أثار انتشار خبر زيارة محتملة للرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية في آب/أغسطس، موجة من التكهنات الإعلامية.
وتساءل نقاد عما تريده الصين من المملكة، وعن تداعيات مثل هذه الزيارة على علاقة السعودية طويلة الأمد مع الغرب.
وتكثفت التكهنات يوم الجمعة، 28 تشرين الأول/أكتوبر، عندما بدا الأمير السعودي فيصل بن فرحان يؤكد الزيارة، مشيدا بـ"العلاقة التاريخية والثابتة" التي تربط المملكة ببيجين.
وفي بيان بثه التلفزيون السعودي عقب محادثات مع نظيره الصيني وانغ يي، أشار الأمير أيضا إلى أن السعودية "تضع اللمسات الأخيرة على الترتيبات" لعقد محادثات قمة بين الصين والدول العربية.
ومع تحول الشرق الأوسط إلى "مفترق طرق للتنافس" بين القوى العالمية، من شأن أي شراكة موسعة مع المملكة الصحراوية أن تساعد الصين على تأمين مساراتها التجارية وتوسيع رقعة نفوذها العسكري في المنطقة.
ولكن ما يعد أقل وضوحا، هو ما قد يحمله ذلك من مكاسب محتملة للشرق الأوسط والمملكة.
وقد بدأت الصين فعليا بإرساء موطئ قدم عسكري لها في الشرق الأوسط، إذ رسخت خلسة وجودا لها في الموانئ الإقليمية الاستراتيجية تحت غطاء مبادرة الحزام والطريق أو حزام واحد، طريق واحد وخدمة لهذه المبادرة بحسب ما هو ظاهر.
وفي حديث لصحيفة بوليتيكو، قال المدير الإداري لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى مايكل سينغ في آب/أغسطس الماضي، إن "جزءا من الاستراتيجية الصينية في المنطقة يتمثل بإظهار أن الصين هي الشريك الأجدر بالثقة والأفضل لدول الشرق الأوسط مقارنة بالولايات المتحدة".
وتابع "سنرى هذه الرسالة موجهة ليس فقط من السعوديين، بل أيضا من شركائنا الآخرين في المنطقة، ومفادها أن لديهم بدائل أخرى لأمور مثل شراء الأسلحة أو الاستثمار أو كل أنواع القضايا".
وأشار إلى أن هذا الأمر لا يعني "أنهم يتطلعون في الواقع إلى الابتعاد عن الولايات المتحدة"، بل يعني أنهم "يسعون للاستفادة من هذه العلاقة".
علاقة محفوفة بالمخاطر
وشهدت السنوات الأخيرة محاولات حثيثة من الصين للتودد إلى الشرق الأوسط. وذكرت صحيفة عرب نيوز أن الشرق الأوسط استقبل في عام 2021 زيارات من القادة الصينيين أكثر من أي منطقة أخرى في العالم.
واستضاف شي أيضا الرئيس المصري وأمير قطر وولي عهد أبوظبي خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيجين.
وتعد الصين راهنا أكبر شريك تجاري للمملكة وأكبر شار لنفطها.
وقال محللون إن الصين تفضل التحالف مع السعودية على شراكتها الحالية مع إيران.
ولكنهم ذكروا أنه بشكل عام، من الواضح أن السعودية تفضل الانحياز إلى الولايات المتحدة والغرب، مشيرين إلى أن تغيير هذا الواقع سيكون محفوفا بالمخاطر.
وعزوا ذلك للدور الأساسي الذي تلعبه الولايات المتحدة في حماية المنطقة عسكريا، وهو دور لم تثبت الصين أنها مستعدة له أو قادرة على أدائه.
كذلك، لم يكن لسوء معاملة الصين لسكانها المسلمين وقع جيد في المملكة، وهو ما أظهر اختلافا جذريا في القيم بين البلدين علما أن السعودية متخوفة أيضا من تحالف الصين مع إيران.
وتتجلى أجندة إيران التوسعية في الشرق الأوسط، مع تأكيد الحرس الثوري الإيراني ووكلائه على أهمية المصالح الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية في لبنان وسوريا واليمن والعراق.
وقال محللون إنه بالنظر إلى علاقات الصين مع إيران، من المستبعد أن تعرض المملكة تحالفها مع الولايات المتحدة والغرب للخطر.
أي جهة ستكسب؟
وفي هذا السياق، قال الأستاذ المحاضر في دراسات الشرق الأدنى بجامعة برينستون برنارد هيكل خلال فعاليات افتراضية استضافها معهد هدسون البحثي المحافظ في 19 آب/أغسطس، إن "للصينيين علاقات جيدة مع الإيرانيين والسعوديين".
وأضاف "أعتقد بشكل عام أنهم يفضلون أن يكونوا أقرب إلى السعوديين منه إلى الإيرانيين، ذلك أن السعوديين هم ببساطة أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية لأسباب عديدة ومتنوعة".
وتابع "يبدو صحيحا أن الصين تنظر إلى الشرق الأوسط على أنه مسرح محوري للتنافس مع الولايات المتحدة"، لافتا إلى أنه يمكن وصف انخراط الصين مع المنطقة بأنه انتهازي".
وأشار إلى الصين "تضع نصب عينيها القواعد العسكرية، محاولة الدخول إلى المجال العسكري في مختلف أنحاء الخليج"، لافتا في الوقت عينه إلى أنها تركز في هذا الجهد على مصالحها الخاصة.
ومتحدثا في الفعاليات نفسها، قال مدير مركز السلام والأمن في الشرق الأوسط مايكل دوران إنه لا يوجد مثال حتى الآن يظهر تقديم الصين دعما عسكريا ودبلوماسيا كبيرا لأي حليف.
وذكر "أعني أن الصين ليس لديها حتى أي حلفاء. فلم يتم اختبار هذا النموذج بعد بالنسبة للصين".
ومن جهته، أشار المواطن السعودي والخبير في معهد هدسون محمد اليحيى، إلى أن "الصينيين لم يبنوا في الواقع نظام تحالف مماثلا لنظام التحالف الأميركي".
وجاء في تقرير صدر عن بوليتيكو في 16 آب/أغسطس، أن مخاوف السعودية بشأن إيران "ستمنع الصين على المدى القريب من أن تأخذ موقع أميركا المتفوق باعتبارها القوة العظمى والحليفة المفضلة للمملكة".
و"كانت الولايات المتحدة وما تزال الشريك الأمني الأساسي للسعودية… إذ تبقى إيران بشكل حاسم أهم مصدر تهديد منفرد للسعودية ولدول أخرى غير السعودية وللخليج وشبه الجزيرة بأكملها"، حسبما ذكر مدير معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس ديفيد ساترفيلد.
وقال لبوليتيكو إن "الصين غير مهتمة بإيران. نقطة على السطر. وليست ولن تكون ’شريكا‘ بأي شكل جدي في صراع تحتاج فيه السعودية للحصول على دعم مباشر ومحدد من أطراف خارجية ضد إيران".
التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة
وأثناء إلقاء كلمته كمتحدث رئيس في معهد الشرق الأوسط عبر رابط فيديو في 3 شباط/فبراير، حذر الجنرال كينيث ماكنزي قائد القيادة المركزية الأميركية المنتهية ولايته، قائلا إن الصين تسعى إلى تحقيق توغل عسكري مع شركاء الولايات المتحدة في المنطقة.
وأوضح أنه في وقت تسعى فيه الصين للحلول مكان الولايات المتحدة كشريك مفضل في الشرق الأوسط، إلا أنها "لا ترغب في اعتناق عباءة الضامن لنظام عالمي حر ومنفتح، أي نظام يحترم كرامة الإنسان وسيادة القانون".
وشدد على أن "الولايات المتحدة التي تعمل يدا بيد مع حلفائنا وشركائنا الذي يتلاقون معنا فكريا، ليس لديها نية للتخلي عن هذه العباءة".
وفي التنافس على النفوذ الجيوسياسي والميزة الاقتصادية، تلعب المظاهر دورا ما، إذ أشار بعض المحللين إلى أن الصين كانت منذ بعض الوقت تنشر "تلميحات" بشأن زيارة شي المرتقبة إلى السعودية.
وقالوا إن ذلك يهدف إلى إبقاء العلاقة في دائرة الضوء ويخلق موجة من التكهنات ذات الصلة، ما يخلق تأثيرا مخادعا يجعل نفوذ الصين يبدو أكبر مما هو عليه.
وقال معهد السلام الأميركي في تقرير صدر في أيلول/سبتمبر، إن "شي نفسه حريص على الحصول على استقبال مميز يجعله يبدو وكأنه رجل دولة ويسلط الضوء على الاحترام الكبير الذي تحظى به الصين في جميع أنحاء العالم".
ومن جانبه، قال المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ لشبكة سي. أن. بي. سي. في منتصف آب/أغسطس ردا على أنباء زيارة شي المرتقبة للمملكة، إن زيارات دبلوماسية من قبل قوى عالمية أخرى هي أمر متوقع.
لكنه شدد على أن الرئيس الأميركي جو بايدن أكد بعد زيارة له إلى المنطقة في تموز/يوليو الماضي التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة.
وأضاف ليندركينغ أن "الرسالة الرئيسة التي قدمها الرئيس إلى المنطقة هي أن الولايات المتحدة باقية مكانها".