليمن".
وفي عام 2021، تم تنفيذ عمليتي اعتراض بحريتين أخريين لشحنات أسلحة يُعتقد أنها كانت متجهة إلى الحوثيين من قبل يو.إس.إس ونستون تشرشل في شباط/فبراير ويو.إس.إس مونتيري في أيار/مايو قبالة سواحل الصومال وفي بحر العرب على التوالي.
في غضون ذلك، بدأت تظهر الانقسامات بين الميليشيات التي تعمل بالوكالة عن إيران في العراق، كما بدا في الممارسات الأخيرة لعصائب أهل الحق وموقف التحدي الذي اعتمدته.
وفي لبنان، لا تزال آثار علاقة سليمان بحزب الله وقائده حسن نصر الله محسوسة في الأزمة الاقتصادية العميقة التي عصفت بالبلاد، وفي شلل الحكومة الناتج عن اختطاف حزب الله لعملية صنع القرار.
خطر حدوث انتفاضة
وعلى الرغم من العقوبات وتراجع مواردها المالية، استمرت طهران في إعطاء الأولوية لإنفاقها على تصدير الإرهاب والطائفية والتضليل على حساب الاحتياجات اليومية للشعب الإيراني.
وإن التمويل متوفر ووفير للحرس الثوري الإيراني.
وللمرة الأولى منذ توليه منصبه، قدم الرئيس رئيسي المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي مشروع الموازنة العامة للسنة المالية المقبلة، وهي وثيقة تكشف عن أولوياته.
فيتم إعداد موازنة السنة المالية الجديدة التي تبدأ في 21 آذار/مارس، من قبل الإدارة وترفع إلى البرلمان الإيراني الذي يتعين عليه الموافقة عليها في شكلها النهائي.
وفي مشروع الموازنة، رفعت إدارة رئيسي الأموال المخصصة للحرس الثوري بشكل كبير لتصل الزيادة في ميزانية الحرس الثوري للعام المقبل إلى 240 في المائة.
وكان العام الماضي قد شهد زيادة في ميزانية الحرس الثوري مقارنة بالعام السابق بلغت نسبتها 58 في المائة، ما يشير إلى اتجاه تصاعدي يبدو أنه في تسارع.
وخلال العقد الماضي، خُصصت للحرس الثوري وبدرجة أقل للقوات المسلحة التقليدية الإيرانية التي تعرف بالأرتيش، الحصة الكبرى من الموازنة العامة السنوية، مع زيادات كبيرة كل عام.
وحصل الحرس على هذه الأموال حتى في الوقت الذي كانت فيه إيران على حافة الإفلاس مع مواجهة شعبها ظروف اقتصادية صعبة.
وفي مشروع الموازنة العامة، من المتوقع أيضا أن يزداد تمويل إذاعة جمهورية إيران الإسلامية بنسبة 56 في المائة مقارنة بالعام الماضي، وتعتبر الإذاعة الآلة الدعائية الرئيسية للنظام وتخضع مباشرة لأوامر خامنئي.
ولفت مراقبون إلى أنه على الرغم من حاجته الماسة إلى تخفيف العقوبات عنه وعلى الرغم من أنه يتفاوض بصورة نشطة من أجل رفعها، إلا أنه لا يبدو أن النظام الإيراني يقوم بما عليه القيام به لضمان رفعها.
وخلال العام الماضي، هزت الاحتجاجات المناهضة للنظام العديد من المدن الكبرى بسبب انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة ونقص المياه وعدم زيادة الرواتب والأجور المنخفضة والبطالة.
وبسبب انتشاره الإقليمي والنقص الحاد في التمويل، قد يفتقر الحرس الثوري الإيراني إلى القدرة على التصدي لانتفاضة جديدة واسعة ضد النظام.