يلهث الإيرانيون بحثا عن الهواء، فعليا ومجازيا، مع وصول عدد الإصابات اليومية بكوفيد -19 إلى الآلاف ومعاناةالعديد منهم من مشاكل اقتصادية متواصلة بسبب سوء إدارة النظام للجائحة.
ففي الوقت الذي قطعت فيه معظم الدول شوطا كبيرا في تلقيح مواطنيها، أدى نقص اللقاحات في إيران ورفضها اللقاحات غربية الصنع إلى حصول أقل من 1 في المائة من سكانها على التلقيح الكامل، وفقا لمنشور عالمنا في البيانات.
وعلى مدار الجائحة، سجلت إيران أكبر عدد من الإصابات والوفيات بكوفيد-19 في المنطقة، لكن القادة الإيرانيين عمدوا على نحو متواصل إلى تأخير استيراد اللقاحات المنقذة للحياة أو حظره.
وأوضح مثال على ذلك هو ما قام به المرشد الأعلى علي خامنئي في كانون الثاني/يناير عندما حظر استيراد لقاحات كوفيد-19 من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وردا على ذلك، حثت مجموعة من المنظمات غير الحكومية والنشطاء الحقوقيين النظام على "السماح للإيرانيين بشراء أية لقاحات آمنة وفعالة بمجرد توفرها، بغض النظر عن منشأها".
وقالوا في بيان مشترك صدر يوم 21 كانون الثاني/يناير ونشرته منظمة هيومان رايتس ووتش إن القيام بخلاف ذلك هو تصرف غير مسؤول.
وجاء في البيان أن حقوق الإيرانيين "معرضة لخطر كبير بسبب تسييس سياسة اللقاح والفشل في الاستناد إلى العلم والأدلة الطبية واحترام حقوق الإنسان واحتياجات الصحة العامة عند وضع سياسات الدولة الخاصة بكوفيد-19".
تحقيق أرباح على حساب الصحة العامة
أحد التفسيرات المحتملة لسياسات النظام التقييدية فيما يتعلق باستيراد لقاحات كوفيد-19 هو الحوافز المالية التي قد تحصدها النخبة الإيرانية من اللقاحات المصنعة محليا.
فقد أعلن وزير الصحة سعيد نمكي في 13 حزيران/يونيو أن التجارب البشرية للقاح الإيراني كوف إيران بركت قد اكتملت، واعدا أنه اعتبارا من تموز/يوليو، سيتم إنتاج نحو ثلاثة ملايين جرعة منه أسبوعيا.
ويتم إنتاج اللقاح من قبل شركة بركت للأدوية، وهي واحدة من أكبر الشركات من نوعها في إيران، ومعظمها مملوك من قبل لجنة تنفيذ أمر الإمام الخميني.
وكان روح الله الخميني قد أسس لجنة تنفيذ أمر الإمام الخميني بعد فترة وجيزة من اندلاع ثورة 1979، وهي تمتلك المئات من الشركات الإيرانية المربحة سواء في قطاع التصنيع أوالاستيراد، وتعود إليها ملكية 90 في المائة من أسهم شركة بركت.
لذلك، فإن القسم الأكبر من أرباح تلك اللجنة تذهب إلى جيوب خامنئي وحلفائه المقربين الذين يمتلكون أو يديرون شركات تستورد لقاحات كوفيد-19 المنتجة في الصين وروسيا ودول أخرى.
ويصعب على الكثيرين تصديق وعود الحكومة بتوفير الآلاف من اللقاحات المصنعة محليا خلال فترة وجيزة.
ولطالما صرح مسؤولون في النظام أنهم بصدد تطوير ثمانية لقاحات مختلفة لكوفيد-19، أحدها بالشراكة مع كوبا، لكن التفاصيل والمعلومات المرتبطة بهذه المسألة بقيت غامضة.
ومنذ شباط/فبراير الماضي، تعهد المسؤولون الحكوميون بتلقيح عدد معين من المواطنين خلال فترة زمنية محددة، لكنهم لم يحققوا أيا من الأهداف التي وضعوها بأنفسهم.
فقد أعلنت وزارة الصحة عن إعطاء الأفضلية لكبار السن والعاملين في مجال الرعاية الصحية وغيرهم من الأشخاص المعرضين لخطر كبير، لكن الحكومة لم تنفذ بعد حملة تلقيح جادة تشمل جميع أنحاء البلاد.
وحتى منتصف حزيران/يونيو، تلقى كبار السن الذين تزيد أعمارهم عن 80 عاما لقاحات مقدمة من الصين وروسيا ودول أخرى، أو من خلال برنامج الوصول العالمي للقاحات كوفيد-19 (كوفكس).
لكن معظم كبار السن الذين تقل أعمارهم عن 80 عاما والذين تم تلقيحهم بالجرعة الأولى من اللقاحات الصينية أو الروسية قد تركوا في طي النسيان مع تصريح المسؤولين أن الجرعات الثانية غير متوفرة حتى إشعار آخر.
وبحسب بيانات وزارة الصحة، تم حتى 18 حزيران/يونيو الجاري إعطاء نحو 5.2 مليون جرعة من لقاح كوفيد-19 توزعت وفق الآتي: 4.3 مليون شخص تلقوا جرعة واحدة فيما تلقى 895 الف و152 شخصا فقط الجرعة الثانية.
ولم يتم توزيع سوى جزء بسيط من اللقاحات التي قدمتها كوفاكس، ولم يتلق من الإيرانيين اللقاح سوى الذين يتمتعون بصلات قوية مع السلطة أو الميسورين الذين تمكنوا من السفر إلى الخارج لتلقيه.
بحث يائس عن الراحة
إلى هذا، سعى "حلفاء" طهران (روسيا والصين) إلى تقويض ثقة الشعب في اللقاحات الغربية، عامدين بالتزامن مع ذلك إلى الترويج للقحاتهم الخاصة، ما أثار مخاوف جدية بشأن الفعالية ومراقبة الجودة والشفافية.
وفي هذا السياق، عمدت وسائل الإعلام والسلطات والشركات الحكومية الروسية إلى الدفع باتجاه استخدام لقاح سبوتنيك V من جهة، مستخدمة من جهة أخرى"رسائل معادية" تتهم فيها الاتحاد الأوروبي "بإلحاق الضرر عمدا" باللقاح الروسي، حسبما ذكرت وكالة العمل الخارجي الأوروبي في نيسان/أبريل الماضي.
وبالتزامن مع ذلك، عملت بكين على الترويج للقاحاتها باعتبارها "الأكثر ملاءمة للدول النامية"، فيما تنشر "سرديات مضللة" حول سلامة اللقاحات الغربية وحتى مصدر فيروس كورونا، حسبما ذكر التقرير.
لكن بكين نفسها اعترفت باحتمال وجود مشكلة في فعالية لقاحاتها. ومع ذلك، فإن "اتفاقية التعاون الاستراتيجي الموقعة مؤخرا بين البلدين والتي تدوم 25 عاماقد جعلت الصين الخيار الواقعي لإيران كمصدر لاستيراد اللقاحات".
وفي الداخل الإيراني، تركت المخاوف الصحية والبطالة المتفشية والمشاكل الاقتصادية التي تسببت بها الجائحة، أو تفاقمت بسببها، الكثير من الناس أمام خيار واحد، وهو قبول تلقي أي لقاح يُعرض عليهم، هذا إذا عرض عليهم أي لقاح أصلا.
أما الميسورين من المواطنين، فهم يدفعون مبالغ طائلة للحصول على لقاح فايزر عبر قنوات غير رسمية.
ومؤخرا، وجدت قوارير اللقاحات التي تحمل علامة فايزر طريقها إلى السوق السوداء عبر المنطقة الكردية في العراق، على الرغم من أنه لم يتضح بعد إذا كانت جميعها أصلية.
ووقع بعض الإيرانيين من الطبقة المتوسطة ضحية عمليات احتيال حين وعدوا بتلقي جرعة من اللقاح بعد توجههم إلى تركيا.
في ظل هذا الواقع، يُترك المواطنون العاديون ذوو الدخل المتوسط في غياهب الإهمال.
أولويات في غير محلها
ومع احتدام أزمة الصحة العامة، اختار النظام إنفاق موارده الضئيلة أصلا على الحرس الثوري الإيراني ووكلائه الإقليميين، بما في ذلك حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية والحوثيين في اليمن.
وقد شكل مضمون تسجيل صوتي سُرب مؤخرا لمقابلة مع وزير الخارجية الإيرانية جواد ظريف، دليلا آخر على أولويات النظام التي ليست في محلها.ففي التسجيل الذي انتشر على نطاق واسع في 25 نيسان/أبريل، اعترف وزير الخارجية بالدور الهائل الذي يلعبه الحرس الثوري وفيلق القدس التابع له في رسم السياسة الخارجية الإيرانية.
وأكد ظريف مرارا في المقابلة أن الجمهورية الإسلامية تعطي الأولوية لوجودها الإقليمي وسياساتها التوسعية على حساب الدبلوماسية.
إلى هذا، يمضي النظام قدما في انتهاك الاتفاق النووي التاريخي الذي عقده مع القوى العالمية، إذ أعربت الأمم المتحدة في أيار/مايو الماضي عن قلقها بشأن النشاط النووي الإيراني غير المعلن مع تخطي مخزون اليورانيوم المخصب الحد المسموح به بـ 16 مرة.