تظهر جميع المؤشرات الاقتصادية الرئيسة في إيران أن الجمهورية الإسلامية في وضع خطير مع ارتفاع التضخم بشكل كبير، إضافة إلى تراجع احتياطي العملات وتزايد الاستياء من قيادة البلاد.
وبلغ الخوف من المعارضة التي أججتها الضغوط الاقتصادية الهائلة التى يواجهها السكان حدا دفع بوزارة الداخلية إلى تشكيل لجنة "لرصد الأمن الداخلي في البلاد".
وفي هذا السياق، أكد نائب وزير الداخلية حسين ذوالفقاري يوم الأربعاء، 24 آذار/مارس، أن التحديات الاقتصادية في البلاد "جعلت توفير الأمن أكثر صعوبة".
وقال إن اللجنة تهدف إلى "التحقيق السريع في القضايا التي قد تخلق مشاكل للناس" و"الحؤول دون وقوع عواقب تؤجج التوتر".
وبين عامي 2017 و2020، ارتفع متوسط التضخم في إيران تراكميا بأكثر من 110 في المائة، وتجاوز 30 بالمائة في عام 2020 وحده .
تراجع قيمة العملة الوطنية
ومنذ عام 2017، انخفضت قيمة عملة البلاد نسبة للدولار الأميركي بنسبة 81 في المائة تقريبا.
ففي عام 2017، كان سعر الصرف يوازي 37 ألف ريال إيراني لكل دولار أميركي واحد. لكن بحلول حزيران/يونيو 2020، أصبح 200 ألف ريال إيراني لكل دولار أميركي مع بعض التقلبات.
وفي الوقت عينه، أدى انخفاض الطلب العالمي على النفط بسبب تفشي وباء كوفيد-19 من جهة وتأثير العقوبات الأميركية من جهة أخرى، إلى انخفاض صادرات النفط الإيرانية اليومية إلى 70 ألف برميل يوميا في نيسان/أبريل 2020، بعد أن كانت 287 ألف برميل يوميًا في آذار/مارس من العام نفسه، حسبما ذكرت وكالة رويترز.
وأشار التقرير إلى أن صادرات النفط الإيرانية بلغت 2.5 مليون برميل يوميا في النصف الأول من 2017.
بالإضافة إلى ذلك، كانت إيران تملك ذاك العام 120 مليار دولار في صندوق التنمية الوطني. لكن خلال العامين الماضيين فقط، قامت حكومة الرئيس حسن روحاني بما لا يقل عن 33 عملية سحب من الصندوق لتمويل الفجوات الناتجة عن تدني الإيرادات.
وعلى سبيل المثال، سحبت إدارة روحاني في شباط/فبراير 2020 ما يعادل 420 مليون دولار لدفع رواتب موظفي الحكومة.
وفي عام 2018، سمح المرشد الأعلى علي خامنئي بسحب 4 مليارات دولار من صندوق التنمية الوطني، مع تخصيص نصف هذا المبلغ للإنفاق العسكري.
واعتبارا من أيلول/سبتمبر الماضي، انخفض حجم أموال صندوق التنمية الوطني إلى مستويات خطيرة، حيث تشير التقديرات إلى أن الرصيد المتبقي يتراوح بين 20 و25 مليار دولار.
تراجع القدرة الشرائية
وأكبر مؤشر ملموس على تأثير الاقتصاد المتعثر هو تراجع القدرة الشرائية لدى عموم الإيرانيين بسرعة كبيرة.
وقال فاتح نابوفات، وهو صانع خزائن متقاعد يعيش في مدينة كرج الواقعة على بعد 50 كيلومترا من العاصمة طهران، إن "الأسعار ترتفع يوميا بسرعة فائقة، في وقت تنمو فيه قدرتنا الشرائية بوتيرة بطيئة".
وأضاف أن كل شيء بات باهظ الثمن، من استئجار شقة إلى شراء المستلزمات اليومية مثل الألبان والدجاج.
وتؤكد التقارير حول الأسعار الرسمية تقدير نابوفات، فاعتبارا من 17 آذار/مارس وصل سعر الكيلوغرام الواحد من اللحوم الحمراء نحو 1.3 مليون ريال إيراني، وبات كيلوغرام الجبن الذي يعتبر صنفا أساسيا على المائدة الإيرانية يكلف نحو 400 ألف ريال إيراني.
من ناحية أخرى، يتراوح متوسط الراتب الشهري للفرد في إيران بين 40 و50 مليون ريال إيراني.
وبالمثل، أظهر تحليل جرى في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي على 32 صنفا من أهم أصناف الغذاء في إيران أن متوسط أسعار المواد الغذائية ارتفع بأكثر من 60 في المائة خلال عام واحد.
بذخ في الإنفاق على الأذرع
وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها إيران، اختار قادتها إنفاق احتياطيهم النقدي المتضائل على الأسلحة التقليدية، بما في ذلك الصواريخ وقذائف الهاون، التي يرسلونها إلى أذرعهم من الميليشيات في المنطقة.
وفي تقرير صدر عام 2019، قدرت وكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية أنه بين عامي 2012 و2018، قدمت إيران أكثر من 16 مليار دولار للنظام السوري وحزب الله والميليشيات العراقية والحوثيين (أنصار الله) في اليمن وأذرع أخرى.
وكشف التقرير أن إيران تزود حلفائها وأذرعها بمعدات اتصالات وأسلحة صغيرة وأنظمة مدفعية وصواريخ وقاذفات تستخدم في ساحات القتال.
وقدر عضو بارز في لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني أنه اعتبارا من أوائل عام 2020، أنفقت الجمهورية الإسلامية نحو 20 مليار دولار لدعم سوريا وحدها منذ اندلاع الحرب فيها.
وينفق النظام الإيراني أيضا مبالغ طائلة على برنامجه الصاروخي.
عدوانية إقليمية
وقال محلل سابق في المخابرات البحرية الإيرانية يقيم الآن في الولايات المتحدة، تحدث شرط عدم الكشف عن هويته، إن قادة إيران جعلوا "من العدوانية في المنطقة ومعاداة الولايات المتحدة حجر الزاوية لتبرير حكمهم".
وأضاف أنه كان بإمكانهم التعاون مع الولايات المتحدة بعد الاتفاق النووي لعام 2015 لإحلال السلام في المنطقة وتخفيف الضغط عن إيران، "لكنهم اختاروا عدم القيام بذلك لأنهم يرون في هذا الأمر سببا لوجود الثورة".
بدوره، أكد الصحافي الإيراني المقيم في الولايات المتحدة شاهين محمدي هذا الرأي، لكنه أعرب عن اعتقاده أن استمرار الضغط الأميركي المستهدف يمكن أن يثني إرادة قادة إيران دون إلحاق الضرر بالشعب الإيراني.
وأوضح أنه بمقدور قادة إيران الوصول إلى قدر هائل من البيانات، مرحجا أن يكونوا على اطلاع بأن الوضع بات لا يطاق بالنسبة لمعظم الإيرانيين.
وأضاف أن "المنطق يقضي بأن يأتي قادة الجمهورية الإسلامية إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة، حتى لو قاموا بذلك فقط من أجل منع النظام من الانهيار تحت الضغط".
لكنه أكد أن نجاح هذه المفاوضات يبقى رهن استعداد إيران إدراج تدخلها الإقليمي في أية محادثات.
وأردف أن العزلة الدبلوماسية والسياسية والعسكرية المكثفة المفروضة من خلال العقوبات المستهدفة "من المرجح أن تدفع خامنئي أو مركز قوة رئيس آخر كالحرس الثوري الإيراني إلى تقديم تنازلات وإلا سيواجهون حل النظام".
تنامي الانقسامات
وخلال الأشهر الأخيرة، ظهرت على السطح انقسامات داخل الحكومة الإيرانية، وذلك بالتزامن مع تصاعد التوتر مع الحرس الثوري الإيراني الذي يتمتع بنفوذ كبير في البلاد.
وأوضح بعض المراقبين إن هذه الانقسامات تعكس الغضب المتزايد في الشارع الإيراني.
وقد وصل الغضب الشعبي بشأن الظروف الاقتصادية والمعيشية إلى نقطة الغليان، ما دفع المراقبين إلى التحذير من أن الجولة المقبلة من الاحتجاجات الشعبية قد تكون أكثر عنفا من احتجاجات تشرين الثاني/نوفمبر 2019 التي اندلعت إثر ارتفاع أسعار الوقود.
وكانت قوات الأمن بقيادة الحرس الثوري الإيراني قد ردت على تلك الاحتجاجات بإطلاق النار على المتظاهرين في عدة مدن واعتقال وتعذيب مئات المحتجين. وتشير بعض التقديرات إلى مقتل ما يصل إلى 1500 مدني في الاحتجاجات.
ومنذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، لم تشهد إيران احتجاجات بحجم احتجاجات عام 2019 التي تعد الأكبر منذ تظاهرات عام 2009 التي خرجت احتجاجا على نتائج الانتخابات.
وتشير التقارير الواردة من إيران في الأشهر الأخيرة حول بطء سرعة خدمة الإنترنت وانقطاعها من وقت لآخر إلى أن النظام قد يكون يحاول إخماد جولة جديدة من الاضطرابات المدنية.
وفي أحدث مؤشر على الاضطرابات، فتحت قوات الأمن الإيرانية في شباط/فبراير الماضي النار على مدنيين كانوا ينقلون الوقود بالقرب من الحدود الباكستانية، ما أدى إلى اندلاع انتفاضة عنيفة.