بيروت - أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تفاقم المشاكل الغذائية في أجزاء من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ما أفسد الاستعدادات لشهر رمضان المبارك وأجبر الكثيرين على الاكتفاء بوجبة إفطار متقشفة.
وفي دول مثل لبنان ومصر واليمن، يكافح المسلمون الذين عادة ما يكسرون صيامهم الممتد من الفجر حتى الغسق بوجبات عائلية سخية لتأمين حتى أبسط المواد الغذائية في ظل الارتفاع الشديد لأسعار المواد الغذائية والوقود.
وتعتبر روسيا وأوكرانيا اللتان تتمتعان بمناطق شاسعة لزراعة الحبوب، جهتين مصدّرتين بارزتين في العالم للسلع الرئيسية مثل القمح والزيت النباتي والذرة.
وأثار الاضطراب في تدفق الصادرات الناتج عن الغزو الروسي والعقوبات الدولية مخاوف من حدوث أزمة جوع عالمية، خاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا حيث بدأت تظهر التداعيات غير المباشرة.
وتتجلى الخسائر بشكل أكبر في بلدان مثل اليمن الذي يعتبر أفقر دول العالم العربي، وحيث تسببت الحرب المدمرة التي اندلعت بسبب انقلاب نفذه الحوثيون المدعومون من إيران عام 2014 بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
ومنذ العام الماضي، تضاعفت أسعار المواد الغذائية هناك وتزايدت المخاوف من تفاقم المجاعة، لا سيما أن أوكرانيا تزود اليمن بنحو ثلث وارداتها من القمح.
وقال أحد سكان صنعاء محسن صالح، إن الأسعار ترتفع كل عام قبيل حلول شهر رمضان "لكنها هذا العام حلقت بشكل جنوني".
وأضاف "لا يستطيع الناس تحمل هذا الأمر، فالوضع الاقتصادي صعب للغاية ومعظم الناس في اليمن باتوا فقراء ومنهكين".
وجبات إفطار متقشفة
وفي سوريا حيث أدى الصراع الدائر منذ عام 2011 إلى إغراق ما يقارب 60 في المائة من السكان في حالة انعدام للأمن الغذائي، أصبح رمضان بالنسبة للكثيرين مناسبة مؤلمة تذكرهم بأيام سعيدة خلت.
وتضاعف سعر زيت الطهي منذ بداية حرب أوكرانيا وبات يباع بكميات محدودة.
كذلك، يقوم النظام السوري الذي لم يسلم من مكانته كحليف قوي لموسكو، بتقنين القمح والسكر والأرز.
وقالت بسمة شعباني وهي من سكان دمشق، "اعتقدت أن شهر رمضان الماضي سيكون الأكثر تقشفا"، مستعرضة عاما شابته أيضا جائحة فيروس كورونا.
وتابعت "لكن يبدو أننا سنضطر هذا العام إلى التخلي عن المزيد من الأطباق على مائدتنا".
وأضافت "لا يمكننا بعد الآن شراء مكونات أكثر من نوع واحد من الأطباق على مائدتنا، وأنا قلقة من أن يصبح مستقبلا حتى هذا الطبق بعيدا عن متناولنا."
وفي لبنان أيضا، بدأت شبكات الجمعيات الخيرية المحلية تتفكك مع زيادة الأزمة في أوكرانيا الضغط على السكان المتضررين أصلا من أزمة اقتصادية غير مسبوقة بدأت عام 2019، إضافة إلى تدفق هائل للاجئين السوريين الفارين من الحرب.
وقال مدير جمعية كير إنترناشونال في لبنان بوجار خوجة، إن "التضامن القوي الذي غالبا ما يتظهر في أشهر مثل رمضان، سيواجه هذا العام تحديات كبيرة".
وأضاف أن "التضخم المفرط وارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق المحلية، يجعلان شهر رمضان الذي طال انتظاره تحديا للعديد من اللبنانيين".
وأشار إلى أن الكثيرين "سيعانون من أجل تأمين وجبات الإفطار على المائدة".
وثمة مخاوف من حصول أزمة خبز وشيكة في لبنان، حيث يتم استيراد نحو 60 في المائة من القمح والحبوب والزيوت النباتية من أوكرانيا.
وأعرب وزير الاقتصاد والتجارة اللبنانية أمين سلام عن قلقه من احتمال ارتفاع سعر طن القمح بنسبة 30 إلى 40 في المائة، ما قد يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الطن من 360 و400 دولار إلى نحو 500 دولار.
’كل شيء بات أغلى‘
وفي مصر التي تعد مستوردا رئيسيا للقمح من دول الاتحاد السوفياتي السابق، يدأ المسلمون يقتصدون في إنفاقهم قبيل حلول شهر رمضان.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أوعز في آذار/مارس بوضع حد أقصى لسعر الخبز غير المدعوم، بعد أن تسبب الغزو الروسي بارتفاع في السعر بنسبة 50 في المائة.
وفي الشهر نفسه، فقدت العملة المحلية 17 في المائة من قيمتها.
وقالت البائعة المتجولة في غرب القاهرة أم بدرية، "إذا كان أحدهم يشتري سابقا 3 كيلوغرامات من الخضار، فهو اليوم يشتري كيلو واحد فقط".
وحتى في السعودية الغنية بالنفط، يشعر الناس بالأزمة.
فأشار الموظف في القطاع الخاص أحمد الأسد إلى أن "كل شيء بات أغلى... في كل مرة أدفع فيها نحو 20 إلى 30 ريال سعودي (5-8 دولارات) إضافية للمنتجات نفسها".
ولكن وسط هذه المشهدية، ظهرت قطر كاستثناء مع خفض الحكومة أسعار المواد الغذائية قبيل رمضان في بادرة رمزية.
وأعلنت وزارة التجارة والصناعة القطرية أنه "تم تخفيض أسعار أكثر من 800 سلعة بالتنسيق مع الأسواق الرئيسية في قطر ابتداء من يوم الأربعاء، 23 آذار/مارس وحتى شهر رمضان المبارك".