نواكشوط، موريتانيا -- نشطت إيران أكثر فأكثر في إفريقيا خلال الأشهر الماضية، لا سيما في منطقة الساحل في غرب وشمال وسط إفريقيا، بين الصحراء الكبرى والسافانا السودانية.
واستخدمت المسيرات والأسلحة الإيرانية في صراعات دارت مؤخرا في إثيوبيا والصومال بحسب ما جاء في بعض التقارير، مما أثار تكهنات بشأن نية إيرانية محتملة بزيادة مبيعات الأسلحة إلى إفريقيا.
وقد خضعت أفعال وأجندة الجمهورية الإسلامية وحليفتها روسيا في الساحل لتدقيق متزايد في الآونة الأخيرة، لا سيما منذ الانسحاب الفرنسي من مالي، حيث اتهمت الدولتان بزعزعة الأمن والاستقرار.
وفي مؤتمر صحافي عقد في 4 تشرين الأول/أكتوبر، اتهم وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إيران بالعمل من خلال وسطاء على زعزعة استقرار شمالي وغربي إفريقيا.
وقال بوريطة إن إيران تدعم الجماعات الانفصالية والمتطرفة عبر تزويدها بالأسلحة والمسيرات، ما يقوض السلم والأمن في المنطقة.
هذا وقد وجهت المغرب الاتهامات نفسها سابقا وقطعت علاقاتها بإيران في العام 2018، متهمة حزب الله اللبناني المدعوم من إيران بتسليح وتدريب جبهة البوليساريو الانفصالية.
ونقلت صحيفة أخبار العالم المغربية نفي كل من إيران والبوليساريو هذه المزاعم، ولكن المغرب ذكرت أنها دعمت مزاعمها بتقارير موسعة تفصل اجتماعات عقدت في الجزائر بين حزب الله ومسؤولين من البوليساريو.
وبحسب موقع أتلايا الإعلامي، فقد كشفت التقارير المساعدة العسكرية التي قدمتها طهران لجبهة البوليساريو عبر قاسم تاج الدين، وهو رجل أعمال لبناني مرتبط بحزب الله.
وقدم تقرير خلال الأسبوع الجاري أدلة تشير إلى أن إيران لعبت أيضا دورا أساسيا في شبكة تهريب أسلحة سهلت نقل الأسلحة إلى عدة جماعات إرهابية في القرن الإفريقي.
ʼاستغلال الأوضاع المضطربةʻ
وفي هذا السياق، قال الخبير في شؤون الساحل محمد الأمين الداه للمشارق إن إيران تلجأ عادة إلى استخدام العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية لتمرير سياساتها التوسعية، علما أن هذه هي المقاربة التي اختارتها في مالي.
وتابع أن "إيران تستغل الاضطرابات والأوضاع الأمنية الهشة لتسويق السلاح وإيجاد أرضية جديدة للوصول إلى أهدافها الأخرى، بما في ذلك الحصول على مصادر الطاقة والمواد الأولية للصناعة كالذهب واليورانيوم".
وذكر الداه أن إيران كان لها قوة ناعمة في مالي على مدار سنوات عدة، تتمثل بمراكز ثقافية وصحية كالهلال الأحمر الإيراني وجامعة المصطفى الدولية والمركز الثقافي الإيراني.
وأشار إلى أن "هذه المؤسسات ظلت دائما تلعب دور الغطاء للنشاطات السرية التي تخدم الأجندة الإيرانية".
يُذكر أن جامعة المصطفى الدولية، التي لها فروع حول العالم، خاضعة لعقوبات أميركية على خلفية تسهيلها جهود التجنيد وجمع المعلومات الاستخبارية لصالح فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية في إعلانها عن العقوبات في 8 كانون الأول/ديسمبر 2020 إن فيلق القدس استخدم الجامعة كمنصة تجنيد للميليشيات الأجنبية التي يقودها والتي تحارب نيابة عن النظام السوري.
وبحسب الداه، تلعب الجامعة أيضا دورا في دعم عدد من الجماعات الانفصالية المسلحة في بوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى.
وذكر أنه في ظل التوترات الأخيرة، كثفت إيران أنشطتها في مالي بمحاولة ظاهرية لملء الفراغ الذي خلفه انسحاب فرنسا من البلاد ولاستغلال التوجه الجديد للطغمة العسكرية الحاكمة.
أساليب لبسط النفوذ
وفي هذا الإطار، قال جيروم بينييه الرئيس المؤسس لشبكة التفكير الاستراتيجي حول الأمن في الساحل إن "إيران تستغل الوضع الراهن لتطوير استراتيجيات جديدة للتأثير وترسيخ أقدامها في مالي، وبشكل أوسع في منطقة الساحل".
وأضاف أن "التدخل الإيراني يبرهن أن العديد من الأوراق يتم لعبها حاليا مع بروز فاعلين جدد في المنطقة".
وتابع أنه لا يجب إغفال مساعي إيران لكسب دولة مالي إلى جانبها وجعلها حليفا استراتيجيا، لافتا إلى أن أجندة طهران تنعكس بوضوح في بياناتها.
هذا وتشير زيارة أجراها وزير خارجية إيران حسين عبد اللهيان إلى مالي في آب/أغسطس الماضي إلى رغبة إيران بتطوير علاقات أوثق مع الدولة الإفريقية.
فتحاول طهران، على غرار موسكو، تطوير التعاون مع مالي لإيقاف تقدم الجماعات الجهادية ومنع سقوط الدولة المالية في آتون الفوضى الناجمة عن النزاعات الداخلية والتهديدات الخارجية.
وبالمقابل، ستسمح باماكو لطهران باستغلال مواردها الوفيرة من اليورانيوم والذهب.
ʼجغرافية مقاومة واسعةʻ
وفي اجتماعات عقدها مع قادة إفريقيين، شدد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على أن توطيد العلاقات مع إفريقيا يشكل أولوية في السياسة الخارجية بالنسبة للجمهورية الإسلامية، بحسب ما نقله معهد الشرق الأوسط.
وذكر المعهد أن رئيسي حاول تصوير إيران "على أنها صديق وشريك حقيقي في مساعدة [إفريقيا] على تحقيق الرفاه والتنمية والاستقلال والتقدم".
وسعى رئيسي أيضا إلى جعل إفريقيا جزءا من "جغرافية المقاومة الواسعة" للجمهورية الإسلامية، التي تقوم فيهابتعزيز العلاقات مع دول الشرق وجنوب الكرة الأرضية.
وقال معهد الشرق الأوسط في تقرير نشر في آب/أغسطس 2021، إنه "مع أن السلطات الإيرانية لا تزال مهتمة بإحياءخطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أن رئيسي يمثل خطابا مقاوما يؤمن أنه على إيران التركيز على إجهاض العقوبات عوضا عن محاولة رفعها من خلال المفاوضات السياسية".
وجاء في التقرير أن "النقطة الأساسية في هذه النظرة العالمية هي توسيع العلاقات مع الدول غير الغربية، علما أن إفريقيا تلعب دورا محوريا في هذه المساعي".