بعد الارتفاع الأخير في عدد الإصابات الذي شهدته البلاد مؤخرا، باتت الأخطاء التي ارتكبها كل من الحكومة الإيرانية والحرس الثوري الإيراني في احتواء جائحة كوفيد-19 واضحة على نطاق واسع.
وقالت الحكومة الإيرانية في آخر تحديث لها يوم 21 أيلول/سبتمبر، إن إيران سجلت رسميا أكثر من 5.4 مليون حالة إصابة بكوفيد-19 وما يقارب 119 ألف حالة وفاة منذ بدء الوباء، وإذا أخذ متوسط معدلات الوفيات اليومية في الاعتبار، يعتقد أن عدد الوفيات منذ ذلك الحين تجاوز الـ 120 ألف.
وفي البلد الذي يبلغ عدد سكانه نحو 83 مليون نسمة، لم يتلق جرعتين من اللقاح سوى 14.1 مليون شخصا فيما 30 مليون شخص فقط تلقوا جرعتهم الأولى منه.
وتقر السلطات الصحية بأن الأرقام الرسمية تقلل من الحصيلة الحقيقية للبلاد.
ووجدت محطة بي.بي.سي في آب/أغسطس 2020 أنه حتى 20 تموز/يوليو، أظهرت سجلات الحكومة أن نحو 42 ألف شخص توفوا جراء أعراض كوفيد، مقابل 14 ألف و405 حالات سجلتها وزارة الصحة.
ونشرت حتى وسائل الإعلام المحلية وبينها صحيفة جافان اليومية المقربة من النظام، حصيلة للإصابات تصل إلى 3 أضعاف الحصيلة الرسمية.
وأكد عمال الرعاية الصحية أنفسهم أنهم تلقوا أوامر بالكذب بشأن سبب وفاة ضحايا كوفيد-19.
وقالت الطبيبة في محافظة خراسان الدكتورة زهرة شوجابور، "لقد طلب منا مسؤولون أمنيون محليون ذكر أسباب أخرى للوفاة عند إصدار شهادات الوفاة مثل ’مشاكل في الجهاز التنفسي‘ أو مرض رئوي‘، أو داء معين كان المرضى يعانون منه سابقا".
الفساد
وقد واجهت استجابة إيران لجائحة كوفيد-19 منذ البداية أخطاء عدة.
وبعد أن أنكرت بداية وقوع إصابات بالبلاد في شباط/فبراير 2020، كلف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بعد ذلك الحرس الثوري الإيراني بـ "إدارة الأزمة".
وكان خامنئي قد أعلن في كانون الثاني/يناير من العام الجاري حظر استيراد "اللقاحات الغربية"، أي اللقاحات المصنعة في أميركا وبريطانيا وفرنسا.
ورفضت طهران أيضا عرضا أميركيا للمساعدة في تأمين مجموعات اختبار كوفيد-19 وغيرها من المعدات الطبية والأدوية.
وبرر خامنئي حظره هذا بنظرية المؤامرة ومفادها أنه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وأنهما قد يكونان يعتزمان اختبار لقاحاتهما المطورة حديثا على الإيرانيين.
ومع ذلك، يعزو العديد من المراقبين حظر خامنئي إلى واقع أن مكتبه كان قد دفع بالفعل الملايين من الأموال لتطوير لقاح كوفيران بركات.
وفي حديثه لصحيفة الشرق اليومية المحلية، قال العضو السابق في المجلس علي تاجرنيا "لقد باعت شركة بركات لقاحها مسبقا".
وأوضح تاجرنيا "يبدو أن سبب عدم الرغبة في شراء لقاحات من الغربيين هو أن بركات تلقت مليوني ريال إيراني لتصنيع كل جرعة من اللقاح".
وتم تطوير كوفيران بركات من قبل مجموعة شفاء فارميد الصناعية المملوكة من الدولة الإيرانية، وهي شركة تابعة لمؤسسة بركات. وتملك أغلبية أسهم بركات لجنة تنفيذ أمر الإمام الخميني.
وأضاف "إذا حسبنا المبلغ الذي حصل عليه الحرس الثوري الإيراني مقابل 120 مليون جرعة لقاح كان من المفترض أن يتم إنتاجها، فقد تلقت شركة بركات نحو مليار دولار من أموال دافعي الضرائب لتقدم عُشر هذا العدد فقط".
وفي تجاهل لاحتياجات الإيرانيين، أفادت التقارير أن الحرس الثوري الإيراني عمد أيضا إلى نقل شحنات لقاح بركات إلى لبنان وسوريا واليمن.
ومنذ مطلع تموز/يوليو، ساهم النظام الإيراني في تلقيح عناصر حزب الله اللبناني وعائلاتهم باللقاح الإيراني بحسب مصادر نقلها راديو فردا في 23 من الشهر نفسه.
سوق سوداء للقاحات
وفي حين أجبر خامنئي في نهاية المطاف على تغيير موقفه من اللقاحات الغربية، سمح الوقت الضائع للحرس الثوري الإيراني باستغلال الوضع لخلق سوق سوداء للتلقيح.
فعمد العديد من العيادات والمراكز الطبية إلى شراء وبيع لقاحات فايزر ومودرنا وأسترازينيكا سرا.
وزعم أن سعر جرعات لقاحي فايزر وأسترازينيكا بلغ في السوق السوداء نحو 55 مليون ريال إيراني (نحو 2000 دولار).
وقال الصيدلاني مجتبى السادات الأحمري، إن "استيراد مثل هذه اللقاحات خاصة مع وجود شروط خاصة لتخزينها، لا يمكن أن يتم إلا من قبل الذين يمتلكون إمكانية الوصول إلى المرافق والمعدات الحكومية، وهذه ميزة لا تتمتع بها أي شركة خاصة".
وأضاف "لذلك، فإن عمليات إدخال اللقاح إلى السوق السوداء لا يمكن أن تتم إلا من قبل الحرس الثوري الإيراني وعملائه".
وفي أيار/مايو، أكدت عضو لجنة الصحة في مجلس النواب معصومة باشاي، أن "عددا من لقاحات كوفيد-19 سحبت من سلسلة التوزيع الرسمية وتم بيعها في السوق السوداء بأسعار مرتفعة للغاية".
وتابعت "في الوقت الذي تباع فيه كل جرعة من لقاح أسترازينيكا في السوق السوداء بمبلغ يصل إلى 250 مليون ريال إيراني، فإن سعر الشراء الفعلي للجرعة الواحدة منه لا يزيد عن 3 ملايين ريال إيراني".