عاد الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي مع الوفد المرافق له إلى إيران يوم الجمعة، 14 تموز/يوليو، بعد زيارة 3 دول أفريقية، هي أوغندا وكينيا وزيمبابوي، في رحلة قامت وسائل الإعلام الإيرانية بتغطيتها باهتمام كبير.
وقبل بدء الرحلة في 12 تموز/يوليو، وهي أول زيارة يقوم بها رئيس إيراني إلى إفريقيا في 11 عاما، وصف رئيسي القارة على أنها "قارة الفرص".
وعبّر الرئيس الإيراني عن عدم رضاه عن مستوى حركة التجارة مع الدول الأفريقية، وقال إن إدارته تركز على تعزيز وتوسيع العلاقات والتجارة في القارة.
ووقعت إيران على 5 اتفاقيات تجارية مع كينيا و4 مع أوغندا.
واتفقت إيران وأوغندا على التخلي عن متطلبات تأشيرات السفر للزيارات السياحية والتعاون في القطاع التجاري وتشكيل لجنة مشتركة دائمة، بحسب ما ذكره مكتب رئيسي.
وأشارت وسائل الإعلام الإيرانية إلى أن الاتفاقيات في زمبابوي ركزت على التعاون في مجالات العمل والزراعة والتعليم والعلم والتكنولوجيا.
وقالت الحكومة الإيرانية إنها تسعى للحصول على اليورانيوم في نشاطها التجاري مع زمبابوي وأوغندا، علما أنهما غنيتان برواسب اليورانيوم.
وواصلت إيران توسيع برنامجها النووي بما يتجاوز الحدود المتفق عليها، وقد رفعت مخزونها بنسبة 5 و20 و60 في المائة من اليورانيوم المخصب، حسبما ذكرت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا (مجموعة الدول الثلاث) في بيانات صدرت مؤخرا.
وهذا ما رفع المخزون الإجمالي لإيران من اليورانيوم المخصب إلى أكثر من 21 مرة الحد المنصوص عليه في الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة).
التوجه شرقا؟
وقامت وسائل الإعلام المملوكة للدولة والتابعة للنظام في إيران بتغطية الرحلة على نطاق واسع وتفاخرت بها باعتبارها إنجازا كبيرا للجمهورية الإسلامية.
ولكن في حين تأمل إيران في إقامة علاقات جديدة خلال هذه الرحلة إلى إفريقيا، إلا أن العديد من الخبراء والمراقبين عبّروا عن شكوك حقيقية في إمكانية أن يكون ذلك مشروعا مثمرا.
وانتقدت المقالات الافتتاحية على المواقع الإلكترونية الإيرانية المعتدلة الضجة التي أحاطت بالزيارة إلى إفريقيا وشككت في طبيعة هذا "الإنجاز".
وقال كاتب العمود الصحافي في صحيفة عصر-ي إيران اليومية صابر غولنباري إن الرحلة جاءت "متأخرة جدا" وجرت في ظل مواجهة طهران "ضغط اقتصادي كبير".
وأشارت عدة مواقع إلكترونية أيضا إلى الاقتصاد شبه المنهار والذي "لا يمكن إنقاذه" في إيران، والذي تدهور جراء العقوبات وإهمال الحكومة.
وفي هذا السياق، ذكر أستاذ محاضر بالاقتصاد السياسي ويقيم في طهران للمشارق شريطة عدم الكشف عن اسمه أن "الاقتصاد لم يكن له أي اعتبار في السياسة الخارجية الإيرانية خلال العقود الماضية، وتحديدا منذ الثورة الإسلامية عام 1979".
وأوضح أن "إدارة رئيسي توجهت إلى الدول غير الغربية وهي تطبق سياسة [المرشد الإيراني علي] خامنئي بالتوجه شرقا".
وأضاف "لكن ما يدعو للسخرية هو أن دولتين على الأقل من الدول الثلاث التي زارها تتطلع إلى الغرب ولها علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل حتى".
ʼفرصة اقتصادية ضائعةʻ
وأشارت وسائل إعلام مملوكة من الدولة إلى أن أمام إيران "فرصة ممتازة" لتوطيد علاقاتها مع "الدول الصديقة" والدول الأفريقية هي "أفضل خيار" لذلك نظرا لحجم القارة وسكانها.
ولكن بعض المقالات الافتتاحية في وسائل الإعلام المحلية المستقلة بإيران لفتت إلى أن منافسي إيران الأساسيين على مستوى التجارة مع إفريقيا هم تركيا والسعودية وإسرائيل والإمارات.
وقالت إن طهران أضاعت بالفعل فرصة التعامل تجاريا مع القارة في ظل العقوبات الدولية.
ولكن جاء في إحدى هذه المقالات أنه حتى لو لم تكن إيران خاضعة للعقوبات، لما كان إطلاق نشاط تجاري ناجح مع إفريقيا ممكنا وسهلا.
وعقب زيارة أجراها رئيسي ومسؤولون إيرانيون كبار لمركز علمي إيراني في نيروبي حيث تفقدوا مسيرات مصنوعة في إيران، تفاخرت المواقع الإلكترونية التابعة للنظام على نطاق واسع بـ"مسيرات إيران في إفريقيا"، مشيرة إلى أنها ستستخدم في قطاع الزراعة.
وتعرف المسيرات الإيرانية بشكل خاص بانتشارها العسكري في حروب مثل الحرب في اليمن وأوكرانيا.
وقالت أمينة صندوق في أحد المصارف وتبلغ من العمر 56 عاما وتقيم في كرمان ولديها طفلان، "بات اسم بلدنا مرتبطا ارتباطا وثيقا بالمسيرات. نرسل المسيرات إلى روسيا واليمن واليوم إلى إفريقيا".
وتابعت للمشارق طالبة عدم الكشف عن هويتها "إمكانياتنا المادية أنا وزوجي محدودة للغاية. وتعيش عائلات أخرى كثيرة بظروف أسوأ من ظروفنا بعد".
وأضافت "ولكن لا يريد المسؤولون في النظام إلا ملء جيوبهم، وبالتالي فإن الاقتصاد المحلي ورفاه المجتمع هما آخر اهتماماتهم".
مكاسب شبه معدومة
ولكن ماذا تأمل إيران بتحقيقه في إفريقيا؟
وفي هذا السياق، قال متحدثون شاركوا في محادثة عبر قناة الجزيرة يوم الخميس إن دبلوماسية القوة الناعمة لإيران في إفريقيا متأخرة وساذجة، كما أن تأثيرها الثقافي ليس استثنائيا لا سيما بالمقارنة مع الصين.
ولفتت المحللة المقيمة في كينيا نيالا تشومي خلال المحادثة إلى أن أغلبية السكان في إفريقيا هم من المسيحيين والمسلمين السنة، إلا أنه تم تسجيل زيادة في عدد السكان الشيعة بكينيا منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهو ما رعته الجمعيات الخيرية الإيرانية.
ورجحت أن تسعى إيران للتدخل في المجتمعات الشيعية الصغيرة في إفريقيا، لا سيما في كينيا وأوغندا.
وأشارت إلى احتمال أن تكون كينيا تسعى للحصول على مساعدة إيران في مواجهة عناصر حركة الشباب في الصومال، رغم أنه لم يتم التطرق بشكل خاص إلى ملف الأمن والدفاع خلال الزيارة التي ركزت ظاهريا على الأقل على تعزيز التعاون في مجال التنمية.
ومن الممكن أن تكون طهران قد تحولت إلى إفريقيا لأسباب جيوسياسية، بحسب إيريك لوب الأستاذ المحاضر في كلية السياسة والعلاقات الدولية بجامعة فلوريدا الدولية.
وأشار إلى أن الدول الأفريقية ممثلة في مجالس إدارات وكالات مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أنها أعضاء غير دائمة في مجلس الأمن الدولي وقد تتمكن من التأثير لصالح إيران.
ولكن لوب ذكر أنه ليس "متفائلا للغاية" إزاء الدور الذي تستطيع إيران لعبه في إفريقيا وسبل دعمها للقارة، أو إزاء ما قد تحققه إفريقيا من مكاسب جراء توطيد العلاقات مع إيران نظرا للقيود المفروضة على الطرفين.