بعد مهاجمة أوكرانيا ، بدأت موسكو على الفور بالمطالبة بـ "حقوقها" في المباحثات الجارية في فيينا التي تهدف لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.
وبحسب ما ورد، أذهل طلب موسكو فريق التفاوض الإيراني وأظهر تماما أنها مستعدة لاستخدام إيران كورقة مساومة من أجل مصالحها الاقتصادية وخصوصا لجهة مواجهة وابل العقوبات الدولية المفروضة عليها، وفقا للمراقبين.
وحدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مطالب موسكو الجديدة في إعلان صدر يوم السبت، 5 آذار/مارس.
وجاء في البيان أنه قبل أن تدعم موسكو الاتفاق النووي الإيراني، تريد من الولايات المتحدة تطمينات خطية بأن العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب الحرب الأوكرانية لن تؤثر على تعاون روسيا الاقتصادي والعسكري مع طهران.
وذكرت إيران يوم الاثنين أنها تسعى للحصول على توضيحات من موسكو، إذ قال الناطق باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زادة إن إيران تنتظر معرفة "تفاصيل" هذا الطلب.
ومن المحتمل أن يؤدي مطلب روسيا بشأن الحصول على ضمانات أميركية إلى تأجيل التوصل لاتفاق في مباحثات لطهران مصلحة كبيرة فيها، إذ أن نجاحها قد يؤدي إلى إلغاء العقوبات المفروضة عليها.
وأوردت وكالة الصحافة الفرنسية أن وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكين، قال يوم الأحد إن هذا المطلب "لا صلة له بالموضوع"، مشددا على أن العقوبات المفروضة على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا "ليس لها أي علاقة بالاتفاق النووي الإيراني".
وفي السياق نفسه، قالت مساعدة وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، خلال جلسة استماع في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، إن "روسيا تحاول تصعيد الموقف وتوسيع مطالبها فيما يتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة".
وأضافت "لا نلعب هنا لعبة 'دعونا نعقد صفقة'"، في إشارة إلى برنامج المسابقات التلفزيوني الشهير الذي يعقد فيه أفراد مختارون من الجمهور صفقة مع مقدم البرنامج.
طهران مذهولة من موسكو
وقال مراقبون إن النظام الإيراني لطالما تمسك وبإصرار يلامس الحماقة بوجود روسيا على طاولة المفاوضات مع الغرب، مفترضا أن موسكو ستدعمه.
إلا أن الواقع أثبت مرارا وتكرارا أن موسكو مستعدة للتضحية بإيران في سبيل تحقيق مصالحها، ويشمل ذلك ما قامت به في سوريا حيث تغلبت تدريجيا على إيران وقلصت دورها مع سعيها لتعزيز نفوذها الاقتصادي والعسكري.
ومع سعيها لاستمالة روسيا والصين، تنازلت الجمهورية الإسلامية عن شعارها "لا شرقية لا غربية".
لكن موسكو أثبتت أنها صديق متقلب.
ففي مكالمة هاتفية يوم الاثنين مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، كرر لافروف أن روسيا تريد أن يكون إحياء الاتفاق النووي الإيراني مصحوبا بضمانات أميركية بأن العقوبات المفروضة ردا على غزو روسيا لأوكرانيا لن تُطبق على علاقات روسيا التجارية مع إيران أو استثماراتها معها.
وأذهل مطلب لافروف إيران وعطل المفاوضات النووية الجارية، فيما تشير التقارير إلى أن كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كاني، عاد إلى طهران بعد يوم واحد من وصوله إلى فيينا لاستئناف المباحثات.
ويبدو أن المفاوضات التي كان من المفترض أن تختتم في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، قد وصلت إلى طريق مسدود كنتيجة مباشرة لمطلب روسيا.
ويوم الثلاثاء، حذرت فرنسا من أن المزيد من التأخير قد يعرقل التوصل لاتفاق نووي جديد بين القوى العالمية وإيران، فيما أكدت واشنطن أنها لن تقدم أي تنازلات لموسكو.
معزولة ولا تحظى بالاحترام
ولفت مراقبون إلى أن إيران عزلت نفسها عن الغرب وتنازلت كثيرا لإرضاء روسيا والصين، وتجد اليوم نفسها مطعونة من قبل حلفائها المزعومين الذين تعتمد عليهم.
وذكر منتقدو الاتفاق الإيراني مع الصين الذي يمتد 25 عاما وما تزال تفاصيله غامضة، إن طهران تسلم البلد فعليا لبيجين على طبق.
ويشعر الكثيرون اليوم أن روسيا التي باعت لعقود أسلحتها المتهالكة لإيران بأسعار مرتفعة، تأخذ المباحثات النووية رهينة من أجل تحقيق مكاسب خاصة.
وفي هذه الأثناء، يعيش الشعب الإيراني في ظروف اقتصادية صعبة.
وبدأ الاستياء العميق من روسيا يتصاعد منذ كانون الثاني/يناير، حين أستقبل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بفتور في موسكو التي وصلها لمناقشة "تعاون طويل الأمد في إطار زمني مدته 20 عاما".
وبدا الفتور جليا مع تخلف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استقباله في المطار وعدم حضور لافروف لاستقبال نظيره الإيراني أيضا.
إلى هذا، تجاهلت موسكو تنظيم حفل استقبال رسمي للوفد الإيراني في الكرملين بحسب ما يقتضيه البروتوكول الدبلوماسي، في استعراض للقوة من قبل موسكو يؤكد مكانة إيران الضعيفة.