فيما يركز النظام الإيراني على التدخل الإقليميو الأذى البحري، تتواصل معاناة الإيرانيين بسبب السقوط الحر للعملة والتضخم المتزايد والبطالة وعدم اليقين الاقتصادي.
فأعداد الأطفال والقُصر الذين يجبرون على العمل آخذة في الارتفاع في إيران. وفي العام الماضي، خرج المتقاعدون الحكوميون والعمال بصورة متقطعة في احتجاجات في مدن مختلفة للتعبير عن مخاوفهم حول الرواتب المنخفضة.
وكان معدل التضخم الرسمي من نقطة لنقطة نحو 40 في المائة في العام الماضي مقارنة بالعام الذي سبقه، وقد ارتفع إلى أكثر من 60 في المائة بالمقارنة بالوقت نفسه من العام الماضي. إلا أن الموظفين الحكوميين لم يحصلوا هذا العام إلا على علاوة بنسبة 20 في المائة.
وفيما تنفق الحكومة المزيد والمزيد من المال على الحرس الثوري الإيراني، فإن الميزانية المخصصة للشعب تتقلص كل سنة.
فقد ارتفعت ميزانية الحرس الثوري بنسبة 28 في المائة مقارنة بالعام الماضي، كما أن القوات المسلحة التقليدية (الأرتش) حصلت على زيادة بنسبة 36 في المائة. وفي هذه الأثناء، فإن قوات الشرطة، التي كانت مسؤولة جزئيا عن قمع الاحتجاجات هذا العام، حصلت على زيادة بنسبة 44 في المائة.
كما أن المدن الرئيسة في إيران مخنوقة من التلوث الذي تفاقم على نحو مطرد على مدار العقد الماضي، ما يسبب كا شتاء في المزيد من إغلاق المدارس والمكاتب.
ومع ذلك، فقد خفضت الحكومة المخصصات في ميزانية 2023-2024 لـ "مبادرة مكافحة تلوث الهواء" بأكثر من 10 في المائة بالمقارنة مع العام الماضي.
واضطر مركز بارديس الترفيهي للسينما لإغلاق أبوابه يوم 12 حزيران/يونيو نظرا لعدم وجود ماء جار بسبب المبلغ الذي يدين به للحكومة.
فقد أعلن المجمع أن موظفي إدارة الماء والصرف الصحي في طهران جاءوا إلى المجمع وقاموا بقطع مواسير المياه، مضيفا أنه سيقوم برد المال الذي دفعه العملاء لشراء التذاكر.
وحتى السكان الذين يدفعون فاتورة المياه بصورة منتظمة يواجهون أيضا قطعا في الماء.
ومثلما كانت الحال في معظم فصول الصيف الماضية، يُترك سكان طهران بعض الأيام بدون مياه جارية طيلة ساعات في كل انقطاع.
وقالت معلمة مدرسة رسمية في طهران إن "الحكومة تزعم أنها لا تملك المال الكافي، لذا لا نستطيع أن نحصل على علاوة، لكنها تنفق ملايين الدولارات على الحرس الثوري واستثماراته وشركاته".
وأضافت في حديث للمشارق شريطة عدم الكشف عن هويتها "لا يوجد ما يكفي من ماء أو كهرباء أو البنزين. ففي كل شهر، تعلن الحكومة نقصا جديدا، إلا أنها تنفق الكثير من المال على الأنشطة العسكرية".
التهديدات الإيرانية في الخليج
وفي هذه الأثناء، يستعرض النظام الإيراني قوته العسكرية في الخليج وكثيرا ما يقوم بمضايقة السفن الأجنبية أثناء مرورها عبر مضيق هرمز.
ففي 5 تموز/يوليو، أحبط الجيش الأميركي محاولتين للبحرية الإيرانية لاحتجاز ناقلات نفط تجارية في المياه الدولية قبالة عُمان.
وتتناقض هذه المحاولات لمهاجمة السفن المدنية غير المسلحة مع مزاعم طهران التي تقول إنها تسعى للسلام والأمن في المنطقة، إذ أن تلك المحاولات تتحدى سلامة كل السفن التجارية وأمنها في مضيق هرمز،حسبما ذكر مسؤولون أميركيون.
وذكر الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية ومقره البحرين في بيان أنه يعمل مع الحلفاء والشركاء على حماية المعبر الحيوي إلى الخليج.
من جهته، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي للولايات المتحدة جون كيربي "لقد شهدنا أنشطة إيرانية متكررة من تهديدات وعمليات مصادرة للأسلحة وهجمات على سفن تجارية تمارس حقوقها وحريتها المشروعة بالملاحة في المياه الدولية والممرات المائية الاستراتيجية في المنطقة".
وأيضا في شهر أيار/مايو، تفاخرت البحرية الإيرانية بقيامها بأول جولة إبحار حول العالم.
وقال محلل في البحرية الإيرانية طلب عدم الكشف عن اسمه "يبدو أن الأخبار تصل إلى الجيش الإيراني ببطء شديد. فيتفاخر بالإبحار وكأنه اكتشفه للتو بعد خمسة قرون"!
وتابع أن "مشاكل النظام الإيراني كثيرة للغاية بما في ذلك المعدات المتهالكة لبحريته، بحيث يجب أن يكون الإبحار حول العالم آخر ما على المسؤولين التفكير به".
محاولات تحصيل الديون
وفي حزيران/يونيو، قال مسؤولون إيرانيون إن ما يزيد عن 100 مليار دولار أميركي من أموال البلاد محتجزة في العديد من الدول لأسباب مختلفة، منها العقوبات.
لذا فقد توجه الرئيس إبراهيم رئيسي إلى ثلاثة بلدان في أميركا اللاتينية، وهي أيضا معزولة وخاضعة للعقوبات، بحثا عن المال الذي تدين به لإيران، وأيضا بحثا عن المزيد من التعاون.
فقد زار رئيسي فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا في حزيران/يونيو، وقام بالتوقيع على 25 اتفاقا جديدا مع كاراكاس وسط تكهنات بأنه طلب خلال زيارته تسديد المال الذي تدين به فنزويلا لبلاده.
وقال خبير اقتصادي للمشارق شريطة عدم الكشف عن هويته "أتمنى ألا تدفع البلاد الأخرى المال الذي تدين به لإيران، لأنه ذلك سيعني دخول المزيد من الأموال إلى جيوب النظام".
وأضاف أن "المكان الوحيد الذي سينتهي به المطاف لأي مال آت هو الحرس الثوري الإيراني، وفي نهاية الأمر سيصل إلى العراق أو اليمن أو سوريا. ولن يتم إنفاق أيا منه على الإيرانيين".
وتابع "لذا، أعتقد أننا سنكون أفضل حالا إذا تم حفظ المال في بلد آخر لبعض الوقت في المستقبل، وربما للأجيال الإيرانية في المستقبل"، مضيفا أنه ثمة أمل ضئيل في أن تتمكن إيران من الحصول على أي مال من فنزويلا.
وكان الرئيس التنفيذي لشركة تصنيع السيارات الإيرانية سايبا، محمد علي تيموري، قد قال في 23 شباط/فبراير إن "سياسة الشركة هي أن تركز على روسيا وفنزويلا كأسواقها المستهدفة الرئيسة".
وأضاف أن شركة سايبا قد أرسلت بالفعل الدفعة الأولى التي تضم 1000 سيارة إلى فنزويلا، وأن 2000 سيارة أخرى جاهزة للتصدير "بمجرد تحويل العملات اللازمة للشراء".
والشيء المثير للسخرية هو أنه فيما تقوم إيران بتصنيع سيارات للتصدير، فإن المجلس (البرلمان الإيراني) قد مرر مشروع قانون يسمح باستيراد السيارات الأجنبية المستعملة للمرة الأولى على الإطلاق، في مؤشر آخر على المشاكل العميقة التي يواجهها اقتصاد البلاد.