تعتبر إيران، عبر إرسالها الميليشيات إلى سوريا لدعم نظام الرئيس بشار الأسد خدمة لأجندتها التوسعية، متواطئة في المجازر التي ارتكبها النظام بحق المدنيين السوريين.
فمنذ بداية الصراع، نشطت إيران في سوريا من خلال فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بقيادة قاسم سليماني، حتى مقتله بغارة أميركية في بغداد يوم 3 كانون الثاني/يناير الماضي.
وشكل مقتله منعطفا محوريا في الحملة التي تشنها طهران منذ عقود لزرع التشدد وإثارة الخلافات في جميع أنحاء المنطقة.
ويعمل فيلق القدس اليوم تحت قيادة اسماعيل قاآني،الذي يعتبره الكثيرون أنه يفتقر إلى الكاريزما والمعرفة الإقليمية التي كان يمتلكهما سلفه على الرغم من تأكيده المضي على خطى سليماني.
وتدخلت الميليشيات، التي شكلها ويديرها فيلق القدس وبينها لواء فاطميون المكون من مقاتلين أفغان، سرا وعلنا لإبقاء النظام السوري في السلطة وقمع خصومه.
وبالإضافة إلى إطالة أمد النزاع وتعقيده، فقد سمح ذلك للنظام السوري بمواصلة ارتكاب الانتهاكات الموثقة بحق شعبه، ومنها على سبيل المثال الهجمات الكيميائية ضد المدنيين ووالتعذيب في سجونه.
وفي خطوة هدفت إلى محاسبة النظام السوري على هذه الجرائم وغيرها ووقف التدخل الأجنبي، خصوصا الإيراني والروسي، أصدرت الحكومة الأميركية قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019 الذي دخل حيز التنفيذ في حزيران/يونيو الماضي.
وأطلق على القانون هذه التسمية تيمنا باسم "قيصر" المستعار الذي استخدمه مصور عسكري سوري سابقكان قد أدلى بشهادته أمام الكونغرس الأميركي بعد أن فر من سوريا عام 2013 وبحوزته 55 ألف صورة تعكس الوحشية التي تمارس في السجون السورية.
ومن بين هذه الصور، صور التقطت داخل سجون الأسد لجثث مشوهة لأسرى كتبت على جباههم أرقام.
وفي شهادة ثانية أدلى بها في آذار/مارس من هذا العام، حث قيصر الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على محاسبة نظام الأسد على أفعاله.
العقوبات تستهدف حلفاء الأسد
ومنذ دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية مجموعة من العقوبات ضد شخصيات مقربة من النظام، بينهم زوجة الأسد وابنه المراهق.
واستهدفت العقوبات أيضا قطاع النفط السوري ونوابا وضباط مخابرات، مع فرض مجموعة منها في تشرين الثاني/نوفمبر تخليدا لذكرى أكثر من 70 مدنيا قتلوا في تفجير وقع في تشرين الأول/أكتوبر 2015 داخل سوق بمدينة دوما.
واستهدفت العقوبات أيضًا وسطاء أجانب يعملون لصالح النظام.
وبالإضافة إلى محاسبة الأسد، يهدف قانون قيصر إلى وقف تدخل إيران وروسيا في سوريا ومنعهما من الاستفادة من اضطهاد الشعب السوري عبر إبرام عقود لإعادة الإعمار تدر عليهما أرباحا طائلة.
واستهدفت على وجه التحديد لواء فاطميون المدعوم من الحرس الثوري الإيراني وفصائل أخرى تابعة له، فضلا عن ميليشيات تمولها روسيا وتدعم قوات النظام السوري، خصوصا في جنوبي البلاد.
وفي هذا السياق، قال الخبير في الشؤون الإيرانية شيار تركو إن استهداف لواء فاطميون بموجب قانون قيصر "يوجه ضربة قاسية للحرس الثوري الإيراني وميليشياته".
وأوضح أن وزارة الخزانة الأميركية كانت قد صنفت الميليشيا بالفعل على لائحة الإرهاب في كانون الثاني/يناير 2019، على خلفية علاقاتها بالحرس الثوري الإيراني وتنفيذها هجمات إرهابية.
وتشكل العقوبات الجديدة تحديا أمام استخدام الحرس الثوري الإيراني لوكلاء أجانب "بغرض تنفيذ مشاريعه التوسعية"، وتضع عقبات جديدة أمام ميليشيات كلواء فاطميون.
وأضاف تركو أنه من خلال انتشارها في مناطق سورية استراتيجية كدمشق ودير الزور وحلب وتدمر، لعبت الميليشيا دورا أساسيا في ضمان بقاء النظام حتى الآن.
وأردف أن إضعاف لواء فاطميون من خلال فرض عقوبات على قادته ومقاتليه سيؤدي بدوره إلى إضعاف الأجندة الإقليمية للحرس الثوري الإيراني، كما سيؤدي بالتأكيد إلى انهيار الدعم الذي يقدمه للنظام.
من جانبه، قال الباحث في الشؤون الإيرانية في مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية فتحي السيد إن الميليشيات التي يمولها الحرس الثوري الإيراني لعبت دورا رئيسا في تأجيج الصراع السوري وتحويله إلى صراع طائفي لإبقاء نظام الأسد في السلطة.
ولفت إلى أنه لولا هذا التدخل، لما بقي النظام السوري في السلطة حتى اليوم، معتبرا أن الميليشيات متواطئة في الجرائم التي ارتكبتها.
أدلة جديدة على جرائم النظام
ويقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن ما لا يقل عن 100 ألف شخص قد لقوا حتفهم بسبب التعذيب أو نتيجة الظروف المروعة في سجون النظام، مع دخول نصف مليون شخص إلى السجون السورية منذ عام 2011.
هذا وتستمر أدلة جديدة على جرائم النظام السوري في الظهور.
وأعلن ممثلو إدعاء ألمان يوم الاثنين، 21 كانون الأول/ديسمبر، أن الطبيب السوري المقيم في ألمانيا الذي اعتقل في حزيران/يونيو الماضي للاشتباه في ارتكابه جرائم ضد الإنسانية في سوريا سيواجه تهما إضافية.
ووفقا لوكالة الصحافة الفرنسية، وجهت بداية لـ "علاء م." تهمتا تعذيب محتجزين في سجن تديره المخابرات السورية في مدينة حمص عام 2011.
لكن المدعين قالوا إنه متهم الآن بارتكاب المزيد من الانتهاكات، بما في ذلك مزاعم بقتل شخص و18 تهمة تعذيب أخرى.
وكان علاء م. طبيبا في السجن العسكري في حمص عندما ارتكب بحسب المزاعم انتهاكات مروعة، بينها إشعال النار في الأعضاء التناسلية لمراهق.
وفي عام 2012، لاحق معتقلا التهبت جراحه ونقل إلى مستشفى عسكري. وزُعم أنه ركل وضرب السجين مع ضابطين آخرين وسكب مادة سائلة قابلة للاشتعال على جروحه قبل إشعال النار فيها. وبعد ذلك فقد السجين وعيه.
ويُتهم علاء م. بالتوجه إلى زنزانة المعتقل بعد عدة أيام حيث ضرب وركل 20 سجينا آخرين.
وقد حاول أحدهم الدفاع عن نفسه.
وقال ممثلو الادعاء "بعد فترة وجيزة، حقنه المدعى عليه بمادة قاتلة في ذراعه، ما أدى إلى وفاته بعد بضع دقائق".
وفي نيسان/أبريل، نظر القضاء الألماني أول قضية من نوعها في العالم بشأن التعذيب الذي ترعاه الدولة من قبل نظام الأسد، بعد أن لفت الضحايا انتباه السلطات إلى المشتبه بهما.
ويحاكم المتهمان، وهما ضابطا المخابرات السورية السابقان أنور رسلان وإياد الغريب، على أساس مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يسمح لدولة أجنبية بملاحقة جرائم ضد الإنسانية.