تصاعدت الأصوات الداعية لتفكيك حزب الله ونزع أسلحته، مع إلقاء رجال دين شيعة بارزين، من بين آخرين، باللائمة على الحزب الذي تدعمه إيران في الطريق المسدود الذي وصل إليه لبنان.
وكانت مشاركة حزب الله في الحكومة وسيطرته عليها قد عرقلت جهود البلاد للحصول على الدعم الدولي الذي تحتاجه بصوره ماسة والذي من شأنه انتشالها من أزمتها الاقتصادية.
وأعرب المجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة، عن استعداده لمساعدة لبنان لكن شرط تنفيذ إصلاحات حقيقية والحد من نفوذ حزب الله.
وكان رجال دين شيعة في لبنان والعراق على حد سواء، من بين الذين دعوا لإنهاء نفوذ حزب الله في الحكومة وفي البلد والمنطقة.
ويعد الأمين العام السابق لحزب الله صبحي الطفيلي من أشد المنتقدين للحزب وزعيمه حسن نصر الله وإيران التي تدعمه.
ففي خطبة الجمعة يوم 26 آذار/مارس، خاطب الطفيلي من يخدمون في الميليشيات الشيعية بلبنان والعراق وحذرهم أنهم إذا لم يتصدوا للهيمنة الإيرانية، فإنهم سيكونوا مسؤولين عن انهيار بلادهم.
وقال إن "كل السياسيين في لبنان يشاركون في نظام فاسد، لا سيما أولئك الذين يتصرفون بأمر من إيران لأنهم يعملون لحسابها ومهما قالوا غير ذلك، فهم يكذبون".
وكان الطفيلي قد قال في خطبة متلفزة عقب انفجار 4 آب/أغسطس في مرفأ بيروت، إنه ينبغي على نصر الله أن يكون أول من يحاكم على خلفية الحادث المميت "باعتباره فوق سلطات الدولة".
وعمد رجل دين شيعي آخر، وهو الشيخ محمد الحاج العاملي، إلى تأسيس "الحركة الإصلاحية الشيعية" في لبنان في تموز/يوليو 2019 بهدف إنهاء هيمنة حزب الله والابتعاد عن النفوذ الإيراني.
وفي مقابلة عام 2020، قال العاملي إن "الاحتجاجات التي شهدتها بيروت وبغداد تسعى نحو تقويض مفهوم الطائفية في العمل السياسي والغاء نفوذ طهران الأيديولوجي والأمني والعسكري في المنطقة، واستعادة حقوق المواطنين المنهوبة في ظل الصراعات الإقليمية، ووقف اقتصاد الحرب الذي يهدر أموال الشعب على الحروب وإنشاء الميليشيات".
وفي كانون الثاني/يناير 2019، قال رجل الدين الشيعي والمعارض الشرس لحزب الله، علي الأمين، إن رفضه لأجندة النظام الإيراني التوسعية في المنطقة قد جعل حزب الله يطلق "حملات تخوين" ضده.
وأضاف أن سياسات حزب الله وحركة أمل "لم تجلب إلا الضرر للطائفة الشيعية".
وصرح الأمين بهذه الآراء منذ فترة طويلة، وبالتحديد عام 2009، وذلك حين قال في مقابلة متلفزة "ليس لدينا مشكلة في أن تطبق إيران عقيدة ولاية الفقيه داخل حدودها، لكنها تريد أن تصدر هذه العقيدة إلى خارج حدودها"، وهو الأمر الذي أثر على السياسات الداخلية للبنان.
خيبة الأمل في حزب الله
وطالبت الاحتجاجات الشعبية في لبنان بالتخلص من النخبة السياسية اللبنانية، بينهم السياسيون التابعون لحزب الله، وبنزع سلاح الحزب الذي احتفظ بسلاحه منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية.
وركزت الموجة الحالية من الاحتجاجات على الجمود السياسي في وجه الفقر المتفاقم، فيما تسببت الأزمة الاقتصادية بالبلاد في رفع معدلات البطالة وزيادة الأسعار بصورة كبيرة وانخفاض قيمة العملة الوطنية.
ويعيش أكثر من نصف السكان دون خط الفقر بعد أن ارتفعت الأسعار مع فقدان الليرة اللبنانية لأكثر من 80 في الماية من قيمتها.
واندلعت الاحتجاجات أيضا في مدن ذات أغلبية شيعية مثل صور والنبطية وبعلبك في شهر حزيران/ يونيو الماضي، وذلك في ضوء التضخم المتزايد والأزمة الاقتصادية المتفاقمة.
وعزت الباحثة المتخصصة بالشؤون اللبنانية في معهد واشنطن، حنين غدار، خيبة أمل الشيعة لما يرونه من تحالف حزب الله مع "سياسيين فاسدين"، مثل نبيه بري (زعيم حركة أمل ورئيس البرلمان) ووزير الخارجية السابق جبران باسيل الذي يتولى رئاسة التيار الوطني الحر.
ويواجه حزب الله أيضا صعوبات في دفع الرواتب وتمويل الخدمات الاجتماعية في المناطق الواقعة تحت سيطرته بسبب خفض التمويل الذي تقدمه له راعيته إيران، فيما تواجه الجمهورية الإسلامية عقوبات وأزمة اقتصادية.
الحد من نفوذ أذرع إيران
وخارج لبنان، دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني إلى تفكيك الميليشيات التي تدعمها إيران عبر المنطقة واستعادة سيادة الدول.
وفي أعقاب لقاء مع ممثلي الأمم المتحدة في العراق في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، دعا السيستاني الحكومة العراقية "للسيطرة على المعابر الحدودية وتحسين أداء قوات الأمن واستعادة السيادة".
ودعا لجمع كل السلاح المتفلت، وقال إن على العراق العمل لضمان عدم سقوط الأقضية تحت سيطرة الجماعات المسلحة.
وفي قوله هذا إشارة مباشرة إلى الميليشيات التي تدعمها إيران والتي تهيمن على قوات الحشد الشعبي والتي ينظر لها شريحة كبيرة من العراقيين على أنها جماعات مسلحة جامحة تهدد الاستقرار والسلام في البلاد والمنطقة.
ودعا السيستاني الحكومة العراقية "للكشف عن كل من ارتكب جرائم قتل المحتجين أو قوات الأمن أو المواطنين الأبرياء أو إصابتهم، أو الذين اعتدوا على الممتلكات العامة أو الخاصة منذ بداية الحركة الاحتجاجية الشعبية".
ودعا أيضا كل الميليشيات للانضمام للجيش الوطني العراقي عقب الهجمات المتكررة على السفارات الأجنبية وعمليات الاغتيال والاختفاء القسري للنشطاء والذي تلقى باللائمة فيه بصورة رئيسة على الميليشيات التي تدعمها إيران.
ولا تنصاع هذه الميليشيات لقرارات الحكومة بل تتبع بدلا من ذلك الأجندة التي يحددها لها الحرس الثوري الإيراني.
وتعكس دعوات السيستاني نداءات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي دعا في أول زيارة رسمية له للعراق في أيلول/سبتمبر الماضي إلى "تطبيع" كل القوات المسلحة في العراق، مشددا على أن "النضال من أجل تأمين سيادة العراق هو أمر أساسي وضروري".
وتحدث أعضاء بارزون في الطائفة الشيعية بالعراق ضد أذرع إيران وسياسات إيران التي تنطوي على تدخل في شؤون الآخرين، بمن فيهم رجل الدين إياد جمال الدين والمفكر غالب الشابندر.