فيما يستعد الإيرانيون لاحتفالات عيد النوروز يوم 20 آذار/مارس الذي تستقبل معه البلاد عاما جديدا، فإنهم يواجهون مصاعب اقتصادية متفاقمة ومعدل تضخم يرتفع يوما بعد يوم، ولم تلحظ الموازنة العامة للسنة المالية 2023-2024 إلا القليل للتعامل معه.
ففي أحدث بياناتها، تقدر الحكومة الإيرانية معدل التضخم الإجمالي بنسبة 47.7 بالمائة ومعدل التضخم بنسبة 53.4 بالمائة بالنسبة لفترة الـ 30 يوما المنتهية في 20 شباط/فبراير.
وفي منتصف شباط/فبراير، انخفض الريال، الذي كان قد بلغ أصلا أدنى مستوى له، بسرعة وبصورة إضافية، وخسر نحو نصف قيمته مقابل الدولار في السوق الحرة بالمقارنة بشباط/فبراير الماضي.
وفي حين تعهدت الحكومة بـ "كبح جماح" سعر الصرف، ارتفعت قيمة الريال بنحو 10 بالمائة فقط في أوائل آذار/مارس، وظلت إلى حد كبير على هذا النحو حتى الآن.
ولطالما أصر النظام الإيراني أنه لا يسيطر على سعر صرف العملات في سوق إيران الحرة، وأن "الأعداء" و"العناصر المعادية للنظام" هم السبب وراء ارتفاع قيمة العملات الغربية مقابل الريال.
وفي ضوء الانخفاض الكبير لقيمة العملة الوطنية، فمن غير الواضح كيف ستتمكن الحكومة من زيادة قيمتها على نحو دوري، حتى لو كان ذلك ظاهريا.
ففي العام المالي 2022-2023 الذي ينتهي في 20 آذار/مارس، اضطر النظام لبذل جهود كبيرة لاحتواء الضرر، فقمع الاحتجاجات وحمل "الأعداء" مسؤولية "التحريض" ضد، في خطاب اعتاد تكراره لدى مواجهته أي تحد.
وفي حين خرج آلاف الإيرانيين إلى الشوارع منذ أيلول/سبتمبر للاحتجاج على غياب الحريات الشخصية، استمر آخرون في الاحتجاج على الرواتب أو معاشات التقاعد المتدنية والمزايا الشحيحة.
من جانبها، واصلت الحكومة في معظم الأحيان قمع المحتجين الذين يواجهون مصاعب اقتصادية حادة وتجاهل مطالبهم.
موازنة العام المالي 2023-2024
فيما يكافح الموظفون الحكوميون والمتقاعدون والطبقات الاقتصادية-الاجتماعية الدنيا والمتوسطة لتغطية نفقاتهم، مرر المجلس (البرلمان الإيراني) مشروع قانون موازنة العام المالي الجديد بأولويات تظهر اعتبارات مختلفة.
فعلى غرار السنوات السابقة، أعطت الموازنة الأولوية للحرس الثوري الإيراني وقوات المقاومة الباسيج المتحالفة مع الحرس والقوات التابعة له، إضافة إلى مؤسسات الدعاية التابعة للنظام.
ومع أن متوسط معدل التضخم كان يزيد عن 40 بالمائة في فترة الـ 11 شهرا الماضية، سيحصل الموظفون الحكوميون في السنة الجديدة على علاوة بقيمة 20 بالمائة فقط.
وفي الوقت عينه، ارتفعت ميزانية الحرس الثوري بنسبة 28 بالمائة مقارنة بالعام الماضي، كما أن هيئة الإذاعة والتلفاز المملوكة من الدولة والتي تبث دعاية النظام والاعترافات القسرية، ستحصل على زيادة في مخصصاتها بنسبة 42 بالمائة.
أما القوات المسلحة التقليدية (أرتش)، وهي قوة أصغر وأضعف بكثير من الحرس الثوري، فقد حصلت على 36 بالمائة في الموازنة الجديدة، في حين حصلت قوة الشرطة، التي كانت مسؤولة جزئيا عن قمع احتجاجات هذا العام، على زيادة قدرها 44 بالمائة.
وتم تخصيص زيادة كبيرة قدرها 52 بالمائة لوزارة الاستخبارات، وتخصيص زيادة أكبر منها وتبلغ 53 بالمائة، إلى واحدة من منظمات الدعاية التابعة للنظام، وهي منظمة الإعلان الإسلامي.
أما المنظمة المسؤولة عن قمع الحريات الشخصية، بما في ذلك تحجيب النساء، والتي تعمل شرطة الأخلاق تحت مظلتها، فقد منحت زيادة بنسبة 33 بالمائة في موازنة هذا العام.
هذا وتعاني المدن الكبرى في إيران من تلوث مميت دأب على التفاقم تدريجيا كل عام على مدار العقد المنصرم وتسبب بإغلاق المزيد من المدارس والمكاتب في كل شتاء.
ومع هذا، فقد خفضت الحكومة مخصصات "مبادرة مكافحة تلوث الهواء" في موازنة العام 2023-2024 بنسبة 10 بالمائة مقارنة بالعام الماضي.
الشعب 'في أسفل القائمة'
وفي حديث للمشارق اشترط فيه عدم الكشف عن هويته، صرح خبير اقتصادي مقيم في إيران أنه "وفق الموازنة، تتوقع الحكومة زيادة بقيمة 58 بالمائة في معدل صادراتها النفطية في العام الجديد".
وقال "لكن من غير الواضح كيف ستتمكن من تحقيق ذلك في ضوء العقوبات التي تفرض قيودا على مبيعات النفط".
وأشار إلى أن الموازنة الجديدة تظهر كالعادة نطاق الاهتمام الضئيل الذي يليه النظام للشعب الإيراني، مع استمراره في إعطاء الأولوية لأنشطته النووية غير المشروعة وتدخلاته الإقليمية وقمعه الداخلي.
وتظهر الموازنة الإجمالية للحكومة زيادة قدرها 40 بالمائة مقارنة بعام مضى، لكنها لا تتضمن زيادة معادلة في رواتب الموظفين الحكوميين والمتقاعدين.
وقالت مريم، وهي معلمة متقاعدة في الرابعة والسبعين من العمر، إنها لا تعرف كيف ستتمكن من تحمل كلفة شراء هدايا عيد النوروز لأحفادها بمعاشها الشهري الضئيل.
وأضافت "كل عام أشعر بنوع من الخزي لأني لا أستطيع أبدا شراء ما أريده حقا لأولادي وأحفادي. لكن هذا العام هو الأسوأ بكثير".
وتابعت أن "الناس في هذا البلد إما هم في أسفل قائمة أولويات الإنفاق لدى النظام، وإما غير موجودين أساسا على تلك القائمة. فنحن على الطريق لكي نصبح بلدا مثل فنزويلا حيث قيمة العملة الوطنية منخفضة للغاية".
وفي هذه الأثناء، عبر الكثير من علماء البيئة عن مخاوفهم بشأن مستوى تلوث الهواء المرتفع للغاية في المدن الإيرانية الكبرى، وفشل الحكومة في اتخاذ تدابير لها معنى للتعامل معه.
فالحكومة لا تفعل شيئا لحل مشكلة التلوث، ولا تقوم إلا بإغلاق المكاتب والمدارس حين تسبب المستويات المرتفعة من التلوث بـ "ظروف هواء خطيرة".
وقال علي، وهو عالم بيئي مقيم في شيراز طلب عدم استخدام اسمه الأول، إن الانخفاض في المبلغ المخصص لمكافحة التلوث يبين أن الحكومة لا تتظاهر حتى بأنها تأخذ الأمر على محمل الجد.
وأضاف في تصريح للمشارق أن التلوث يهدد الجميع لأنه يسبب السرطان وأمراضا أخرى، وهو خطير على نحو خاص للأطفال والأشخاص الذين يعانون من أمراض رئوية أو قلبية.
وأكد أن "العالم بأسره يعرف ذلك؛ فهي حقيقة مثبتة".
وأوضح علي أن الكثير من الإيرانيين قد أظهروا استياءهم من النظام هذا العام، ومع ذلك فهو حتى لا يحاول أن يبين أنه يتخذ خطوة واحدة من أجلهم، حتى في مسألة غير سياسية مثل التلوث في المدن الكبيرة.