إن الاصطلاح الفقهي لدى الشيعة المعروف بعقيدة ولاية الفقيه" والذي يبرر نظام الحكم الديكتاتوري في إيران وسياسة تصدير "الثورة" إلى أرجاء المنطقة، هو اصطلاح مرفوض لدى الشريحة الأكبر من الشيعة في العالم باعتبارة انحراف ديني.
ومنذ القرن العاشر على الأقل ومصطلح ولاية الفقيه يناقش في الفقه الشيعي، ويتناول أصول حكم المجتمع الإسلامي في غياب الإمام المهدي آخر الأئمة الشيعة الاثني عشر الذين يعتبرون أنهم منحدرون من نسل النبي محمد مباشرة.
والرؤية المهيمنة لدى الشيعة تحصر حقّ حكم المجتمع الإسلامي على المنحدرين من نسل النبي محمد مباشرة.
ويُقال أن المهدي، أو إمام الزمان، في "غيبة" أو "غياب مؤقت" منذ عام 941 م. وبحسب المعتقدات الشيعية، سيكون ظهوره إيذانا باقتراب يوم القيامة. وخلال غيبته، يتولى قيادة الأمة الشيعية رجل دين عالم بالفقه والمعارف الإسلامية وحائز على درجة الاجتهاد في الأحكام الشرعية.
وكان محور الجدل بين العلماء الشيعة يدور حول حجم الإدارة اليومية للدولة الذي يُفترض أن يُترك للولي الفقيه.
والتفسير المهيمن هو أنه على الولي الفقيه تجنب الانخراط المباشر في عالم السياسة وإدارة الدولة الموحل ليبقي على طهارته الدينية.
ووفقا لهذا التفسير، تقتصر مهام الولي الفقيه على البت في المسائل الخلافية في التقاليد الدينية الشيعية وإدارة الأوقاف الدينية، فضلا عن تقديم المشورة للحكام السياسيين.
وفي هذا الإطار، يُعتبر المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني من أكبر مناصري هذا التفسير، وباستثناء حالات نادرة، بقي بمنأى عن الشأن السياسي في العراق.
في المقابل، ترى أقلية أنه على الولي الفقيه الانخراط في إدارة الدولة والإشراف عليها.
وبرز بين هؤلاء روح الله الخميني (1900-1989)، مؤسس الجمهورية الإسلامية، الذي يعتبر أبرز مناصري هذا التوجه الذي تبناه ووسعه حتى قام في نهاية المطاف بقيادة الثورة الإسلامية عام 1979.
ولاية الفقيه
وساد التفسير التقليدي، الذي يدعو إلى عدم تدخل الولي الفقيه في السياسة بصورة مباشرة، منذ القرن السادس عشر حين أعلنت الامبراطورية الصفوية المذهب الإسلامي الشيعي الدين الرسمي لإيران.
في عام 1970، بدأ الخميني بإلقاء سلسلة من المحاضرات أثناء وجوده في المنفى، شكك فيها بشرعية حكم الشاه تحت ذريعة أن إيران يجب أن تكون تحت حكم "ولاية الفقيه".
ويعود الفضل للخميني في تحويل التفسير التقليدي لدور الفقيه ليصبح معه "الولي" زعيم الأمة الشيعية وليس مجرد مستشار سياسي وأخلاقي للأمة وحكامها.
وبموجب هذه الصيغة، التي تبرر منصب "المرشد الأعلى"، فإن سلطة الولي الفقيه مطلقة وتتحكم بجميع مؤسسات الحكومة الإسلامية أو تتخطاها.
ويرى الخميني أن منح المرشد الأعلى سلطات واسعة يهدف إلى "كبح الميول الديكتاتورية" لدى الرئيس أو البرلمان أو المسؤولين المنتخبين الآخرين.
وجاء دستور إيران الحالي، الذي كُتب بعد الثورة الإسلامية عام 1979 التي أتت بالخميني إلى السلطة، ليشرع السلطة المطلقة للولي الفقيه.
وقد عدد صلاحيات المرشد الأعلى فجعله منفردا صاحب السلطة في تعيين قادة جميع فروع القوات المسلحة والقيادة العليا لإذاعة الدولة الرسمية، إضافة إلى نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور.
ويعود لمجلس صيانة الدستور القوي المؤلف من 12 عضوا القرار الفيصل في تحديد من يمكنه ومن لا يمكنه الترشح لمنصب منتخب في الجمهورية الإسلامية.
إلا أن معايير الموافقة غير محددة بوضوح وتتغير من انتخابات إلى أخرى، ويصح القول إنها تُستخدم لإقصاء منتقدي الجمهورية الإسلامية أو المرشد الأعلى عن السلطة.
ويدقق مجلس صيانة الدستور أيضا بخلفيات المرشحين لمجلس الخبراء المكلف بانتخاب المرشد الأعلى والإشراف على أدائه، أقله ظاهريا.
وعلى الرغم من أن مجلس الخبراء يتمتع نظريًا بسلطة عزل المرشد الأعلى، لكنه عمليا يُصدّق على خيارات المرشد الأعلى كافة.
وفي جميع الأحوال، فإن تأثير المرشد الأعلى على مجلس صيانة الدستور يمكّنه من ضمان استبعاد منتقديه من الترشح لانتخابات مجلس الخبراء.
علاوة على ذلك، يتمتع المرشد الأعلى بسلطة تجاوز قرارات الموظفين العموميين، كما يمكنه إصدار قرارات تنقض قرارات رئاسية على خلفية ما قد يعتبره "قرارا ملائما للمصلحة الوطنية".
وفي بعض الأحيان، أصدر المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي إعلانات عامة، ضمت تصريحات تتدخل بتفاصيل صغيرة كمثل تحديد مواصفات المؤهلين لتقديم المشورة للرئيس الحالي.
وفي المحصلة، تعود له الكلمة الأخيرة في أية قضية داخلية يختار التدخل بها وفي جميع القضايا المرتبطة بالسياسة الخارجية.
استخدام الحرس الثوري الإيراني لمفهوم الولاية
في عام 1979، أجاز الخميني إنشاء الحرس الثوري الإيراني بهدف "تصدير" الثورة الإسلامية.
وتؤكد قيادة الحرس الثوري الإيراني على دورها في حماية الثورة مع اعتبار المرشد الأعلى جوهرها، وهي تستخدم مفهوم ولاية الفقيه لغرس الولاء في نفوس الرعية.
وفي عام 2010، قال قائد الحرس الثوري الإيراني آنذاك محمد علي جعفري إن الحرس "يعتبر أية معارضة لولاية الفقيه خيانة".
وفي أيلول/سبتمبر الماضي، قال كبير مؤسسي الحرس الثوري، محسن رفيقدوست، إنه، أي الحرس الثوري، "قد نما وفي جوهره تقبع [عقيدة] ولاية الفقيه".
وتحت ذريعة "حماية الثورة" من المعارضين العقائديين ومن الاضطرابات الداخلية الجماعية، انخرط الحرس الثوري مرارًا وتكرارًا في أعمال القمع.
ففي أعقاب الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل لعام 2009، عمد إلى قمع المتظاهرين الذين هتفوا ضد حكم خامنئي، كما قمع أنصار الحركة التي أنشأوها والمعروفة باسم الحركة الخضراء.
وأكد جعفري أن الحرس الثوري الإيراني "يجب أن يدعم" الحركة السياسية الأكثر التزاما بوجهة نظر خامنئي، بعد أن أعلن المرشد الأعلى تفضيله للرئيس الحالي (آنذاك) محمود أحمدي نجاد، وهو قومي متشدد، على متحديه.
وكان المتظاهرون في عامي 2019 و2020 أكثر انتقادا لخامنئي والحرس الثوري. وفي مقاطع فيديو متعددة بُثت على وسائل التواصل الاجتماعي، شوهدوا وهم يمزقون صورا لخامنئي وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
وعلى مدى عقود، قام فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بتمويل وتدريب الميليشيات التي تستخدم العنف والإكراه السياسي للوصول إلى قصده النهائي، وهو توسيع نفوذ الجمهورية الإسلامية في المنطقة.
وكما هي الحال مع باقي أجهزة الحرس الثوري، يستمد فيلق القدس شرعيته من المهمة التي منحها لنفسه، وهي حماية ولاية الفقيه.
إلى هذا، فإن زعيم حزب الله حسن نصر الله والقائد السابق الراحل لقوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس ، كلاهما تعهدا بالولاء لخامنئي بدل التعهد بالولاء للنظام السياسي في بلديهما.
وقال المحلل الإيراني المقيم في الولايات المتحدة محسن حسيني إن الحرس الثوري "يفرض على جميع أذرعه الولاء لخامنئي".
ومن ميليشيات قوات الحشد الشعبي في العراق مرورا بحزب الله في لبنان وحتى الحوثيين في اليمن، يستخدم فيلق القدس وهم التقوى الدينية وتأمين حاجات "المسلمين" لتوسيع نفوذ النظام الإيراني.
الشيعة المتنورون يرفضون حكم الفقيه
منذ اللحظة التي طرح فيها الخميني رؤيته حول الحكم المطلق للفقيه الشيعي، كان لها منتقدون داخل إيران.
وحتى قبل ذلك، كان العديد من المتنورين من أبناء المذهب الشيعي في إيران يرفضون فكرة أن يتولى رجل دين حائز على درجة فقيه أي دور قيادي رسمي في السياسة.
ومن هؤلاء أحمد النراقي (1806-1866)، وهو عالم دين عرف بأنه من أكبر المساهمين في تحديد مفهوم ولاية الفقيه كما هو معمول به في إيران اليوم.
وقدم النراقي حججًا ضد تولي الفقيه الحكم مباشرة، ناهيك عن أن يكون الحكم مطلقا.
وفي الآونة الأخيرة، وإضافة إلى السيستاني في العراق، أعرب علماء شيعة بارزون عن معارضتهم لفكرة تولي فقيه مسلم الحكم السياسي، بينهم بشير النجفي ومحمد الفياز ومحمد سعيد الحكيم.
"إن فكرة استلام الفقيه مقاليد الحكم [السياسي] كما ينص عليه دستور [الجمهورية الإسلامية]، هي انحراف مرفوض من معظم أبناء المذهب الشيعي". جاء هذا التصريح عام 2019 على لسان مصطفى تاج زاده، الذي كان ذات يوم ثوريا بارزا ثم أصبح لاحقا داعية للإصلاح.
وختم تاج زاده قائلا "كنت من بين الأشخاص الذين عملوا على تضمين مفهوم [الحكم المطلق] في الدستور. "لكن فيما بعد، أدركت أن ذلك كان خطأ".
إيران أقامت نظامها السياسي وفق الخصوصية الإيرانية ، وستجد انها جمعت الخصوصية مع قسماً علمانية ، وأخذت نظام الحزبين كما هو معمول في أكثر من دولة ، والمؤسسات فيها قائمة على خصوصية الثقافة ، أي أنها أرادت أن تقيم نظامها بعيدا عن التقليد والتنميط الغربي ، وولاية الفقيه ولجنة صيانة الدستور الذي يتدخل ويحسم كثير من المسائل يقابلها في النظام الغربي الحديث المحكمة الدستورية العليا اي ان إيران اجتهدت في إقامة نظامها السياسي بعيدا عن التقليد والتبعية. ولذا هي دولة تحترم لأنها تحاول أن تكون بين الأقوياء وتلعب مع الكبار ..!
الرد1 تعليق