تظهر أدلة جديدة أنه في الوقت الذي تتباهى فيه إيران بصداقتها الوثيقة مع الصين وتزعم أن البلدين يستفيدان سويا من الاتفاقات الاقتصادية والأمنية طويلة الأجل، تستخدم الصين إيران كبيدق.
فوفقا لتقرير أصدرته شركة الأمن السيبراني الأميركية بالو ألتو نتوريكس في 18 كانون الثاني/يناير، استهدفت مجموعة القرصنة الصينية بلايفول توروس أربع منصات تابعة للحكومة الإيرانية.
ويشير التحليل الذي أجرته الشركة إلى أن الكيانات الأربعة قد تعرضت للخطر جراء ما يعرف باسم تهديد متواصل متقدم، أو حملة هجمات سيبرانية بهدف سرقة معلومات حساسة، مثلما أفاد موقع المونيتور الإخباري.
وكانت وزارة الخارجية ومنظمة الموارد الطبيعية وإدارة مستجمعات المياه في إيران من بين أهداف الهجوم السيبراني الصيني.
ويبدو أن الهجوم كان وسيلة لسرقة معلومات استخبارية وليس بالضرورة الإضرار بالبنية التحتية الإيرانية، مثلما ذكر محمد أمين بلعربي الرئيس التنفيذي لسايفرليك، وهي منصة لمراقبة المخاطر السيبرانية يقع مقرها في دبي وديلاوير.
وصرح بلعربي لموقع المونيتور أن "هذا هجوم من نوعية التجسس السيبراني حيث يكون الهدف هو جمع وسرقة البيانات لأغراض الاستخبارات، وليس الإضرار بالبنية التحتية أو التسبب في خسائر مالية".
وأضاف أنه في ضوء طبيعة الهجوم، فإنه من المرجح أن يكون قد نفذ من قبل كيان حكومي لجمع المعلومات والحفاظ على إخفاء الهوية مع عدم وجود هدف معين.
وأوضح أن "هذا هجوم شامل، فالحكومات تستعين بهذه النوعية من البرمجيات الضارة ضد جزء من أو كل البنية التحتية الحكومية التي تستطيع الوصول إليها لأغراض جمع البيانات من الأصدقاء أو الأعداء".
'التوجه نحو الشرق'
وفي 2021، وقعت إيران والصين اتفاقا شاملا لمدة 25 عاماللتعاون الاقتصادي والعسكري والأمني.
ونظرا لأن إيران تضررت بشدة من العقوبات الأميركية، فقد نفذت سياسة تهدف لتقوية العلاقات مع الشرق، وهو الأمر الذي يتعارض أيديولوجيا بصورة مباشرة مع المبدأ الموجه للجمهورية الإسلامية الذي يؤكد على تفردها، حسبما قال المراقبون.
وكان المرشد الإيراني علي خامنئي قد وضع المبادئ التوجيهية لتطبيق سياسة 'التوجه نحو الشرق'، وكلف الرئيس إبراهيم رئيسي بتنفيذها.
وقال محلل سابق في البحرية الإيرانية تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته إنه من منظور الصين، فإن "بيت القصيد في الاتفاق الممتد لمدة 25 عاما هو الحصول على موطئ قدم في إيران، لا سيما على جزر جسك وكيش في الخليج العربي".
وكان بعض المنتقدين المحليين للحكومة الإيرانية قد شبهوا الاتفاق بالاتفاقات الاستعمارية من القرن الماضي، إذ أن الانتشار العسكري المحتمل يؤكد الطبيعة الاستعمارية للنوايا الصينية.
فموجب سياسة "التوجه نحو الشرق"، قامت إيران بتوسيع علاقاتها على نحو متزايد مع دول الشرق، لا سيما الصين وروسيا، تحت ذريعة تحفيز اقتصادها شبه المفلس ومقاومة العقوبات الدولية.
وفي حين أن إيران قد تكون مضطرة للبحث عن حلفاء جدد، فإن "الصين تنظر لإيران كجزء من استراتيجية أكبر من المشاركة العالمية والتنمية الاقتصادية، وهي لا تضع كل البيض في سلة واحدة"، حسبما كتب الخبير بشؤون العلاقات الإيرانية-الصينية ويليام فيغيروا في مجلة ذي دبلومات في كانون الثاني/يناير 2022.
فبدعم من الصين، تستمر طهران في الالتفاف على العقوبات الدولية عبر بيع ملايين براميل النفط للمصافي الصينية والانخراط في عمليات نقل قصيرة للنفط من سفينة لأخرى في المياه الإيرانية باستخدام سفن أعيد تسميتها.
استخدام إيران كبيدق
ويقول المراقبون إن الشراكة بين إيران والصين لا تمثل تحالفا حقيقيا يفيد كلا البلدين، مشيرين إلى أن الصين تستغل إيران ومواردها الاقتصادية.
لكن واقعة القرصنة الأخيرة ليست أمرا غريبا، إذ حذر بعض الخبراء عام 2020 من تغلغل الصين المتزايد في إيران.
فحين بدأ النظام الإيراني في إصدار بطاقات هوية وطنية ذكية لكل مواطنيه، وهو الأمر الذي رآه البعض كوسيلة لمراقبة كل حركة من حركات الناس والتحكم بها، استعان النظام بشركة صينية لإعدادها.
وفي عام 2020، كان لموظف في المنظمة الوطنية للتسجيل المدني مطلع على عملية إصدار البطاقات الوطنية الذكية،حديث مع المشارق ، أدلاه شريطة عدم الكشف عن هويته.
وكشف في حديثه أن وفدا إيرانيا توجه إلى شنجن في عام 2010 لمناقشة خطة لإصدار بطاقات وطنية ذكية وتعاقد مع شركة ZTE الصينية لإعداد نظام بطاقات وطنية ذكية في إيران.
وقال إن المشاركة الصينية ستتسبب على الأرجح في مشاكل للإيرانيين، "إذ نعرف أن الحكومة الصينية تراقب كل ما يقوم به مواطنوها". وأضاف أنه من حيث الجوهر، فإن "خصوصية المواطنين الإيرانيين تتعرض لخطر شديد".
وقال المسجل الحكومي السابق حسن علي دادستان، إن إنتاج بطاقات ذكية إيرانية في الصين يعني أن الحكومة الصينية تستطيع الوصول إلى بيانات الإيرانيين.
يذكر أن إيران تتباهى باستمرار بتعاونها مع الصين، في حين أن الصين تصر على استخدام إيران كبيدق في سعيها لكسب المزيد من النفوذ الإقليمي والموارد والاستخبارات.
ويقول المراقبون إنه كلما زاد نفوذ الصين على الحكومة الإيرانية، كلما تمكنت من تحقيق أهدافها على نحو أفضل.