مجتمع

الخطر يحوم حول أطفال لبنان المحاصر بالأزمات

نهاد طوباليان

أطفال يلعبون داخل مقبرة في بيروت في صورة التقطت في أيلول/سبتمبر الجاري. يعيش الأطفال اللبنانيون تداعيات أزمات البلاد المتتالية بحسب تقرير صدر هذا العام عن اليونيسف. [زياد حاتم / المشارق]

أطفال يلعبون داخل مقبرة في بيروت في صورة التقطت في أيلول/سبتمبر الجاري. يعيش الأطفال اللبنانيون تداعيات أزمات البلاد المتتالية بحسب تقرير صدر هذا العام عن اليونيسف. [زياد حاتم / المشارق]

بيروت -- في الوقت الذي يواجه فيه لبنان أزمات متعددة، بدءا من الانهيار الاقتصادي ومرورا بانتشار جائحة كوفيد -19، وصولا إلى تبعات انفجار مرفأ بيروت عام 2020 وتدهور النظام الصحي، باتت حياة أطفال البلاد معرضة أكثر للخطر.

وكشفت اليونيسف في تقرير أصدرته هذا العام أن العائلات في لبنان تكافح من أجل التكيف مع تفشي الفقر واستمرار ارتفاع معدل التضخم، الذي تفاقم بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، مع ما أدت إليه من ارتفاع في الأسعار في جميع أنحاء العالم.

وبالفعل، فمنذ اندلاع الحرب، أدى ارتفاع أسعار الوقود عالميا، إلى جانب عدم قدرة لبنان على استيراد بعض المواد الخام،ومن بينها القمح، إلى ارتفاع جنوني في الأسعار.

وسط كل ذلك، أكد مراقبون أن نسبة عمالة الأطفال في لبنان وصلت إلى مستويات فاضحة، بحيث لا يخلو متجر أو محل أو فرن أو كاراج تصليح سيارات وصولا للقطاع الزراعي، من عمال أطفال لا تتجاوز أعمارهم 15 سنة.

شاب خارج مكتب صرافة في بيروت ينتظر حصوله على المال. [زياد حاتم/المشارق]

شاب خارج مكتب صرافة في بيروت ينتظر حصوله على المال. [زياد حاتم/المشارق]

صبي يجر حاوية نفايات في أحد شوارع بيروت، حيث قال مراقبون إن نسبة عمالة الأطفال ارتفعت إلى مستويات فاضحة. [زياد حاتم/المشارق]

صبي يجر حاوية نفايات في أحد شوارع بيروت، حيث قال مراقبون إن نسبة عمالة الأطفال ارتفعت إلى مستويات فاضحة. [زياد حاتم/المشارق]

صبي يطعم الحمام في أحد شوارع بيروت. أظهرت دراسة حديثة أجرتها اليونيسف أن 38 في المائة من العائلات في لبنان خفضت نفقاتها تعليم أولادها. [زياد حاتم/المشارق]

صبي يطعم الحمام في أحد شوارع بيروت. أظهرت دراسة حديثة أجرتها اليونيسف أن 38 في المائة من العائلات في لبنان خفضت نفقاتها تعليم أولادها. [زياد حاتم/المشارق]

بعض هؤلاء الأطفال كشفوا للمشارق أن ظروف عائلاتهم الاقتصادية دفعتهم للالتحاق بعمل يدر عليهم بعض المال، حتى ولو جاء ذلك على حساب إكمال تعليمهم.

المراهق شادي ملحم، قال "ظروف بيتنا الصعبة دفعتني للعمل بسوبر ماركت في مزرعة يشوع".

وأضاف ملحم للمشارق أن الأجر الذي يتلقاه أسبوعيا لا يتجاوز 300 ألف ليرة (أقل من 10 دولار)، "تساعد والدي على شراء ما نحتاجه من أساسيات الطعام".

وتابع "كنت أمام خيار من اثنين، إما ترك البيت دون العودة إليه بسبب التوتر الدائم، أو العمل للمساهمة بالمصروف والتخلي هذا العام عن الدراسة".

ارتفاع معدل التسرب من المدرسة

في السياق نفسه، أكدت رئيسة قسم حماية الأطفال في منظمة كفى عنف واستغلال، ماريا سمعان، أن الأطفال "حصدوا الحصة الأكبر من التأثر بالوضع الاقتصادي وبتداعيات انفجار المرفأ".

وكفى هي منظمة غير حكومية مقرها بيروت، تعمل على القضاء على جميع أشكال العنف والاستغلال القائم على النوع الاجتماعي.

وأردفت أن الحالة الراهنة "تزيد الضغط داخل البيوت والعنف على الأطفال جراء الضغوطات النفسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الأهل".

وأضافت للمشارق أن "الأزمة الاقتصادية المتمادية تحرم في الوقت عينه الأطفال من الكثير من الحقوق والخدمات".

وأوضحت انه بسبب الأزمة الاقتصادية "ازداد التسرب المدرسي وزواج القاصرات وعمالة الأطفال، لعجز الأهل عن تسجيل أطفالهم بالمدرسة".

وأشارت سمعان أنه لمواجهة الصعوبات المالية، دفعت بعض العائلات أبنائها للعمل ليساعدوا في تغطية نفقات المنزل، أو سمحت لبناتهم القاصرات بالزواج.

وأكدت أن هذه الممارسات جعلت الأطفال ضحية تداعيات الأزمات المتعددة التي يعاني منها لبنان، خصوصا "في ظل تقصير الدولة المزمن في حمايتهم" وتوفير الخدمات اللازمة لهم.

وقالت إنه في ظل غياب الدولة، أخذت الجمعيات على عاتقها مساعدة الأطفال.

لكن قدرات هذه الجمعيات محدودة ولا تؤهلها للقيام بذلك، حسبما تابعت، موضحة أن تداعيات الأزمات الداخلية المتراكمة والوضع الإقليمي العام انعكست سلبا عليها أيضا كما على الأطفال والعائلات.

اللبنانيون ’محتجزون رهينة‘

وفي حديثه للمشارق، أكد المدير التنفيذي لملتقى التأثير المدني، زياد الصائغ، أن الشعب اللبناني "يتعرض لعملية إفقار ممنهجة وتفتيت مجتمعي".

وأضاف أن المسألة "تتخطى الأزمة الاقتصادية المالية-الاجتماعية لتصل إلى تغيير هوية المجتمع اللبناني"، معتبرا أن البلاد "تتعرض لجريمة منظمة من خلال الفساد".

وألمح إلى دور وكلاء إيران في موت لبنان، مشيرا إلى أن الميليشيات المتحالفة معها "مرتبطة بخيارات إقليمية لا علاقة لها بالأمن القومي اللبناني ولا بمصلحة لبنان العليا ولا بقيم ومصالح اللبنانيين المشتركة".

وبهذا المعنى، أضاف الصائغ، "قد يقرأ البعض أن الأزمة اللبنانية مرتبطة بالأزمة الإقليمية"، وهي كذلك من باب أن اللبنانيين رهينة أجندة إيران التوسعية في المنطقة.

وأشار إلى ما قاله المقرر الخاص للأمم المتحدة في تقرير حديث له إنه مع سقوط 80 في المائة من اللبنانيين في براثن الفقر وعيش أكثر من 60 في المائة منهم فعليا تحت خط الفقر، يواجه الأطفال عواقب وخيمة.

وفي مقدمة هذه العواقب عدم توفر الأمن الغذائي والطبابة، وذلك على الرغم من تدخل الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني المحلية والإقليمية والدوليةومساندة بعض الدول كالولايات المتحدة .

وسيتبع ذلك، وفق الصائغ، تسرب مدرسي كبير لعدم قدرة الأهل على توفير تكاليف دخول أولادهم إلى المدارس، وتعثر الشباب عن متابعة دراستهم الجامعية.

استراتيجية الحماية الاجتماعية

وسط كل ذلك، أوضحت رئيسة قسم السياسة الاجتماعية في منظمة اليونيسف-مكتب لبنان، سارة هاغ، أن اليونيسف تعمل على مشاريع عديدة للاستجابة للأزمات المتعددة التي يعاني منها لبنان.

ومن هذه المشاريع "مساعدة الحكومة على إطلاق أول استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية بالاشتراك مع منظمة العمل الدولية، لتوفير ’أرضية حماية اجتماعية‘ شاملة'"، حسبما ذكرت للمشارق.

تجمع هذه الاستراتيجية بين "دعم دخل الأسر التي تعاني من فقر مدقع، وتقديم منح اجتماعية تعالج مواطن الضعف لدى الأطفال وذوي الإعاقة وكبار السن".

ومن المشاريع التي تعمل عليها اليونيسف، وفق ما تابعت، "الوصول إلى أكثر من 80 ألف طفل ضعيف لدعمهم في الحصول على التعلم والحماية وخدمات المياه والصرف الصحي".

يضاف إلى ذلك دعم وزارة التربية اللبنانية "لمساعدة الأطفال على الوصول إلى التعليم الرسمي، وتوفير فرص التعلم للأطفال خارج المدرسة".

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500