قال خبراء متخصصون في الشأن الإيراني إن تدخل طهران في سوريا كلّف إيران مليارات الدولارات التي لن يكون على الأرجح من الممكن تعويضها.
فتقوم إيران بإقراض المال وتوفير المساعدات لنظام الرئيس السوري بشار الأسد منذ اندلاع الحرب في العام 2011.
وقد شمل ذلك خطا ائتمانيا وصل إلى 7.6 مليارات دولار وشحنات نفط بقيمة 10.3 مليار دولار (بين الفترة الممتدة بين 2013 و2018 وحدها) وأشكال أخرى من الدعم المادي، حسبما جاء في تقرير أعده المجلس الأطلسي ونشر في شباط/فبراير 2020.
وذكر التقرير أن الدعم الإيراني استخدم في دفع رواتب عناصر الميليشيات التابعة لإيران وتقديم المساعدات لنظام الأسد.
وبحسب التقرير، تتراوح التقديرات الخاصة بالإنفاق العسكري والاقتصادي الفعلي لإيران في سوريا بين 30 و105 مليارات دولار في السنوات السبعة الأولى من الحرب وحدها.
وفي هذا السياق، قال المحامي السوري بشير البسام للمشارق "من غير الممكن معرفة الرقم الدقيق للأموال التي أنفقتها إيران في سوريا منذ العام 2012 ولغاية الآن، لكن هي بالطبع أكثر من الرقم المتداول حاليا في الإعلام وبعض التقارير، أي 30 مليار دولار أميركي".
وأضاف أن المبلغ الأكبر سببه تداخل في المساعدات التي تضمنت دعما مباشرا وخطا ائتمانيا.
وتابع أن المبلغ الأصغر الذي تمت الإشارة إليه في الإعلام لا يأخذ في الاعتبار دعم إيران للميليشيات في العراق ولبنان التي "لعبت دورا بارزا في الحرب السورية".
وأشار إلى أن دعم إيران لحزب الله اللبناني وحده يقدر بـ 800 مليون دولار سنويا، مشيرًا أنه تم أيضا "استثمار" الأموال التي دفعتها إيران لحزب الله ومختلف الميليشيات العراقية في الحرب السورية.
تنافس مع روسيا
ولفت المجلس الأطلسي إلى أنه بغض النظر عن إجمالي إنفاق إيران "ما من احتمال تقريبا عن أن سوريا ستقوم بتسديد أية ديون لإيران، وذلك لأن حكومتها تعاني لتغطية نفقاتها".
وأشار إلى أنه في الوقت عينه، لم تتم تلبية التوقعات التجارية الإيرانية في سوريا، ذاكرا حصة إيرانية بالسوق لا تتعدى الـ 3 في المائة بين 2010 و2017.
"وقال المجلس إنه "من غير المتوقع أن تستفيد إيران من أية مشاريع إعادة إعمار قبل رفع العقوبات عن نظام الأسد. ومن المرجح أن تصبح المنافسة أكثر حدة في حال رفعت العقوبات على سوريا ودخلت بلدان أخرى كالصين إلى المشهد العام".
وأشار مراقبون إلى أن روسيا بشكل خاص تظهر كمنافس أساسي.
ومن جهته، قال الخبير السياسي عبد النبي بكار إن "إيران ورغم محاولاتها المستميتة للسيطرة على سوريا، إلا أنها تواجه بالنفوذ الروسي الذي يعتبر المؤثر سياسيا بالدرجة الأولى".
وأضاف أن "إيران ومن خلال الحرس الثوري والأذرع التابعة تحاول التوسع في مختلف المناطق السورية".
وتابع أنها تسعى إلى التوغل عبر "مشاريع اقتصادية وأخرى تتعلق بترميم البنية التحتية وإعادة الإعمار".
وقال "يبدو واضحا أن إيران تحاول كسب الوقت للفوز بمختلف العقود الحكومية المتعلقة بالاقتصاد وإعادة الإعمار في محاولة منها لتعويض المبالغ [التي أنفقتها] والخسائر التي تكبدتها في سوريا طيلة السنوات الفائتة".
وذكر "لكن الثابت أن روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه المحاولات وربما ستشهد الفترة المقبلة المزيد من الضغوط الروسية على الوجود الإيراني".
وأوضح أن مسألة إعادة الإعمار مسألة دولية بحتة مرتبطة بالعديد من الملفات الأخرى، ومن بينها عودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم في سوريا.
وأشار إلى أن مثل هذه المسائل هي مواضيع تحظى بتوافق دولي وقد تعرقل محاولات إيران للانغماس في أنشطة وعقود إعادة الإعمار.
تفاقم حالة التوتر المحلية
هذا وتواجه إيران خسائر مادية في سوريا، في ظل مواصلة الولايات المتحدة فرض العقوبات لوقف تدخل طهران في شؤون المنطقة.
ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي السوري محمود مصطفى إن "العقوبات الأميركية المفروضة على إيران وكل المتعاملين معها في منطقة المتوسط تعتبر السبيل الأنجح للجم المخططات الإيرانية التوسعية".
وأكد أن "هذه العقوبات نجحت في لجم نشاطات الحرس الثوري".
وقال إنها دفعت بالسلطات الإيرانية إلى اللجوء إلى الصندوق السيادي لضخ السيولة والتعويض عن الخسائر الناتجة عن نفقات التدخلات الإقليمية ودعم الأذرع المتنوعة لفيلق القدس التابع للحرس الثوري.
وأضاف مصطفى أنه "إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أسباب الفشل الاقتصادي والمالي في إيران، يكون أولها التدخل في سوريا".
وتابع "لا بد أن تستمر [العقوبات] لزيادة التضييق على الحكومة الإيرانية"، لافتا إلى أن الحكومة تواجه "تصاعدا في موجات الاعتراض على السياسات الداخلية والخارجية وتهميش العديد من المناطق".
"وذكر أن "السنوات الأخيرة شهدت كسر جدار الخوف بشكل واضح وبات الشعب الإيراني يعبر عن غضبه بعد أعوام طويلة من القمع لإسكاته".
يُذكر أن كل المؤشرات الاقتصادية الأساسية في إيران تُظهر أن الجمهورية الإسلامية في وضع خطير، لا سيما في ظل ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض احتياطات العملة والاستياء المتزايد من قيادة البلاد.
ووصل الغضب الشعبي جراء الظروف الاقتصادية والمعيشية السيئة إلى حد الغليان، وحذر مراقبون من أن الموجة التالية من التظاهرات الشعبية قد تكون أعنف بكثير من التظاهرات التي نظمت في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 عقب ارتفاع أسعار المحروقات.