الكينيون يشككون بدوافع إيران في حملتها الدبلوماسية الإفريقية

نيروبي - أثارت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الأخيرة إلى كينيا بعد مرور عام على إطلاق سراح مواطنين إيرانيين حكم عليهما بالسجن المؤبد بتهم تتعلق بالإرهاب، تساؤلات بين الكينيين.

واستقبل الرئيس الكيني وليام روتو رئيسي والوفد المرافق له في نيروبي يوم 12 تموز/يوليو، في المحطة الأولى من جولته عبر القارة التي استمرت 3 أيام وشملت أوغندا وزيمبابوي.

وقبل مغادرته إلى نيروبي، وصف رئيسي إفريقيا بأنها "قارة الفرص".

وخلال الزيارة، وقّع الزعيمان 5 مذكرات تفاهم لزيادة التعاون في مجال المعلومات والتكنولوجيا ومصايد الأسماك وصحة الحيوان ومنتجات الثروة الحيوانية وتشجيع الاستثمار.

وتفاخر روتو بالتعاون الأقوى مع إيران باعتباره أساسيا للاقتصاد الكيني، مشيرا إلى حجم التجارة المتزايد بين البلدين.

’خفايا غير مرئية‘

ولكن فسر العديد من الكينيين زيارة رئيسي إلى كينيا على أنها عربون تقدير للإفراج عن الرعايا الإيرانيين أحمد أبو الفتحي محمد وسيد منصور موسوي العام الماضي من سجن يخضع لحراسة مشددة.

وسُجن محمد وموسوي في سجن كاميتي شديد الحراسة بتهمة التخطيط لهجمات ضد مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة المتحدة والسعودية في كينيا.

وقال ممثلو الادعاء للمحكمة العليا في نيروبي إن المشتبه بهما على صلة بشبكة كانت تخطط لتفجيرات في العاصمة الكينية ومدينة مومباسا الساحلية. وأحبطت الشرطة الكينية ووكالات المخابرات كلا المؤامرتين.

وحكم على الرجلين بالسجن المؤبد في 2013 بعد العثور عليهما وبحوزتهما 15 كيلوغراما من المتفجرات التي كانت مخبأة في ناد رياضي. وبعد الاستئناف، خففت محكمة كينية عليا الحكم الصادر بحقهما إلى 15 عاما.

وفاجأ إطلاق سراح محمد وموسوي في أيلول/سبتمبر الماضي الكينيين، وأثار جدلا حول ما إذا كان الإرهابيون المدانون يستحقون العفو من قبل لجنة "سلطة الرحمة" الكينية.

واليوم، يشكك البعض في فوائد توثيق العلاقات مع إيران.

وفي هذا الإطار، قال ديفيد موغامبي الأستاذ المحاضر في كلية العلاقات الدولية بجامعة ميرو، إن زيارة رئيسي إلى نيروبي هي جزء من حملة طهران الدبلوماسية لمحاولة كسب تأييد الدول الإفريقية في الشؤون الدولية.

وأوضح أن إيران بحاجة إلى مساعدة إفريقيا، لا سيما في وقت يشهد اقتصادها حالة من الانهيار في ظل عقوبات غربية خانقة.

وتابع "روجت كل من كينيا وإيران للزيارة على أنها جهد بذلته كينيا وإيران للتعاون في المصالح الاقتصادية المتبادلة، ولكن بالنظر إلى تواضع الحركة التجارية بين البلدين أعتقد أن الزيارة لها خفايا غير مرئية".

ʼانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسانʻ

وخلال مؤتمر صحافي مشترك في نيروبي، قال رئيسي إن إيران تهدف إلى زيادة حركة التجارة مع كينيا بـ 10 أضعاف. وأضاف أن كينيا يمكن أن تتعاون مع إيران على المستويين الإقليمي والدولي في الدفاع عن حقوق الإنسان ومكافحة تهريب المخدرات.

وسخر المحامي المقيم في نيروبي إيريك كاماو، 36 عاما، من تعليقات رئيسي بشأن حقوق الإنسان قائلا إن إيران لديها "أسوأ سجل في مجال حقوق الإنسان في العالم".

وقال "لقد شهد العالم على هجمات وحشية ضد المتظاهرين في طهران، ولم ننس عملية القتل الوحشية التي نفذت في أيلول/سبتمبر الماضي ضد مهسا أميني خلال احتجازها لدى ʼشرطة الآدابʻ الإيرانية بحجة ارتداء الحجاب بشكل غير ملائم".

وأشار إلى أن النظام الإيراني قتل متظاهرين سلميين ونفذ إعدامات في انتهاك للاتفاقيات الدولية.

وأضاف كاماو أن رئيسي لا يملك أي سلطة أخلاقية لمناقشة موضوع إدارته ليست مستعدة لمعالجته.

وفي آذار/مارس 2022، قال المقرر الخاص بإيران في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة جاويد رحمان إن "أخطر انتهاكات حقوق الإنسان في جمهورية إيران الإسلامية على مدى العقود الأربعة الماضية" ارتكبت منذ 16 أيلول/سبتمبر 2022 خلال الاحتجاجات التي أعقبت وفاة أميني.

وقالت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية في حزيران/يونيو إن النظام الإيراني نفذ أكثر من 300 عملية إعدام في الفترة الممتدة بين كانون الثاني/يناير وأيار/مايو 2023، وبلغ المعدل في أيار/مايو أعلى مستوياته الشهرية في سجل الجمهورية الإسلامية منذ عام 2015.

وفي هذا السياق، اعتبرت المدرّسة الكينية جونستون موكيريا، 47 عاما، أن توقيت زيارة رئيسي إلى كينيا يثير الشكوك ويأتي بعد اتهام حكومتي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إيران بتزويد روسيا بطائرات مسيرة لاستخدامها ضد الجيش والمواطنين والبنية التحتية في أوكرانيا.

وكان لغزو موسكو لأوكرانيا تأثير اقتصادي مدمر على إفريقيا، وأدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وأكدت أن "[الزيارة] تبعث برسالة خاطئة إلى حلفاء كينيا التقليديين".

وطالبت موكيريا الحكومة الكينية بالتيقظ إلى حد كبير إزاء من تحتضنه على المسرح الدولي لمنع الوقوع في فوضى دبلوماسية.

وأوضحت "على المرء أن يتخذ موقفا بشأن من يتحالف معهم، ويجب ألا يكون لديه سياسة خارجية متناقضة".

وأردفت "على الرغم من أن كينيا أقامت علاقات دبلوماسية مع إيران منذ عام 1963، فإن إيران معزولة ليس فقط من قبل الولايات المتحدة، ولكن أيضا من قبل الاتحاد الأوروبي".

وأضافت "ينبغي على كينيا أن تنظر إلى الوضع ككل بدلا من إدخال نفسها في حالة فوضى أثناء محاولتها التقرب من طهران".

تفاعل خطر مع إيران

ومن جانبه، قال روبرت جيتشوكي مدير شركة ديلافين وهي شركة تنظيف مقرها نيروبي، إن الزيارة كانت في مصلحة إيران أكثر مما هي لمصلحة كينيا.

وتساءل "من يحتاج من في هذه المعادلة؟ إن إيران بحاجة إلى أصوات إفريقية في الجمعية العامة للأمم المتحدة... وكينيا تقدم أحد هذه الأصوات القيّمة".

وتابع "فلننتظر ونرى ما إذا كانت مذكرات التفاهم ستؤتي ثمارها بالنسبة لكينيا، ولكن برأيي لا يجب أن يظهر بلدنا وهو يتفاعل إلى حد كبير مع إيران متجاهلا القضايا الخطيرة مثل دور طهران في الإرهاب العالمي وحقيقة أن لديها أسوأ سجل في حقوق الإنسان في الداخل. وقد يؤدي ذلك إلى تعقيد العلاقات مع شركائنا التقليديين مثل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ومصر".

وكانت الولايات المتحدة قد وقّعت 75 اتفاقية جديدة مع دول إفريقية بقيمة 5.7 مليار دولار منذ كانون الأول/ديسمبر، بحسب ما تسرب عن تجمع أعمال عقد في بوتسوانا يوم 12 تموز/يوليو.

وخصصت الولايات المتحدة أيضا 55 مليار دولار لمشاريع على مدى السنوات الثلاث المقبلة في مجالات تشمل الطاقة الخضراء وتدريب العاملين الصحيين وتحديث شبكات الإنترنت، مع تعهد القطاع الخاص بتخصيص مبلغ 15 مليار دولار جاء بأغلبيته من مستثمرين في مجال التكنولوجيا.

وقالت نعومي مباكا، 39 سنة وهي تعمل في بنك تجاري في مقاطعة كيامبو، إن كينيا قد تصبح أضحوكة عالمية إذ تدين الإرهاب من جهة وتتسامح من جهة أخرى مع إيران. وذكرت أن إيران متهمة من قبل الولايات المتحدة ودول غربية أخرى بأنها ممولة وداعمة لجماعات إرهابية مثل حزب الله.

وسألت "لماذا دعوة رئيس [دولة] خطط جاسوسان تابعان لها لقتل وتشويه وتدمير الممتلكات الكينية؟".

وأضافت "صورتنا كدولة ستتضرر في الخارج، والإفراج عن الإرهابيين الإيرانيين كان المسمار الأخير في نعش الحرب على الإرهاب. ويثير ذلك تساؤلات حول التزام كينيا بمكافحة الارهاب ودعم الكلام بالأفعال عندما تتعرض لضغوط من دول مثل إيران وروسيا".