قبل مقتله منذ نحو عام، كان البعض يعتبر القائد الإيراني البارز الجنرال قاسم سليماني أكثر رجل مخيف في منطقة الشرق الأوسط.
وطوال أكثر من عقدين، قاد سليماني فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وهو فرع نخبوي في الجيش الإيراني مهمته تصدير الإرهاب وتسليح الميليشيات الوكيلة التابعة للنظام الإيراني في مختلف أنحاء المنطقة، بما في ذلك العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن وأفغانستان.
وشملت آخر خططه اعتداءات على قوات التحالف الأميركية في العراق، ومن بينها الهجوم الذي استمر يوما كاملا على السفارة الأميركية في بغداد بتاريخ 31 كانون الأول/ديسمبر، حيث كتب المخربون عبارة "سليماني زعيمنا" في رسوم على الجدران.
وقد أسفرت غارة من طائرة مسيرة أميركية عن مقتل سليماني في 3 كانون الثاني/يناير، وهو ما شكّل لحظة محورية في حملة طهران التي تدوم منذ عقود لنشر التشدد والفتنة في مختلف أنحاء المنطقة.
وكانت الولايات المتحدة قد صنفت سليماني إرهابيا عالميا عام 2011 لإشرافه على المخطط الفاشل لاغتيال السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة عادل بن أحمد الجبير الذي يشغل اليوم منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية، أثناء تواجده في العاصمة الأميركية واشنطن.
وفي وقت سابق من العام نفسه، فرضت عقوبات على سليماني بسبب دوره في تقديم الدعم المادي لنظام الرئيس السوري بشار الأسد أثناء قمعه العنيف للمتظاهرين المدنيين.
وفي نيسان/أبريل 2019، اتخذت وزارة الخزانة الأميركية خطوة غير مسبوقة بتصنيف الحرس الثوري الإيراني بأكمله كمنظمة إرهابية أجنبية ويرجع ذلك بصورة كبيرة للأفعال التي قام بها فيلق القدس تحت قيادة سليماني.
تصدير الإرهاب
وتحت قيادة سليماني، قام فيلق القدس التابع للحرس الثوري بتصدير الإرهاب وتأجيج الطائفية وتقويض سيادة الحكومات الإقليمية، كما أنه كان مسؤولا عن مقتل الآلاف إن لم يكن عشرات الآلاف من الأشخاص، وعن بؤس غير موثق في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وخارجها.
وقال محللون إنه في حين أن النظام الإيراني مستمر بتقويض الأمن في المنطقة، إلا أن تهديدات طهران كانت ستصبح أكثر خطورة بكثير لو كان سليماني لا يزال على قيد الحياة.
وفي هذا السياق، قال غازي فيصل حسين مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إن سليماني "كانت لديه شبكة واسعة من العلاقات الوثيقة مع زعماء دول، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري بشار الأسد، وكان أيضا مقربا من مقاتلي الميليشيات وكان حاضرا على الأرض أثناء المعارك".
وأضاف أنه "عمل على نشر الثورة الإيرانية وعقيدة ولاية الفقيه لتحل محل النظم الشرعية في المنطقة، وذلك بالتعاون مع أنظمة خاضعة لإيران"، مشيرا بذلك إلى مبدأ أن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي يجب أن يحكم في كل الأمور.
بدوره، قال المحلل السياسي والصحافي اليمني وضاح الجليل، "لقد أوكلت إلى قاسم سليماني مهمة توسيع نفوذ الحرس الثوري الإيراني في المنطقة".
وخلال السنوات الأولى لعمل سليماني ولا سيما في سنة 1998 و1999، انصب تركيزه على توجيه حزب الله اللبناني.
وطوال أكثر من 10 سنوات، قام سليماني شخصيا بتوجيه الإرهابيين في العراق وتزويدهم بالأسلحة في إطار جهود إيران الرامية إلى إثارة التوتر وتقويض سيادة الحكومة العراقية.
وقتل ما لا يقل عن 603 من عناصر الجيش الأميركي في العراق على يد مقاتلين مدعومين من إيران في منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وهم يمثلون 17 في المائة من مجموع الأميركيين الذين قتلوا في عمليات عدائية في العراق، بحسب وزارة الدفاع الأميركية.
ومنذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2019، خرج آلاف المتظاهرين العراقيين بصورة متكررة إلى الشوارع للاحتجاج على نفوذ إيران المزعزع للاستقرار في العراق.
استدراج الشباب الضعفاء
وفي سوريا، أشرف سليماني على عملية ضخمة لدعم قوات الأسد المنهكة.
فبدءا من أواخر العام 2014 وعلى مدى سنوات عديدة، قام عناصر إيرانيون بتوجيه من سليماني بتجنيد مقاتلين في صفوف الميليشيات، علما أن كثيرين منهم كانوا دون السن و/أو من خلفيات هشة اقتصاديا ومن مجتمعات شيعية في أفغانستان وباكستان والعراق ودول أخرى.
ومقابل الانضمام إلى صفوف لواء فاطميون وهي ميليشيا أفغانية بقيادة الحرس الثوري، وُعد الأفغان بالحصول على الجنسية الإيرانية وعلى رواتب شهرية، إلا أن النظام الإيراني فشل مرارا وتكرارا في الوفاء بهذه الوعود.
وعن طريق تنظيم الحرب الأهلية في سوريا، أشرف سليماني على تجنيد ما يصل إلى 20 ألف مقاتلا أفغانيا فقيرا. وقد قتل منهم 2000 على الأقل وأصيب 8000 آخرين، بحسب مصادر فاطميون.
وذكر ناشطون في المعارضة أن التقديرات الخاصة بالعدد الإجمالي للوفيات في الحرب الأهلية السورية تباينت مع حلول كانون الأول/ديسمبر 2020 بين 387100 ونحو 593 ألف قتيل.
وأفادت منظمة وورلد فيجن بأن نحو 6.2 مليون شخص نزحوا داخل سوريا، بينما فر أكثر من 5.6 مليون آخرين إلى الدول المجاورة.
وفي الإطار نفسه، لعب سليماني دورا في توسيع رقعة نفوذ إيران في اليمن، حيث عزز الحرس الثوري دعمه للحوثيين (أنصار الله) عام 2015 حين تدخلت السعودية لصالح الحكومة اليمنية، علما أن المملكة هي من أكبر خصوم إيران في المنطقة.
من جانبه، قال عبد السلام محمد مدير مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية إن "دور سليماني تمثل بتسريع تنفيذ استراتيجية إيران، ومنها السيطرة على صنعاء ودمشق إلى جانب بيروت وبغداد".
وأضاف أن "مقتله لن يغير تلك الاستراتيجية".
وبحسب مشروع بيانات اليمن، أسفرت الأزمة اليمنية التي أججها الحوثيون المدعومون من إيران، عن مقتل وإصابة أكثر من 17500 شخص منذ العام 2015. وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن أكثر من 20 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينما يعد 10 ملايين آخرين عرضة للمجاعة.
ويقوم الحوثيون بصورة دورية وغير قانونية باعتقال وتعذيب الطلاب والنساء والناشطين في مجال حقوق الإنسان والصحافيين والعاملين في المنظمات الإنسانية والأقليات الدينية، بحسب ما كشفته تحقيقات دولية.
ميليشيات تحولت إلى عصابات
وفي عامي 2014 و2015، سلطت صور لسليماني وهو يرتدي زيا عسكريا أثناء تواجده في ساحة المعركة في العراق، الضوء على دوره المباشر في هذا الصراع.
وقد أصبح العديد من الميليشيات التي ساعد سليماني في إنشائها على مر السنوات جامحة وانحرفت بشكل لافت عن أهدافها الأساسية الدينية المزعومة.
ففي العراق، استغلت هذه الميليشيات القوة التي اكتسبتها بشكل متزايد على مدار السنين تحت قيادة سليماني لقمع المتظاهرين العراقيين والتغلغل في الحشد الشعبي وإساءة استخدام سلطته، ووصل بها الأمر حتى إلى إطلاق النار على عشرات المتظاهرين العراقيين الذين يحتجون على فساد الحكومة وعدم كفاءتها.
وقال سياسي عراقي بارز طلب عدم الكشف عن اسمه لوكالة رويترز في شباط/فبراير الماضي، إن "الميليشيات تحولت إلى وحوش وباتت جشعة وقوية للغاية بحيث يتعذر التعامل معها".
وأضاف أن هذه الميليشيات "ابتزت الشركات وأرادت حصة في كل شيء وأجبرت حتى الحكومة على إعطاء الموالين لها وظائف وعقودا حكومية".
كما استولت الميليشيات العراقية بصورة غير قانونية على الأسلحة وعرقلت الاستثمارات في عدد من المدن العراقية التي تم تحريرها من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
[ساهم فارس العمران ونبيل عبد الله التميمي في إعداد هذا التقرير.]
في الواقع، إن فيلق القدس له مهمة أخرى هي قمع المتظاهرين داخل إيران بشدة. ومن الأمثلة على ذلك، حملة القمع التي نفذت عام 2009 مع أعمال الاغتصاب واستهداف الأعضاء الحيوية للمتظاهرين في الشوارع وغير ذلك. وتشير الشائعات إلى أنه أثناء توجههم لقمع المتظاهرين صباحا، أطلق [عناصر فيلق القدس] النار بصورة مباشرة على المشردين من دون سبب. وقد أصيب المتظاهرون بالرصاص في الرأس والصدر عام 2017 و2018، كما حدث في العراق. ولم يعد فيلق القدس بالقوة نفسها التي كان يملكها في منطقة الشرق الأوسط، منذ أن فرض عليه ترامب العقوبات القاسية. وعلى الرغم من ذلك، يقوم عناصره الآن بذبح الناس بداخل إيران. لقد قال زعماء الجمهورية الإسلامية "نحن نستخدم لواء فاطميون وغيره من أجل القمع". ما الذي ينبغي على المتظاهرين فعله في الداخل الإيراني؟ فحين كانوا لا يزالون يافعين في 2009 و2017 و2018، وقعوا فريسة الميليشيات وقوات مواجهة التمرد. ولكن اليوم، لا بد أنهم قد تعلموا الدرس. إن الوحدة وحرب الاستنزاف والمظاهرات التي تنظم على شكل نصف دائرة [هي الطريقة الصحيحة للمضي قدما]. وفي المقابل، من الخطأ الاصطفاف في صف واحد [لأنه] يصبح ممكن تشتيت الحشود وتتعرض بذلك للطلقات النارية المباشرة. وخلافا لصفات الشاه، فليس لدى الجمهورية الإسلامية كرامة أو شرف يمكن احترامه، ومن ثم فهي لا تخشى قتل الناس. إن لغة القوة هي اللغة الوحيدة التي تفهمها هذه الجمهورية.
الرد1 تعليق