في وقت خطت فيه دول عدة شوطا كبيرا في تلقيح مواطنيها ضد فيروس كوفيد-19، لا تزال إيران متأخرة إذ ترك سوء إدارة النظام للأزمة والمعلومات المضللة التي نشرها معظم الإيرانيين عرضة للفيروس القاتل ومتحوراته.
وسجلت إيران أكبر عدد من الإصابات والوفيات بكوفيد-19 في الشرق الأوسط. وذكرت بيانات رسمية أنه لغاية 18 حزيران/يونيو الماضي، سجلت إصابة أكثر من 3 ملايين إيراني بالفيروس ووفاة أكثر من 82 ألفا بسببه.
ويؤكد الخبراء أن الأرقام الفعلية أعلى بكثير.
وعلى الرغم من الأزمة ومخاطر ظهور موجة ثانية من الوباء قد تكون أكثر فتكا، أعطت السلطات الإيرانية الأولوية للسياسة على حساب الصحة العامة.
ومن أوضح الأمثلة على ذلك قيام المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في كانون الثاني/يناير الماضي بمنع الحكومة من استيراد لقاحات مضادة لكوفيد-19 من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وفي أعقاب هذا الحظر، أعلن مسؤولون حكوميون أنهم سيشترون اللقاح "من دولة معينة" رافضين ذكر اسمها خوفا من أي رد فعل عنيف ضد اللقاحات الصينية والروسية غير الموثوق بها.
وحتى مسؤولي الصحة العامة في إيران والعاملين ضمن فريق العمل الخاص بفيروس كوفيد-19، قد أعربوا عن عدم ثقتهم بهذه اللقاحات.
وفي ذروة أزمة نقص الفحوصات والمعدات الطبية، رفضت إيران عرض الولايات المتحدة مساعدتها في كلا المجالين.
ولم يكن تاريخ 8 كانون الثاني/يناير التاريخ الوحيد الذي ذكر فيه خامنئي القوى الغربية وفيروس كورونا في الخطاب نفسه.
ففي خطابه السنوي بعيد النوروز (رأس السنة الإيرانية) في آذار/مارس 2020، ألمح خامنئي إلى أن الولايات المتحدة قد تكون وراء تكوين الفيروس.
وفي المراحل الأولى من تفشي الوباء وقبل أن يصبح عالميا، انتشر الفيروس في إيران بدءا من قم حيث توجد أكبر حوزة دينية في البلاد وأهمها.
وأخفى مسؤولو النظام تفشي الفيروس في قم، سامحين له بالانتشار إلى جميع أنحاء البلاد، فيما صبوا جهودهم على شن حملة تضليل ثلاثية الأركان تستند إلى الإنكار والخداع والتضليل.
وفي غضون ذلك، استمرت الحكومة الإيرانية بالسماح بالرحلات الجوية من وإلى الصين، علما أن هذه الأخيرة معروفة بأنها المصدر الأول للفيروس.
وبعد أن أجبر ارتفاع في عدد الوفيات الحكومة الإيرانية بالاعتراف بتفشي الفيروس، بدأ المسؤولون في الكذب بشأن عدد المصابين في المستشفيات وعدد المتوفين جراء الفيروس.
أكاذيب متزايدة
هذا ونشر النظام الإيراني مجموعة من الشائعات الملفقة في عملية مألوفة للغاية من الحرب النفسية وغسل الأدمغة.
وبعد تطوير لقاحات متعددة في الغرب، ادعى النظام زورا عدم إمكانيته الوصول إليها بسبب العقوبات، حتى بعدما خصصت منصة الأمم المتحدة العالمية لتلقي لقاحات كوفيد-19 (كوفاكس) 4.216.800 جرعة لإيران.
علاوة على ذلك، أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، أن اللقاحات معفاة من العقوبات المفروضة على إيران.
وواصل مسؤولو النظام الإيراني تغيير روايتهم حول شراء اللقاحات عبر منصة كوفاكس، حتى تناقضت سردياتهم مع بعضها البعض.
وفي مرحلة معينة، ذكر مسؤولون حتى أن الطائرات الإيرانية غير مؤهلة للاحتفاظ بلقاحات فايزر ومودرنا وفقا لدرجات الحرارة المنخفضة المطلوبة، زاعمين أنها ستفسد وهي بطريقها إلى إيران.
وقد نفى المسؤولون عن النقل هذا الادعاء.
وبعد فترة وجيزة، أعلن خامنئي الحظر على اللقاحات الأميركية والبريطانية، متهما زورا القوى الغربية بمحاولة "اختبار" لقاحاتها على الإيرانيين.
ونسق النظام كل هذه الإدعاءات لتمهيد الطريق أمام شراء لقاحات من حليفته التقليدية الصين، وأبرم معها اتفاقا مدته 25 عاما أثار جدلا كبيرا في البلاد.
يُذكر أن الصين نفسها اعترفت باحتمال وجود مشكلة في لقاحاتها تحد من فعاليتها.
ونقلت وسائل إعلام صينية على لسان رئيس المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها جاو فو، قوله في مؤتمر في تشنغدو بشهر نيسان/أبريل إن الوكالة "تدرس كيفية حل مشكلة أن فعالية اللقاحات الحالية ليست عالية".
تباطؤ في التلقيح
وفي 18 حزيران/يونيو، أعلنت وزارة الصحة الإيرانية أن 4.369.039 إيرانيا فقط تلقوا الجرعة الأولى من اللقاح، وأن 895.152 شخصا فقط تلقوا الجرعة الثانية.
ولشدة رغبتهم في تلقي اللقاح، لم يكن أمام الإيرانيين المحبطين سوى القبول بالحصول على أي لقاحات يسمح النظام بدخولها إلى البلاد، وذلك في ظل معاناتهم من ضغوط مالية هائلة ومعدلات بطالة مرتفعة.
وتظهر الأرقام الرسمية التي تقل دوما عن الأرقام الحقيقية، أنه حتى أواخر أيار/مايو لا يزال 1.4 مليون إيراني على الأقل عاطلين عن العمل بسبب أزمة فيروس كورونا.
واشترت إيران واستوردت لقاحات من الصين وروسيا، علما أنه يبقى للقاح الصيني الحصة الأكبر.
وفي أيار/مايو وحده، تم تصدير نحو مليوني جرعة من اللقاح الصيني إلى إيران.
ومع ذلك وحتى منتصف شهر حزيران/يونيو الماضي لم يكن معظم السكان قد تلقوا بعد اللقاح. فحصل عدد كبير من كبار السن على جرعة واحدة فقط وقيل لهم إن الجرعة الثانية غير متوفرة حتى إشعار آخر.
وتقول السلطات الحكومية الإيرانية إن "الدول الصديقة" التي باعتها اللقاحات لم "تف بوعدها" في التسليم على الرغم من تلقي ثمنها.
الأرواح المفقودة هي مكاسب القادة
وفي غضون ذلك، من المتوقع أن يتمكن الحرس الثوري الإيراني الذي يحتكر الاقتصاد الإيراني تقريبا بدعم قوي من خامنئي من حصد مكاسب مالية كبيرة.
ففي الشهر الماضي سمحت حكومة روحاني للقطاع الخاص باستيراد لقاحات كوفيد-19. لكن ما يسمى بالقطاع الخاص يضم فعليا شركات مرتبطة بالحرس الثوري أو مقربين من خامنئي تربطهم به علاقات وثيقة.
ومن جهة أخرى، تعمل وزارة الصحة الإيرانية على تصنيع لقاح خاص بها، وما تزال التفاصيل العلمية حوله قليلة.
وفي 13 حزيران/يونيو، أعلن وزير الصحة الإيرانية سعيد نمكي أن التجارب البشرية للقاح الإيراني كوف إيران بركت، قد اكتملت وأنه سيتم اعتبارا من الشهر المقبل إنتاج نحو 3 ملايين جرعة أسبوعيا.
ويملك 90 في المائة من شركة بركت للأدوية، للمقر التنفيذي لأمر الإمام [الخميني].
وتم تطوير كوف إيران بركت في مختبرات المقر التنفيذي لأمر الإمام [الخميني] وهي شركة بملايين الدولارات تحت إشراف الولي الفقيه، وأسسها روح الله الخميني بعد فترة وجيزة من اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979.
وذكر مسؤولو النظام بصورة متكررة أنهم بصدد تطوير 8 لقاحات مختلفة لكوفيد-19، أحدها بالشراكة مع كوبا، لكن التفاصيل والمعلومات حول هذه العمليات هي غامضة.
أولويات في غير محلها
ومع احتدام أزمة الصحة العامة، اختار النظام إنفاق موارده الضئيلة أصلا على الحرس الثوري الإيراني ووكلائه الإقليميين، بما في ذلك حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية والحوثيين في اليمن.
وقد شكل مضمون تسجيل صوتي سُرب مؤخرا لمقابلة مع وزير الخارجية الإيرانية جواد ظريف، دليلا آخر على أولويات النظام التي ليست في محلها.ففي التسجيل الذي انتشر على نطاق واسع في 25 نيسان/أبريل، اعترف وزير الخارجية بالدور الهائل الذي يلعبه الحرس الثوري وفيلق القدس التابع له في رسم السياسة الخارجية الإيرانية.
وأكد ظريف مرارا في المقابلة أن الجمهورية الإسلامية تعطي الأولوية لوجودها الإقليمي وسياساتها التوسعية على حساب الدبلوماسية.
إلى هذا، يمضي النظام قدما في انتهاك الاتفاق النووي التاريخي الذي عقده مع القوى العالمية، إذ أعربت الأمم المتحدة في أيار/مايو الماضي عن قلقها بشأن النشاط النووي الإيراني غير المعلن مع تخطي مخزون اليورانيوم المخصب الحد المسموح به بـ 16 مرة.