إحتجاجات

تداعيات قرارات الحرس الثوري الإيراني تؤجج غضب الإيرانيين من النظام

أرديشير كوردستاني

امرأة إيرانية تمر من أمام متجر للتوابل في جنوب طهران يوم 16 أيار/مايو. يعيش نحو نصف الإيرانيين حاليا في "فقر مدقع". [عطا كيناري/وكالة الصحافة الفرنسية]

امرأة إيرانية تمر من أمام متجر للتوابل في جنوب طهران يوم 16 أيار/مايو. يعيش نحو نصف الإيرانيين حاليا في "فقر مدقع". [عطا كيناري/وكالة الصحافة الفرنسية]

يواجه النظام الإيراني موجة متصاعدة من الغضب الشعبي بسبب تداعيات أفعال الحرس الثوري الإيراني وقراراته.

وترتبط الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعاني منها إيران وعزلة البلاد الدولية المتنامية مباشرة بدعم الحرس الثوري للميليشيات الوكيلة في الخارج، إضافة إلى إعطاء الأولوية لتصدير "الثورة" على حساب رفاهية المواطنين الإيرانيين.

وقد أدت الانتهاكات المتواصلة التي ارتكبها النظام للاتفاق النووي الدولي ، مضافا إليها أجندة الحرس الثوري التوسعية، أدت إلى فرض سلسلة من العقوبات القاسية يدفع ثمنها المدنيون الإيرانيون غاليا.

حيث يعاني ما يقارب من نصف الإيرانيين "فقرا مدقعا"، وهي حال يغرق فيها من يعادل دخله الشهري نحو 266 دولارا، وفقا لأرقام تقارير عدة نشرتها منظمات إيرانية رسمية وخاصة.

بحسب البيانات من تقارير مختلفة، بالكاد يستطيع الإيرانيون العاديون شراء 25 غراما من اللحوم الحمراء شهريا، علما أن هذه الأخيرة تعتبر عنصرا أساسيا وتقليديا على الموائد الإيرانية. [تسنيم نيوز]

بحسب البيانات من تقارير مختلفة، بالكاد يستطيع الإيرانيون العاديون شراء 25 غراما من اللحوم الحمراء شهريا، علما أن هذه الأخيرة تعتبر عنصرا أساسيا وتقليديا على الموائد الإيرانية. [تسنيم نيوز]

ووسط ارتفاع معدلات التضخم التي تجاوزت 30 في المائة سنويا بين عامي 2018 و2020، أصبحت التكلفة اليومية لإطعام أسرة مكونة من أربعة أفراد تتراوح بين 3.60 و6.60 دولار، وهذا فقط إذا امتنعوا عن تناول جميع المواد الغذائية باستثناء المواد الأساسية كالجبن والخبز .

وحتى الخبز شهد خلال الفترة الماضية ارتفاعا حادا في أسعاره وصل إلى 50 في المائة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الزيت والسكر.

وانخفض استهلاك اللحوم 60 ضعفا خلال العقدين الماضيين، كما انخفض خلال الفترة نفسها استهلاك الأرز، الذي يعد مكونا أساسيا في النظام الغذائي الإيراني، بأكثر من 30 ضعفا.

واستنادا إلى آخر بيانات وسائل الإعلام المحلية، بات الإيرانيون العاديون بالكاد يستطيعون شراء 25 غراما من اللحوم الحمراء شهريا، علما أن هذه الأخيرة تعتبر أيضا عنصرا أساسيا على الموائد الإيرانية.

أولويات في غير محلها

وبدلا من دعم الاقتصاد الإيراني المتعثر، اختار النظام إنفاق موارده الشحيحة على الحرس الثوري ووكلائه الإقليميين، ومنهم حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية والحوثيون (أنصار الله) في اليمن.

وقد قدّمتسجيل صوتي لمقابلة مثيرة للجدل مع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف سُرب مؤخراقدّم دليلًا إضافيًا على تخبط النظام في ترتيب أولوياته.

ففي المقابلة التي أجريت مع ظريف والتي تم تسريب مضمونها ونشره على نطاق واسع في 25 نيسان/أبريل، اعترف وزير الخارجية بدور الحرس الثوري الإيراني الهائل، ولا سيما فيلق القدس، في توجيه السياسة الخارجية الإيرانية.

وأكد ظريف مرارا في المقابلة أن أولوية الجمهورية الإسلامية هي لتواجدها الإقليمي وسياساتها التوسعية وليس للدبلوماسية.

وقال إن هذه السياسات التي وضعها وقررها قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الراحل قاسم سليمانيكانت تأتي دائما على حساب الدبلوماسية خلال ولاية سليماني.

وأكد أن سليماني لم يتنازل قط ليعطي فرصة للدبلوماسية، حتى لو كانت مواقف الحرس الثوري تضر بالسياسة الخارجية الإيرانية "بنسبة 200 في المائة".

وقد كان ثمن دعم الحرس الثوري للجماعات المسلحة باهظا.

فتقديرات الإنفاق العسكري والاقتصادي الإيراني في سوريا تتراوح بين 30 مليار و105 مليارات دولار في السنوات السبع الأولى من الحرب، وفقًا لتقرير أصدره المجلس الأطلسي في شباط/فبراير 2020.

ووفقا لتقديرات الحكومة الأميركية، أنفقت إيران في العقد الماضي ما يصل إلى 16 مليار دولار سنويا على وكلائها، أي ما يقارب 4 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي.

وقال الصحافي الإيراني المقيم في الولايات المتحدة شاهين محمدي، إن هذا الرقم قد لا يبدو كبيرا لبلد يتجاوز إجمالي الناتج المحلي السنوي فيه 400 مليار دولار، لكن كان من الممكن لهذه الأموال أن تحسن من ظروف حياة الإيرانيين.

وأشار إلى أن برامج التعليم والرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية في إيران، تعاني جميعها من نقص التمويل.

تأجج الاحتجاجات

هذا وقد أثار عدم الاستقرار الاقتصادي وعزلة إيران السياسية ضمن المنطقة والمجتمع الدولي الأوسع، احتجاجات واسعة النطاق.

ففي الأول من أيار/مايو، الذي يصادف عيد العمال العالمي، خرج إلى الشوارع موظفون حكوميون متقاعدون في 20 مدينة إيرانية كبرى احتجاجا على فشل الحكومة في رفع معاشاتهم التقاعدية لمواكبة ارتفاع معدلات التضخم.

وخلال الاحتجاجات المتواصلة منذ مطلع كانون الثاني/يناير الماضي، ردد المتظاهرون شعارات مناهضة للنظام متهمين إياه بالكذب والخداع.

وفي كانون الثاني/يناير 2020، وبعد أن أسقط الحرس الثوري الإيراني بطريق الخطأ طائرة ركاب أوكرانية، مزق متظاهرون إيرانيون صور خامنئي وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وهم يطلقون هتافات ضد الحرس الثوري.

وفي أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2019 وإثر رفع الحكومة فجأة أسعار الوقود بشكل كبير، خرج عشرات الآلاف من الإيرانيين إلى الشوارع احتجاجا على هذه الخطوة.

ورد الحرس الثوري الإيراني وقوة مقاومة الباسيج شبه العسكرية والتابعة له والمخولة بحفظ الأمن الداخلي، بحملة قمع على مستوى البلاد قُتل خلالها نحو 1500 متظاهر واعتقل الآلاف.

ووصف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الاحتجاجات بأنها "ضخمة وواسعة وخطيرة" وأمر الباسيج بتشكيل "لجان" تنتشر في الأحياء في جميع أنحاء إيران لقمع أية احتجاجات مستقبلية.

وأظهرت تحليلات الاحتجاجات أن المتظاهرين الإيرانيين ينتمون إلى كل طبقات المجتمع، لكن غالبيتهم كانوا من ذوي الدخل المنخفض.

وكان مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني قد حذر من تجاهل ما أسماه احتياجات المستحقين من "المستضعفين والفقراء".

وقال إن الجمهورية الإسلامية قامت على أساس تحسين ظروف الناس المعيشية وليس فقط "الاهتمام بما سيؤول إليه مصيرهم في الآخرة".

لكن بعد احتجاجات 2019، قال خامنئي إن هدف الجمهورية الإسلامية ليس تحسين ظروف الفقراء بل خدمة أولئك الذين "يرثون الأرض"، في إشارة غير مباشرة إلى مؤيدي النظام الإيراني.

ومع محاولة خامنئي تجاهل محنة شعبه، يئن الإيرانيون تحت وطأة عبء اقتصاد منهارلا يخدم إلا احتياجات أو رغبات النخبة والمحسوبين.

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500