بيروت - أصبح الأطفال اللبنانيون والأطفال اللاجئون السوريون الذين أجبروا على ترك المدرسة والعمل لإعالة أسرهم وسط الأزمة الاقتصادية، مشهدا مألوفا في شوارع ومتاجر العاصمة وفي مختلف أنحاء البلاد.
ويظهر الأطفال وهم يعملون كباعة متجولين وفي أكشاك الخضار ومحلات الميني ماركت والمخابز وورش النجارة ومحلات تصليح السيارات.
وفي ورشة لتصليح السيارات في منطقة الدورة شرقي بيروت، يعمل العديد من الأطفال اللبنانيين.
وإن أكبرهم المدعو مارون عساف، يبلغ بالكاد سن المراهقة.
وقال مارون، 13 عاما، للمشارق "كنا عائلة ميسورة الحال. وكنا أنا وأختي وأخي نرتاد مدرسة خاصة".
ولكن في العام الماضي، "أجبرني تراجع دخل والدي على ترك المدرسة لمساعدته على دفع مصاريف المنزل، واضطر أبي إلى نقل أخي وأختي إلى مدرسة رسمية"، على حد قوله.
ويعمل والد مارون، يوسف عقيقي، في ورشة نجارة.
وأوضح للمشارق أن أجره ينخفض كل أسبوع وبات يصعب عليه تكبد كلفة شراء الخبز.
وقال "كنت أخطط لمستقبل مشرق لأولادي".
وأضاف "كنت أحلم بحصولهم على شهادات جامعية تضمن لهم مستقبلا مزدهرا. لكنني فقدت اليوم كل مدخراتي وراتبي لا يكفي، واضطررت إلى إرسال مارون للعمل لمساعدتي في هذه الأيام السوداء".
حياة الأطفال في لبنان
وفي تقرير نشر في 20 حزيران/يونيو، أشارت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إلى أن عمالة الأطفال هي نتيجة تداعيات الأزمة الاقتصادية المستمرة.
وجاء في التقرير الذي يستند إلى تقييم أجري في نيسان/أبريل وشمل 2090 أسرة لديها طفل واحد على الأقل، أن العائلات بالكاد قادرة على تلبية احتياجاتها الأساسية على الرغم اقتصارها على النفقات الأساسية.
وأشار التقرير إلى أن 9 من أصل 10 أسر تقريبا لا تملك ما يكفي من المال لشراء الضروريات ما يجبرها على اللجوء إلى تدابير يائسة لمواجهة الواقع، وقد أوقفت نسبة 15 في المائة من الأسر تعليم أطفالها وهو ما يساوي ارتفاعا مقارنة بـ 10 في المائة العام الماضي.
وبحسب التقييم، خفض 52 في المائة من الأسر اللبنانية إنفاقهم على التعليم، في حين خفض 3 أرباع العدد (75 في المائة) الإنفاق على العلاج الصحي.
وكشف أن عائلتين من بين كل 5 عائلات في مختلف أنحاء البلاد أجبرتا على بيع ممتلكاتهما، مقارنة بعائلة واحدة من كل 5 عائلات خلال العام الماضي.
وأشار التقرير إلى أن أكثر من عائلة واحدة من بين كل 10 أسر لبنانية تظطر اليوم إلى إرسال أطفالها وبعضهم لا تتجاوز أعمارهم الـ 6 سنوات للعمل كوسيلة لمواجهة الواقع، بينما ترسل أكثر من واحدة من بين كل 4 عائلات سورية لاجئة أطفالها إلى العمل.
ويقر العديد من الأهل بأن الوضع اليائس يجعلهم يعانون من ضغوط مستمرة تخلق لديهم مشاعر غضب تجاه أطفالهم، كما جاء في التقرير. ونتيجة لذلك، يشعرون في كثير من الأحيان أنهم يريدون الصراخ في وجه أطفالهم أو ضربهم.
وقالت اللاجئة السورية هنادي محمد الشامي إن الأزمة الاقتصادية الخانقة أجبرتها على إخراج نجليها المراهقين وعمرهما 14 و15 عاما وابنتها البالغة من العمر 9 سنوات من المدرسة الرسمية في النبعة.
وأضافت للمشارق أن زوجها لم يكن يكسب ما يكفي من المال لإعالة أسرته من وظيفته في غسل السجاد، ولا تتلقى الأسرة أي مساعدة أخرى.
وتابعت "ابني عبد القادر يعمل في محل لبيع الإطارات وابنتي آلاء تبيع المناديل الورقية وزجاجات المياه للسيارات العابرة بينما يبحث ابني محمد عن عمل".
تأثير الأزمة الاقتصادية
وقالت منظمة يونيسف بلبنان للمشارق إنها وسعت نطاق برنامج الاستجابة الخاص بها من أجل دعم الأسر الأكثر تضررا من الأزمة.
وأضافت أن البرنامج يشمل راهنا من بين إجراءات أخرى، "الرعاية الصحية الطبية والنفسية والأولية وخدمات المياه ودعم التعليم".
ودعت وكالة الأمم المتحدة الحكومة اللبنانية إلى "الاستثمار في التعليم من خلال الإصلاحات والسياسات الوطنية لضمان حصول جميع الأطفال وخاصة الأطفال الأكثر ضعفا، على تعليم شامل وجيد".
وبالتعاون مع منظمة العمل الدولية، ساعدت اليونيسف في تطوير الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية في لبنان "للاستجابة للأزمات متعددة الطبقات التي تواجهها البلاد وتوجيه الإصلاحات المستقبلية".
يُذكر أن كثيرون في لبنان يحمّلون حزب الله مسؤولية إدخال البلاد في الأزمة التي هي فيها، مشيرين إلى أن تورطه مع النظام الإيراني تسبب في مشاكل لا تعد ولا تحصى.
وقالت الطبيبة النفسانية بهاء يحيى للمشارق إن الأزمة الاقتصادية "غيرت العادات والتقاليد الأسرية، ما أدى إلى تدهور أوضاع بعض العائلات".
وأضافت "لقد كان تأثير الأزمة هائلا في جميع المجالات، لا سيما في مجال تعليم الأطفال".
وتابعت أن "العائلات التي كانت تستثمر في مستقبل أبنائها من خلال تسجيلهم في المدارس الخاصة لم تعد قادرة حتى على تحمل تكاليف المدارس الرسمية. وأجبر الكثير منهم على العمل لإعالة أسرهم".
وأكدت أن "هذه الأزمة سرقت الطفولة من أطفالنا".