يتصاعد السخط الداخلي في إيران في ظل ما يعانيه الاقتصاد وحياة المواطنين العاديين من سوء إدارة زعماء النظام وأولوياتهم التي هي في غير محلها.
وتغذي هذا السخط أدلة متزايدة تشير إلى أن أن كبار الزعماء بمن فيهم المرشد الأعلى علي خامنئي وحلفائه في الحرس الثوري الإيراني، قد أعطوا الأولوية للأجندة التوسعية للنظام في الخارج على حساب الرفاه الاقتصادي للمواطنين.
وقد تركت سنوات من التدخل الإقليمي والسياسات التوسعية التي تنتهجها إيران، البلاد في حالة عزلة متزايدة على الساحة الدولية وفي وضع اقتصادي على حافة الانهيار.
هذا وانخفضت صادرات النفط بصورة كبيرة منذ العام 2017 في ظل العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها. وفي العام 2019-2020 بحسب التقويم الإيراني، انخفضت صادرات النفط بنسبة 37 بالمائة لتصل إلى أقل من 300 ألف برميل يوميا.
إضافة إلى ذلك، تقلص الناتج المحلي الإجمالي الإيراني بنحو 17 بالمائة، كما فقدت العملة أكثر من 80 بالمائة من قيمتها مقارنة بعام 2017.
وتشير الأدلة إلى أن نصف الشعب الإيراني يعيش تحت خط الفقر. ومع أن البيانات المتوفرة للعامة تظهر أن معدل البطالة العام في إيران يبلغ نحو 12 بالمائة، إلا أن الرقم الحقيقي أعلى بكثير، حيث أن بعض المراقبين يقولون إنه يصل إلى 50 بالمائة.
كذلك، تراجع الإنتاج المحلي من مختلف السلع بصورة حادة. ووسط ندرة مبيدات الحشرات وغيرها من اللوازم الزراعية، يواجه المزارعون الإيرانيون قلة في المحاصيل، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الإنتاج الزراعي.
ولكن بدلا من دعم اقتصاد إيران المتعثر، اختار النظام أن ينفق موارده المتضائلة على الحرس الثوري وأذرعه في المنطقة، بما في ذلك حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية والحوثيين (أنصار الله) في اليمن.
ويقدم تسجيل صوتي سرب مؤخرا لمقابلة مثيرة للجدل مع وزير الخارجية الإيرانية جواد ظريف دليلا إضافيا على أولويات النظام.
ففي المقابلة مع ظريف التي سربت ونشرت على نطاق واسع في 25 نيسان/أبريل، أقر وزير الخارجية بالدور الكبير للحرس الثوري ولا سيما فيلق القدس التابع له، في سياسة إيران الخارجية.
وتعطي الجمهورية الإسلامية الأولوية لحضورها الإقليمي وسياساتها التوسعية على حساب الدبلوماسية، بحسب ما أكد ظريف مرارا وتكرارا أثناء المقابلة.
وأضاف ظريف أن هذه السياسات التي خطط لها وقررها القائد الراحل لفيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، كانت تأتي دائما على حساب الدبلوماسية خلال فترة حكم سليماني.
وأوضح أن سليماني لم يكن يتنازل من أجل الدبلوماسية، حتى في الحالات التي كانت فيها مواقف الحرس الثوري مضرة بسياسة إيران الخارجية "بنسبة 200 بالمائة".
وثمة أدلة كثيرة على دعم إيران المتواصل للجماعات المسلحة في مختلف أنحاء المنطقة.
وعلى سبيل المثال، اعترضت الولايات المتحدة شحنات عديدة من الأسلحة وهي في طريقها إلى الحوثيين من إيران، آخرها كان يومي 6-7 أيار/مايو حين صادرت البحرية الأميركية شحنة ضخمة من الأسلحة الروسية والصينية غير القانونية من مركب شراعي مجهول في شمال بحر العرب.
ثمن باهظ
هذا ويأتي دعم الحرس الثوري الإيراني للجماعات المسلحة بثمن باهظ.
وتراوحت تقديرات النفقات العسكرية والاقتصادية الإيرانية في سوريا بين 30 مليار و105 مليار دولار في السنوات السبعة الأولى من الحرب، وفق تقرير للمجلس الأطلسي نشر في شباط/فبراير 2020.
وتقدّر الحكومة الأميركية أن إيران قد أنفقت ما يصل إلى 16 مليار دولار أميركي على أذرعها في العقد الأخير، أي نحو 4 بالمائة من إجمالي ناتجها المحلي.
وفي هذا السياق، قال الصحافي شاهين محمدي المقيم في الولايات المتحدة إن هذا قد لا يبدو مبلغا كبيرا من المال بالنسبة لبلد يتجاوز إجمالي ناتجه المحلي السنوي 400 مليار دولار، لكن كان يمكن لهذا المال أن يحسّن حياة الإيرانيين.
وأشار إلى أن برامج التعليم والرعاية الصحية والرفاه في إيران كلها تعاني من نقص في التمويل.
وقد غذى إهمال النظام للاحتياجات المحلية وإنفاقه المتهور في الخارج احتجاجات شعبية في السنوات الأخيرة.
ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2019 وبعدما رفع النظام بصورة كبيرة أسعار المحروقات، خرج مئات الآلاف من الإيرانيين إلى الشوارع للاحتجاج.
ووصف خامنئي الاحتجاجات بأنها "خطيرة وواسعة النطاق"، وأمر الحرس الثوري وقوة الباسيج المقاوِمة التابعة له بقمعها.
ويقدر عدد من فقد حياته من المحتجين بنحو 1500 شخص.
وفي كانون الثاني/يناير، خرج المحتجون إلى الشوارع مرة أخرى، حيث دانوا خامنئي والحرس الثوري، بعدما أسقط هذا الأخير عن طريق الخطأ طائرة ركاب أثناء إقلاعها من مطار طهران الدولي، ما أسفر عن مقتل كل من كان على متنها من ركاب وأفراد طاقم، وعددهم 176.
وفي الأشهر الأخيرة، تظاهر عمال وموظفون حكوميون متقاعدون ومواطنون خسروا معظم مدخراتهم بعدما شجعتهم الحكومة بصورة متكررة على الاستثمار في البورصة.
واستنكر موظفو الخدمة المدنية المتقاعدون امتناع الحكومة عن زيادة معاشاتهم التقاعدية في ظل التضخم الهائل.
وفي ظل السخط الداخلي المتصاعد وعزلة إيران المتزايدة في الخارج، يروج خامنئي والرئيس حسن روحاني وغيرهما من كبار الشخصيات لما وصفوه بـ "مقاومة" الشعب الإيراني للضغوط الأميركية.
ولكن في واقع الأمر، يشعر المواطنون الإيرانيون بعواقب حملة الجمهورية الإسلامية التوسعية المتواصلة في منطقة الشرق الأوسط.
ʼأسوأ بكثيرʻ
وقالت فاطمة بيجي وهي معلمة متقاعدة تعيش في شمالي غربي إيران، إن "الأمور أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل 10 سنوات".
وأضافت أن "هؤلاء الأشخاص [أي مسؤولي النظام] قد دمروا إيران ويريدون الآن القيام بالأمر نفسه في البلدان الأخرى بالمنطقة".
وتابعت بيجي أنها أحيانا تنظر إلى المستقبل وتتخيل إيران بعد سقوط النظام بمزيج من القلق والأمل.
وأوضحت "أحيانا أفكر أنه بعد سقوط هذا النظام، سيكون على الإيرانيين على مدى أجيال إعادة بناء ما دمره النظام"، مضيفة أن المسؤولين الإيرانيين "يمزقون نسيج المجتمع".
وقال الصحافي محمدي إن تصرفات إيران في المنطقة "مهزلة".
وأوضح أن العقوبات التي تستهدف المسؤولين دون الإضرار بالشعب الإيراني ستجعل زعماء إيران بلا خيار غير العودة إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين وغيرهم من القوى العالمية.
وأشار محمدي إلى أنه سيتوجب على النظام الإيراني أن يغير سلوكه "في سبيل البقاء"، مبينا أنه إذا استمر في تجاهل طلبات شعبه، فسيكون معرضا لخطر الانهيار.