بيروت -- حذر مسؤولون ومحللون من أن لبنان يواجه صعوبات جمة في تنفيذ إصلاحات حقيقية من شأنها أن تطلق المساعدات التي يحتاجها بشدة، وذلك بسبب احتجاز حزب الله للبلاد كرهينة وسيطرته على جميع مفاصل السلطة في مؤسسات الدولة.
واعتبروا أن الحل يكمن في فك التحالف بين حزب الله المدعوم من إيران والتيار الوطني الحر الذي يرأسه السياسي المسيحي جبران باسيل، وهو صهر رئيس الجمهورية ومؤسس التيار ميشال عون.
ويعود تاريخ التحالف بين الحزب والتيار إلى العام 2006، وقد منح هذا التحالف حزب الله غطاء مسيحيا وأطلق يده للسيطرة على المشهد السياسي في لبنان.
إلا أن بوادر الخلاف بين التيار الوطني الحر وحزب الله تتصاعد منذ فترة، وبدأت معالمها تظهر مع حديث باسيل في أكثر من مناسبة عن خلافات بين الطرفين حول الشؤون الداخلية والإصلاحات والقضايا الخارجية ملمحا إلى احتمال فك الارتباط مع الحزب.
وإثر فرض الولايات المتحدة عقوبات على باسيل في 6 تشرين الثاني/نوفمبر، أعرب في مقابلة مع قناة الحدث التلفزيونية عن استعداده لقطع علاقاته مع الحزب "إذا حصل لبنان على ثمن مقبول لقاء هذه الخطوة".
وحدد هذا الثمن "بالتزام أميركي ودولي بتقوية لبنان واستعادة أرضه وإعادة اللاجئين السوريين [إلى وطنهم]".
ووصل الخلاف بين حزب الله والتيار الوطني الحر إلى ذروته إثر تصريحات أدلى بها قائد السلاح الجوي في الحرس الثوري الإيراني علي حاج زاده لقناة المنار في 2 كانون الثاني/يناير، أكد فيها إن "كل القدرات الصاروخية التي تمتلكها كل من غزة ولبنان يدينان بها لإيران وتشكل الخط الأمامي للمواجهة".
واستدعت هذه التصريحات ردا من الرئيس عون فقال عبر تويتر: "لا شريك للبنانيين في حفظ استقلال وطنهم وسيادته على حدوده وأرضه وحرية قراره".
وأصدر التيار الوطني الحر بيانا رد فيه على تصريحات زادة مؤكدا أن "أي دعم يتلقونه لا يجوز أن يكون مشروطا بالتنازل عن السيادة الوطنية أو بالانغماس فيما لا شأن للبنانيين به".
وفي السياق نفسه، قال وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال والموالي للتيار الوطني الحر شربل وهبه في مقابلة مع صحيفة نداء الوطن اليومية "لن نكون خط دفاع لأية دولة أخرى، ونرفض إقحام لبنان في أي صراع".
لبنان المعزول
من جهته، قال النائب السابق ووزير المعارضة معين المرعبي إن حزب الله هو "حزب [إرهابي] يحتجز لبنان رهينة ويسيطر على كل مفاصل السلطة لصالح"النظام الإيراني وأجندته "النرجسية" التي تهمين على المنطقة.
وأضاف أن "حزب الله عزل لبنان عن العالم، ويمنع إجراء إصلاحات حقيقية بدعم من حلفائه الأساسيين، التيار الوطني الحر وسائر قوى 8 آذار".
ولفت إلى أن الإصلاحات "لن ترى النور طالما أن حزب الله موجود، فهو يمنع قيام حكومة اختصاصيين وسيحكم قبضته على أية حكومة قد تشكل".
وأكد المرعبي أن "المجتمع الدولي لن يدفع قرشا للبنان في ظل خطر سرقتها وصرفها على الطبقة الفاسدة المحمية بسلاح حزب الله".
ورأى ان الحل يكمن في "فك التحالف بين التيار الوطني الحر وحزب الله".
ووجدت دعوة فك تحالف التيار مع الحزب صداها لدى المحلل السياسي طوني مراد، الذي قال إن الأحداث والتطورات التي شهدتها السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، "أثبتت ان حزب الله هو مشكلة لبنان".
وأوضح أن الحزب هو من عرقل تشكيل الحكومات والانتخابات الرئاسية والنيابية بين أعوام 2009 و2018، مستخدما ترسانة أسلحته كوسيلة ضغط.
وأضاف مراد أن "حزب الله شارك في كل الحكومات وعرقل عملها من الداخل والخارج، وما منحه هذه القدرة هو الغطاء السياسي والمعنوي الذي وفره له التيار الوطني الحر في إطار التفاهم المبرم بين الجانبين والذي سمح لميشال عون بالوصول إلى سدة الرئاسة".
وأدى ذلك إلى خروج الاستثمارات العربية والأجنبية من البلاد، ووصول المحادثات بين صندوق النقد الدولي ولبنان إلى طريق مسدود، وما زالت على هذه الحال منذ أشهر عدة.
وتابع مراد أن "تورط حزب الله بالحرب السورية ورفضه تسليم سلاحه جعل لبنان "يقع بالحضن الإيراني"، ما أضر بعلاقاته مع المجتمع الدولي، مشددا على ضرورة التصدي للحزب.
وأكد أن إجراء انتخابات نيابية مبكرة هي المدخل الرئيس لإضعاف حزب الله والتيار الوطني الحر، لأن التيار سيخسر عددا من مقاعده بسبب تراجع شعبيته بعد فرض عقوبات على رئيسه".
الفساد والتهريب
من جهة أخرى، فإن المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا، التي يسيطر حزب الله على معظمها، تسهل تهريب الأسلحة والمقاتلين والبضائع الأخرى من وإلى البلاد، وفقا لمصادر سياسية وعسكرية.
وحتى مع انهيار الاقتصاد اللبناني، استغلت إيران الحزب لدعم عملياتها العسكرية وملء خزائنها.
وفي هذا الإطار، قال الناشط السياسي أحمد السيد إن حزب الله "مسؤول عن كل الفساد وهدر مليارات الدولارات عبر عمليات التهريب من لبنان إلى سوريا".
ولفت إلى أن الحزب أيضا "وراء الهدر الكبير في قطاع الكهرباء والمشاريع الوهمية التي أغنت حليفه التيار الوطني الحر".
وتجدر الإشارة إلى أن باسيل، وهو وزير طاقة سابق، تعرض لسيل من الانتقادات لفشله في حل مشاكل لبنان المستمرة جراء نظام الكهرباء المعتل، والذي يعتمد بشكل كبير على المولدات وينخره الفساد.
وسيطر التيار الوطني الحر وحزب الله على وزارة الطاقة والمياه لسنوات عدة، واتُهم السياسيون بتوزيع الكهرباء مجانا في دوائرهم الانتخابية وبينها ضاحية بيروت الجنوبية القابعة تحت سيطرة حزب الله.
وحمل السيد حزب الله مسؤولية انهيار القطاع المصرفي وما قابله من صعود نجم مؤسسة القرض الحسن التابعة للحزب.
وقد جذبت الأنشطة الأخيرة للقرض الحسن انتباهًا غير مرحب به إلى ما يسمى بالمؤسسة الخيرية، حيث دقت ناقوس الخطر حول النظام المصرفي الموازي للحزب والتهديد الذي يمثله هذا للاقتصاد اللبناني.
وأشار السيد إلى أن تحالف 8 آذار "رسّخ الفساد" وعرقل مشاريع الإصلاح وتسبب في انهيار النظام الأمني والعسكري والمالي.
وختم مؤكدا أن "تفكيك هذا التحالف سيعجل بانهيار حزب الله ويضع الإصلاحات على نار حامية، ما يمهد الطريق أمام حصول لبنان على المساعدات المرجوة".