أكد مراقبون أن التطورات الإقليمية الأخيرة التي قربت الدول العربية من بعضها البعض وأسست لشراكات إقليمية جديدة، أدت إلى تراجع نفوذ إيران ووضعتها في "المقلب الآخر" من المشهد السياسي بالشرق الأوسط.
وتأتي هذه التطورات في وقت ما تواجهه إيران من عزلة شديدة وإفلاس وشيك وعقوبات دولية ومعارضة داخلية.
وعلى الرغم من حاجة البلاد الماسة إلى تفاعل على الصعيد العالمي، يمتنع النظام الإيراني عن إظهار التزامه بالاتفاقيات الدولية.
وبدلا من ذلك وفي وقت تحتاج فيه طهران إلى أن تكون على علاقة جيدة مع كل من الولايات المتحدة والقوى الأوروبية، أعلنت أنها بدأت في تخصيب اليورانيوم حتى مستوى نقاء يصل إلى 60 في المائة.
وتنتهك هذه الخطوة التزامات طهران بموجب بنود الاتفاق النووي لعام 2015 والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي الاتفاقية نفسها التي تنتظر إعادة إحيائها وتطالب القوى العالمية العودة إليها.
المنطقة تمضي قدما بدون إيران
وفي ظل انتهاك إيران لالتزاماتها تجاه المجتمع الدولي، تبتعد مجموعة من دول الشرق الأوسط عن الصراعات المستمرة لتطوي صفحة العنف والصراع المستمرين منذ عقود.
فخلال العام الماضي، شهدت منطقة الشرق الأوسط تقدما بارزا على الصعيد الدبلوماسي، ومن ضمنه اتفاقيات أبراهام من أجل السلام بين إسرائيل وعدة دول عربية وتقارب بين السعودية وقطر.
وقد وقعت الإمارات والبحرين اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة في 15 أيلول/سبتمبر، ولحقتهما السودان في 23 تشرين الأول/أكتوبر والمغرب في 10 كانون الثاني/ديسمبر. وثمة دلائل على نية دول عربية أخرى توقيع هذه الاتفاقيات أيضا.
وتعكس اتفاقيات أبراهام ديناميكية متغيرة في المنطقة، مع إدراك دولها الحاجة إلى التعاون لمواجهة النفوذ الإيراني.
وشجبت إيران تلك الاتفاقيات معتبرة أنها تهديد مباشر لأجندتها التوسعية كونها تعرقل خطط الحرس الثوري الإيراني القائمة على خلق حالة من اللااستقرار، على حد قول المراقبين.
وفي ظاهرة عكست التغير العميق الذي طرأ في الشرق الأوسط، تابع المراقبون في كانون الأول/ديسمبر حدثا لم يكن من الممكن تصوره في السابق، وهو احتفال الإسرائيليين بعيد الأنوار في قلب الخليج.
وفي أوائل كانون الثاني/يناير، وقعت قطر اتفاقية مصالحة مع دول الخليج المجاورة، مما فتح المجال أمام سلسلة من التغييرات المنشودة التي شملت إعادة فتح المجال الجوي والحدود البرية والبحرية مع دول الخليج الأخرى ومع مصر.
وكلاء إيران ينشرون الفوضى في العراق
وفي غضون ذلك، يعزل النظام الإيراني نفسه أكثر فأكثر عبر دعمه المستمر للميليشيات التي تتحرك بالوكالة عنه.
هذا وتعمل الحكومة العراقية بدعم من المرجع الشيعي العراقي الأعلى علي السيستاني، على مواجهة نفوذ الميليشيات التي تهدد شرعية الدولة ومؤسساتها الرسمية.
فتهيمن الميليشيات المدعومة من إيران على قوات الحشد الشعبي وتنظر إليها شريحة كبيرة من العراقيين على أنها جماعات مسلحة جامحة تهدد الاستقرار والسلام في البلاد والخارج.
ولا تمتثل هذه الميليشيات لقرارات الحكومة العراقية وتتبع بدلا من ذلك الأجندة التي وضعها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وبعد الهجمات المتكررة على السفارات الأجنبية والاغتيالات والإخفاء القسري للناشطين، يطالب الشعب العراقي باحتواء الميليشيات التابعة للحرس الثوري.
وفي الأيام الماضية، كثفت هذه الجماعات أنشطتها الخطرةمع شن سلسلة من الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة، ومنها غارة "إرهابية" بطائرة مسيرة استهدفت الأسبوع الماضي أربيل في أول هجوم من نوعه في العراق.
ولكن يعتبر هذا الأسلوب شائعا في أماكن أخرى من الشرق الأوسط حيث ينشط وكلاء إيران.
الحوثيون يهاجمون السعودية واليمن
وفي حديث لوكالة الصحافة الفرنسية بتاريخ 15 نيسان/أبريل، قال مسؤول أميركي بارز في الشؤون الدفاعية إن "الميليشيات المدعومة من إيران لديها الآن طائرات بدون طيار يبلغ طول جناحيها 15 قدما. وهي طائرات إيرانية الصنع من طراز سي.إي.إس-04 رأينا كيف استخدمها الحوثيون كسلاح ضد السعودية".
وفي كانون الثاني/يناير، تم اعتراض طائرات مسيرة محملة بالمتفجرات فوق القصر الملكي في الرياض.
وأعلنت جماعة ألوية الوعد الحق وهي واجهة جديدة لكتائب حزب الله العراقية المدعومة من الحرس الثوري، عن مسؤوليتها بتنفيذ الهجوم الفاشل على قصر اليمامة ومواقع أخرى في الرياض يوم 23 كانون الثاني/يناير.
ومؤخرا، تبنى الحوثيون (أنصار الله) المدعومون من إيران هجوما نفذ بصاروخ وطائرة مسيرة في 7 آذار/مارس واستهدف قلب القطاع النفطي في السعودية.
كذلك، شن الحوثيون في تشرين الثاني/نوفمبر هجوما على منشأة نفطية لشركة أرامكو في جدة.
وتواصل الجماعة تنفيذ هجمات عنيفة في اليمن، في ظل دعم الحرس الثوري لها ومدها لسنوات طويلة بالأسلحة والخبرات والتكنولوجيا.
يُذكر أن فريق الأمم المتحدة المكلف بالتحقيق في هجوم 30 كانون الأول/ديسمبر على مطار عدن الذي أسفر عن مقتل 26 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 50 آخرين، قد نشر نتائج تحقيقاته في 29 آذار/مارس وتبين فيها أن الحوثيين مسؤولين عن شنه.
وبالتزامن مع إحداثها حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، تعمد إيران إلى قمع المعارضة الداخلية متجاهلة احتياجات شعبها الذي يعاني من ضغوط اقتصادية شديدة وخاب أمله في النظام.