يشكل الهجوم الإرهابي الذي استهدف بطائرة مسيرة مطار أربيل خلال الأسبوع الجاري، تذكيرا إضافيا بنوع الأنشطة التي تدعمها إيران والتي تقلّب المنطقة ضد النظام الإيراني.
وكانت السلطات الكردية قد أعلنت أن طائرة مسيرة مفخخة بمادة التي.أن.تي سقطت على مقر التحالف ضد المتشددين الذي تقوده الولايات المتحدة في مطار أربيل بتاريخ 14 نيسان/أبريل.
وأوضح أحد كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية أنه على الرغم من كون هجوم يوم الأربعاء أول هجوم إرهابي بطائرة مسيرة في العراق، إلا أنه سبق لجماعات في المنطقة موالية لإيران أن لجأت إلى هذه الوسيلة.
وأضاف المسؤول أن "الميليشيات المدعومة من إيران تملك الآن طائرات مسيرة يبلغ طول جناحيها 15 قدما. وهي عبارة عن طائرات إيرانية الصنع من طراز سي.إي.إس-04، وقد شهدنا كيف استخدمها الحوثيون ضد السعودية".
وفي كانون الثاني/يناير، تم اعتراض طائرات محملة بالمتفجرات فوق القصر الملكي في الرياض عاصمة السعودية.
وتابع المسؤول الأميركي طالبا عدم الكشف عن اسمه، "نعلم أن الهجوم قد شن... من جنوبي العراق".
وتبنت جماعة ألوية الوعد الحق الهجوم الفاشل الذي استهدف في 23 كانون الثاني/يناير قصر اليمامة ومواقع أخرى في الرياض، علما أنها واجهة جديدة لكتائب حزب الله المدعومة من الحرس الثوري الإيراني.
وعقب الهجوم، نشرت الجماعة على تطبيق تليغرام في 27 كانون الثاني/يناير، صورا ملفقة لبرج خليفة الضخم في الإمارات وهو يستهدف من قبل طائرات مسيرة.
وأشادت مجموعة واجهة غامضة موالية لإيران تطلق على نفسها اسم سرايا أولياء الدم بالهجوم الذي نفذ يوم الأربعاء على مطار أربيل، ما أوحى لغالبية المراقبين بأنها تقف وراءه.
سلوك محبط
ولا يعد هذا النوع من السلوك مفيدا للنظام الإيراني، في ظل محاولته التفاوض مجددا مع الدول الكبرى بشأن الاتفاق النووي للعام 2015.
وينسحب ذلك علىقرار إيران بزيادة تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60 في المائة في خطوة اعتبرتها دول عدة بأنها "استفزازية" وتضر بالقدر نفسه باحتمالات التوصل إلى حل بشأن الاتفاق النووي.
ومن شأن هذه الخطوة أن تجعل إيران أقرب من عتبة 90 في المائة نقاء اللازمة للاستخدام العسكري، وستقصر "وقت الانطلاق" المحتمل لبناء قنبلة نووية.
يُذكر أن إيران تواجه في هذه الأثناء أزمة اقتصادية حادة، ويؤثر دعمها للإرهاب الإقليمي والميليشيات الوكيلة على قدرتها على التعامل مع هذه الأزمة.
وتظهر كل المؤشرات الاقتصادية الرئيسة في إيران أن الجمهورية الإسلامية تعيش وضعا خطيرا، لا سيما في ظل ارتفاع معدل التضخم وانهيار احتياطيات العملة والاستياء المتزايد من قيادة البلاد.
وفي إطار جهودها للمساعدة بالخروج من الأزمة، طلبت إيران من صندوق النقد الدولي في آذار/مارس 2020 مبلغ 5 مليارات دولار كتمويل طارئ لمساعدتها على مواجهة تفشي فيروس كورونا، غير أن موافقة الصندوق الذي يعتمد جزئيا على الدعم الأوروبي، لا تزال معلقة.
مخططات ضد دول الخليج
وفي نهاية آذار/مارس، تعهد رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي أن العراق لن يتحول مطلقا إلى منصة لإطلاق الهجمات ضد السعودية، علما أنه يشكل بالنسبة لإيران مصدرا ضخما للإيرادات المالية وساحة تخوض فيها معاركها بالوكالة.
وأدلى الكاظمي بهذه التصريحات خلال زيارة طال انتظارها إلى السعودية هدفت إلى توطيد العلاقات الاقتصادية والأمنية، وهو ما سلط الضوء على عزلة إيران المتزايدة.
يُذكر أن تهديد إيران لدول الخليج ليس مجرد تهديدا كلاميا، إذ لطالما تدخل فيلق القدس التابع للحرس الثوري بدول المنطقة وسعى إلى زعزعة استقرارها، علما أن قائدها العميد اسماعيل قاآني وسلفه قاسم سليماني يتلقيان أوامرهما مباشرة من المرشد الأعلى علي خامنئي.
كذلك، قام الحوثيون (أنصار الله) المدعومين من الحرس الثوري مؤخرا بتصعيد هجماتهم على قطاع النفط السعودي، إذ نفذ آخر هجومين بالطائرات المسيرة والصواريخ في 14 و15 نيسان/أبريل مع اعتراض الدفاع الجوي السعودي لخمسة صواريخ باليستية وأربع طائرات مسيرة.
وتبنى الحوثيون هجومين صاروخيين على منشأة أرامكو السعودية في جدة، الأول في 4 آذار/مارس والثاني في وقت سابق بتاريخ 24 تشرين الأول/نوفمبر، كما أعلنوا مسؤوليتهم عن تنفيذ هجوم بتاريخ 7 آذار/مارس على منشآت أرامكو في مدينة الظهران شرقي البلاد.
وفي أيلول/سبتمبر، أعلنت الرياض عن القضاء على "خلية إرهابية" تلقى عناصرها التدريب على يد الحرس الثوري الإيراني. واعتقلت القوات السعودية 10 أشخاص وصادرت أسلحة ومتفجرات.
مناشدات من السيستاني لتفكيك الميليشيات
وفي هذه الأثناء، دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني إلى تفكيك الميليشيات المدعومة من إيران في مختلف أنحاء البلاد وإعادة إحلال سيادة الدولة.
وعقب اجتماع عقد مع ممثلين عن الأمم المتحدة في العراق في أيلول/سبتمبر الماضي، دعا السيستاني الحكومة العراقية إلى "السيطرة على المعابر الحدودية وتحسين أداء القوات الأمنية وإعادة إحلال السيادة".
كذلك، دعا إلى ضبط كل الأسلحة غير الشرعية، قائلا إن على العراق العمل على ضمان عدم سقوط الشوارع بيد الجماعات المسلحة.
وكان يشير بذلك مباشرة إلى الميليشيات المدعومة من إيران والتي تسيطر على قوات الحشد الشعبي، ويعتبرها العراقيون على نطاق واسع بأنها جماعات مسلحة غير نظامية تهدد استقرار وسلم البلاد والمنطقة.
ودعم السيستاني إعلان الكاظمي بعقد انتخابات نيابية مبكرة هذه السنة في 10 تشرين الأول/أكتوبر، أي قبل سنة تقريبا من موعدها.
وأشار إلى أن الانتخابات المبكرة تشكل المسار "الصحيح والسلمي" لحل المشاكل السياسية والاقتصادية والأمنية والصحية التي يواجهها العراق، مشددا على ضرورة مراقبتها وتنسيقها من قبل الهيئة الأممية المختصة.
إلى هذا،دعا كل الميليشيات إلى الالتحاق بالجيش الوطني العراقي عقب الهجمات المتكررة على السفارات الأجنبية والاغتيالات والاختفاء القسري للناشطين، وكلها أنشطة حملت الميليشيات المدعومة من إيران مسؤولية الوقوف ورائها.
وفي السياق نفسه، تزيد الجهود الإقليمية المتواصلة من أجل السلام من عزلة إيران في المنطقة.
وبينما تبقى الخلافات قائمة منذ فترة طويلة بين إيران وعدة دول من مجلس التعاون الخليجي، تفاقمت حالة التوتر بعد أن أبرمت البحرين والإمارات والمغرب والسودان اتفاقات سلام مع إسرائيل بموجب اتفاقات أبراهام برعاية الولايات المتحدة.
مبادرات السلام التاريخية هذه إضافة إلى التقارب بين السعودية وقطر، قد تركت طهران خارج المشهد الإقليمي.