إيران تسعى إلى توسيع علاقاتها مع روسيا في ظل انسحاب الصين

توصل البنك المركزي الإيراني مؤخرا إلى اتفاق مع البنك المركزي الروسي لإنشاء أنظمة اتصالات وتحويل بين مصارفهما، في ظل تقرب الدولتين المنبوذتين دوليا من بعضهما البعض.

وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن الاتفاقية الموقعة في 29 كانون الثاني/يناير، ستعزز التجارة وتسهل التعاملات المصرفية المتبادلة.

وأشارت إلى أن بنك شهر الإيراني وبنك في تي بي الروسي سيشاركان في البرنامج بداية، على أن تنضم بنوك أخرى إليه تدريجيا.

وقال الموقع الإلكتروني للبنك المركزي الإيراني إن 52 فرعا من بنوك إيرانية ستستخدم منصة سبام المحلية الإيرانية للربط بين المصارف، وذلك للتواصل مع 106 بنكا غير روسي في 13 دولة عبر استخدام نظام تحويل الرسائل المالية، وهو النظام الروسي الموازي لجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت).

وأضاف أن الاتفاق سيمكن 700 بنك روسي من التعامل مع البنوك الإيرانية.

وفي ظل الاتفاق الجديد، لم تعد البنوك الإيرانية بحاجة إلى الاتصال عبر شبكة سويفت.

ووقع كل من نائب محافظ البنك المركزي الإيراني للشؤون الدولية محسن كريمي وممثل البنك المركزي الروسي فلاديسلاف غريدشين، على مذكرة التفاهم في طهران.

ووصف كريمي الاتفاق بأنه "خطوة كبيرة إلى الأمام في تنفيذ الإجراءات المضادة للعقوبات المصرفية الغربية".

وقال إنه لا يمكن فرض عقوبات على نظامي الربط بين البنوك وإن "الحكومات الغربية لا تسيطر على بنيتهما التحتية"، مضيفا أن الاتفاقية ستمهد الطريق لجميع المصارف الإيرانية للتعامل مع المقرضين الروس.

ومنذ تولي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي منصبه في آب/أغسطس 2021، تحولت روسيا إلى أكبر مستثمر أجنبي في إيران، وفقا لنائب وزير الاقتصاد الإيراني علي فكري.

وقال مراقبون إن الروابط الموسعة والعلاقات المصرفية بين الدولتين تعتبر رمزا لعزلة كل منهما عن المجتمع الدولي.

وتحركت روسيا لتوطيد علاقاتها مع إيران عندما عاقبها المجتمع الدولي إثر هجومها على أوكرانيا، وهو ما أدى إلى عقوبات غربية.

وفي غضون ذلك، دعمت إيران روسيا في حربها على أوكرانيا عبر تزويد موسكو بطائرات مسيرة وصواريخ، ما أدخلها فعليا بحالة حرب مع أوكرانيا.

وتم بناء علاقات استيراد وتصدير بين أصفهان وموسكو وسانت بطرسبرغ، إلى جانب علاقات زراعية وصناعية شاملة.

حذر الإيرانيين من روسيا

ونشرت غرفة التجارة الإيرانية في تشرين الثاني/نوفمبر تحليلا دافعت فيه بشدة عن توسع العلاقات بين طهران وموسكو.

ولفتت إلى أنه رغم تشاؤم الإيرانيين الكبير بشأن العلاقات الإيرانية-الروسية، إلا أن "هذه العلاقات تصب في مصلحة إيران".

ولطالما كان الإيرانيون من أشد المنتقدين لروسيا ويحذرون من العلاقات بين الدولتين، وهو شعور يظهر اليوم على نطاق واسع وأكبر مع زيادة الروس استثماراتهم في إيران.

يذكر أن إيران وروسيا اللتين تعدان قوتين إمبرياليتين سابقتين تنافستا على مدى عقود للسيطرة على منطقة بحر قزوين، ارتبطتا بعلاقة دقيقة وحساسة للغاية طبعت بالتنافس والتعاون في آن معا.

وبات كسب روسيا كحليف مقرب أكثر إغراء بعد اليوم بالنسبة للقيادة الإيرانية، إذ تستطيع بذلك الاعتماد على موسكو لغض الطرف عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان ومخالفاتها الاقتصادية في الداخل وفي المنطقة.

وفي هذا السياق، قال سايروس وهو صحافي إيراني يركز على العلاقات الإيرانية-الروسية وطلب عدم ذكر اسمه كاملا، إن "معظم الإيرانيين العاديين يحتقرون روسيا ويتخوفون من توسع العلاقات بين الدولتين".

وأضاف للمشارق "يؤمن الكثير من الإيرانيين بشكل راسخ بأن موسكو لا تريد أو لن تسمح لطهران بتوسيع علاقاتها مع الغرب، وأنها تريد أن تبقى إيران معزولة وخاضعة لعقوبات وخارج الاتفاق النووي".

وقد أبعدت إيران نفسها عن الاتفاق النووي لعام 2015، والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.

والأسبوع الماضي، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي لأعضاء البرلمان الأوروبي إن إيران "جمعت ما يكفي من المواد النووية لصنع عدة أسلحة نووية، وليس سلاحا واحدا فقط".

وفي حديثه عن أنشطة إيران النووية الأخيرة وبينها تخصيب اليورانيوم إلى حدود تتخطى بكثير تلك التي حددها اتفاق 2015 لتقييد قدراتها النووية، ذكر غروسي أن مسار طهران "ليس بالتأكيد مسارا جيدا"، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.

فشل سياسة ’التوجه شرقا‘

هذا وتقربت إيران أكثر فأكثر من كل من الصين وروسيا في السنوات الأخيرة في ظل ازدياد عزلتها عن المجتمع الدولي، معتمدة سياسة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بـ"التوجه شرقا".

وفي آذار/مارس 2021، وقع مسؤولون إيرانيون وصينيون "اتفاق تعاون استراتيجي" لمدة 25 عاما أثار انتقادات داخلية حادة مع اتهام معارضي الاتفاق النظام بـ "بيع إيران".

ولكن تجاهل النظام الرأي العام ومضى قدما في الصفقة التي بلغت قيمتها 400 مليار دولار والتي جاءت ضمن خطة صينية شاملة لتمويل مشاريع البنية التحتية وزيادة نفوذ الصين العالمي، غير أن بيجين تراجعت مؤخرا عن تعهداتها.

وفي 29 كانون الثاني/يناير، قال نائب وزير الاقتصاد الإيراني علي فكري إن الصين "استثمرت 185 مليون دولار فقط في 25 مشروعا في إيران" بين آذار/مارس 2022 ونهاية كانون الثاني/يناير.

وكانت بيجين قد استثمرت في العامين السابقين 227 مليون دولار في إيران سنويا.

وأدت الأنباء الأخيرة بشأن اختراق الصين وزارة الخارجية الإيرانية وكيانات رسمية رئيسة أخرى إلى تآكل إضافي بالعلاقات بين الدولتين.

وفي الوقت نفسه، تفوقت روسيا على الصين كأكبر مستثمر في إيران، فيما تقربت الصين من خصم إيران اللدود أي السعودية ودول عربية أخرى.

وتعد الصين حاليا أكبر شريك تجاري للسعودية وأكبر مشتر لنفطها.

وارتفعت حركة التجارة بين روسيا وإيران العام الماضي بنسبة 15 في المائة لتصل إلى 4.6 مليار دولار، بحسب رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين.

وقال فولودين إن اتخاذ الخطوات لتوسيع نطاق التجارة أمر "مهم للغاية" وسط ضغوط العقوبات على الدولتين.

وأشاد أيضا باتفاقية التجارة الحرة التي تم توقيعها الشهر الماضي بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا، قائلا إنها ستساعد في توسيع أفق التجارة بين طهران وموسكو.

ومن جانبها، قالت تارانيه أستاذة التاريخ في إحدى جامعات طهران وقد طلبت عدم ذكر اسمها الكامل، إن "الصين وروسيا لطالما غدرتا بإيران على الرغم من الاتفاقات أو الوعود التي قطعتاها".

وأضافت للمشارق "حتى الآن، كانت سياسة خامنئي بالتوجه شرقا كارثية بل حتى خيانة للنظام، لا سيما بعد أن تراجع الصينيون عنها".