مع أن إيران حاولت إخفاء دورها في تصنيع وتصدير المسيرات التي يستخدمها وكلاؤها وحلفاؤها لشن هجمات في الشرق الأوسط وأوكرانيا، كشفت الأدلة الجنائية ضلوع الجمهورية الإسلامية في ذلك.
وفي تقرير صدر بتاريخ 13 كانون الثاني/يناير، كشف معهد رويال يونايتد للخدمات، وهو معهد بحثي بريطاني متخصص بالشؤون الدفاعية والأمنية، عن الأدلة الجنائية التي تربط إيران بالمسيرات المستخدمة في هجمات بالمنطقة وخارجها.
وأشار التقرير إلى أن حطاما من الهجمات التي نفذت في أيلول/سبتمبر 2019 على منشأتي بقيق وخريص النفطيتين في السعودية، كشف بداية عن طائرة وصفها السعوديون بأنها "مسيرة مجهولة بجناح دلتا".
وذكر المعهد أنه مع أن إيران تقوم عادة بعرض مسيراتها في الاستعراضات والمعارض العسكرية، إلا أن هذا الطراز لم يعرض قبل الهجوم، "كما أنه لم يظهر لفترة طويلة من الوقت بعد حصول ذلك الهجوم".
ولكن أشار إلى أنه قبل 5 سنوات، وتحديدا في كانون الأول/ديسمبر 2014، عرضت وكالة مشرق نیوز 10 أنواع من المسيرات التي يمكن استخدامها في مهمات انتحارية، ومن بينها مسيرة تحمل اسم طوفان.
وذكر أن وصف مسيرة طوفان ترافق "مع صورة لمسيرة بجناح دلتا هي شبيهة جدا بتلك التي استهدفت السعودية عام 2019".
وتابع أن "ما لوحظ هو أن إيران لم تعرض [مسيرة] طوفان بعد ذلك أبدا".
وأشار التقرير إلى إمكانية أن تكون طوفان النسخة الأساسية للسلاح المستخدم في الهجمات على السعودية، وإلى احتمال أن تكون الجمهورية الإسلامية قد أبقت عملية تكييفها وقدراتها سرية من أجل إخفاء دور إيران في اليمن.
إيرانية رغم الطلاء الجديد
وجاء في تقرير معهد رويال يونايتد أن إيران تدعم الحوثيين بصورة تامة، فتزودهم "بالصواريخ والمسيرات المستخدمة لمهاجمة الجيش السعودي والبنية التحتية الصناعية والمدنية داخل المملكة".
ولكن بما أن قرارا صدر عن مجلس الأمن في الأمم المتحدة عام 2015 يمنع شحن الأسلحة إلى كافة الجهات المنخرطة في حرب اليمن، يصر الإيرانيون على رواية أن كل الصواريخ والمسيرات الحوثية هي من تصميم وإنتاج بدائيين".
وقال المعهد إنه "لتثبيت هذه الرواية، تتم إعادة تسمية وإعادة طلي الصواريخ الباليستية الإيرانية المهربة على شكل قطع إلى الحوثيين"، بحيث أن المسيرات التي تضرب السعودية "نادرة ما تظهر ألوان إيران أو تستخدم من قبل القوات المسلحة الإيرانية".
وتابع أنه بعد تعرض الناقلة مرسر ستريت لهجوم في تموز/يوليو 2021، أدت عملية تفحص حطام المسيرة الذي وجد على ظهر السفينة إلى "كشف أنها مطابقة للـ ʼمسيرة المجهولة بجناح دلتاʻ من هجوم أيلول/سبتمبر 2019 على السعودية".
و"كشفت" إسرائيل أن المسيرة المجهولة هي المسيرة شاهد-136 في أيلول/سبتمبر 2021، وهو ما أقرت به إيران علنا بعد فترة قصيرة من ذلك.
وقال المعهد إن المسيرة شاهد-136 هي في الواقع نسخة مطورة من السلاح الأصلي الأصغر حجما الذي استخدم في الهجوم الذي نفذ عام 2019 على السعودية، وباتت تعرف اليوم باسم شاهد-131.
وفي أيلول/سبتمبر 2022، تم العثور في أوكرانيا على 3 أنواع من المسيرات المصنعة والمنتجة من قبل إيران، وهي شاهد-131 وشاهد-136 ومهاجر-6، "وغالبا ما تعرضها إيران في معارض الأسلحة والمناورات العسكرية".
وفي البداية أنكرت إيران تزويد روسيا بالمسيرات، في حين أعاد الروس طلاءها وغيروا اسمها من شاهد 131 و136 إلى جيران (جيرانيوم) 1 و2.
إنتاج المسيرات في إيران
وفي هذا السياق، ذكر موقع إيران برايمر أن الغالبية القصوى من المسيرات الإيرانية تصنع في الداخل الإيراني، مع أن أدلة جديدة تشير إلى احتمال أن تكون القطع "قد اشتريت في السوق الموازية أو بطريقة سرية".
وأوضح المعهد أن المسيرات طراز شاهد مصممة من قبل مركز شاهد لأبحاث صناعة الطيران بالقرب من أصفهان، وتنتجها شركة صناعات الطائرات الإيرانية ومقرها طهران.
وتسيطر وزارة الدفاع الإيرانية على شركة صناعات الطائرات الإيرانية الخاضعة للعقوبات الأميركية، بحسب ما أعلنته وزارة الخزانة الأميركية.
هذا وتعد أصفهان مركزا أساسيا لصناعة وأبحاث وتطوير الصواريخ بالنسبة لإيران، كما أنها تضم 4 منشآت أبحاث نووية صغيرة زودتها بها الصين قبل سنوات عدة، حسبما أوردته صحيفة نيويورك تايمز في 29 كانون الثاني/يناير.
وفي كانون الثاني/يناير، ألحقت انفجارات أضرارا "بمجمع صناعي عسكري [في أصفهان] يعتقد أنه مركز إنتاج للمسيرات والصواريخ" التي تستخدم على ما يبدو في الشرق الأوسط ومن قبل القوات الروسية في أوكرانيا، وفق ما ذكرته صحيفة ذا غارديان.
وزعمت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن المنشأة كانت معملا للذخيرة، مع أنه "لم يتضح سبب إقدام إيران على بناء معمل لإنتاج الذخيرة في وسط مدينة تضم نحو مليوني نسمة"، حسبما ذكرت نيويورك تايمز.
وتم تحديد كرمانشاه غربي إيران على أنها المركز الأساسي في البلاد لتصنيع المسيرات العسكرية وتخزينها.
وهناك أيضا معمل للمسيرات في مدينة تبريز شمالي غربي البلاد، إضافة إلى مجمع بارشين العسكري جنوبي شرقي طهران حيث يتم تصنيع المسيرات والصواريخ والتقنيات النووية، حسبما ذكره معهد الشرق الأوسط.
وفي شباط/فبراير، كشف سلاح الجو التقليدي في إيران (الأرتش) عن قاعدة جديدة تم إنشاؤها تحت الأرض "بمئات الأمتار" في موقع لم يتم تحديده.
وأعلنت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية أن قاعدة "إيغل 44" التي قيل إنها تضم مقاتلات ومسيرات، "تشتمل على المعدات المطلوبة كافة لدعم عدد كبير من الطائرات المقاتلة".
صادرات وإنتاج خارجي
وفي هذا الإطار، كشف رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري الشهر الماضي أن للمعدات العسكرية الإيرانية "عملاء كثر" بدون الإدلاء بتفاصيل، بحسب ما نقلته وكالة تسنيم التابعة للحرس الثوري الإيراني في شباط/فبراير.
ووقعت كل من إيران وروسيا اتفاقية لإنشاء معمل لتصنيع المسيرات في مدينة ييلابوغا الروسية من أجل إنتاج 6000 نسخة متطورة عن شاهد-136، حسبما جاء في وول ستريت جورنال ووسائل الإعلام الإيرانية.
وتحدثت معلومات عن زيارة أجراها وفد إيراني للمدينة في كانون الثاني/يناير، وقد تفقد "موقعا فارغا" حيث سيتم إنشاء مرفق إنتاج للمسيرات.
وذكر معهد الشرق الأوسط في تقرير نشر بتاريخ 3 حزيران/يونيو 2022 أن "إيران افتتحت في 17 أيار/مايو 2022 معملا للمسيرات في طاجكستان المجاورة".
وأشار إلى أن "المعمل يشكل رسميا أول مرفق تابعا لإيران لإنتاج المسيرات خارج البلاد وسيقوم بتصنيع وتصدير طراز أبابيل-2، وهو مسيرة متعددة الأغراض فيها قدرات رصد وقدرات قتالية وانتحارية".
وقال التقرير إنه "إلى جانب تعزيز العلاقات مع دوشانبه، قامت إيران بإنشاء المعمل لتعزيز صادراتها من المسيرات إلى طاجكستان ودول أخرى غير خاضعة للعقوبات الأميركية".
ومنذ تولي ابراهيم رئيسي منصب الرئاسة في آب/أغسطس 2021، "سعت [إيران] إلى إيجاد مشترين لمسيراتها العسكرية خارج إطار شبكتها الشرائية المؤلفة بغالبيتها من شركاء شبه حكوميين أو غير حكوميين ووكلاء في المنطقة".
وبحسب المعلومات، نقلت إلى فنزويلا تقنية مسيرة الرصد والقتال مهاجر-6، وسلمت مسيرتين من طراز مهاجر-6 إلى أثيوبيا.
ولكن مؤسسة كارنيغي ذكرت في تقرير صدر في 26 تشرين الأول/أكتوبر أنه رغم اهتمامها الواضح بالصادرات، "لم تنجح [إيران] في بيع أسلحتها إلا لمجموعة محدودة من الدول مثل أثيوبيا والسودان وطاجكستان وفنزويلا".
وأشار التقرير إلى أن "عملية نشر مسيرات شاهد ومهاجر أعطت إيران فرصة دعائية مهمة"، لافتا إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي التابعة للحرس الثوري قد نشرت تسجيلات مصورة عن هجمات بالمسيرات في كييف.
وأضاف أنه مع توجيه كل الانتباه إلى روسيا، "اكتسبت الأسلحة الإيرانية اهتماما قيما وعملاء مستقبليين محتملين، لا سيما من بين الأنظمة المارقة والدول الخاضعة للعقوبات والتي تواجه صعوبة في شراء تلك الأسلحة".