بعد نحو ثلاثة أشهر من انتهاء حظر شراء الأسلحة من السوق الدولية التي فرضته الأمم المتحدة على إيران، بات واضحا للعيان سبب دعم روسيا والصين لموقف طهران من هذه المسألة في الأمم المتحدة.
وكانت الأمم المتحدة قد صوتت في شهر آب/أغسطس، رغم اعتراض الولايات المتحدة، ضد تمديد الحظر المفروض على إيران منذ عقد من الزمان، وذلك قبيل تاريخ انتهاء سريانه في 18 تشرين الأول/أكتوبر بموجب شروط الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني وقرار مجلس الأمن الدولي 2231.
فما كان من الولايات المتحدة إلا أن مددت الحظر من جانب واحد داعية الدول الأخرى إلى حذو حذوها، وحذرت من أن منح إيران قدرة أكبر على الوصول للأسلحة يعني أنها ستورد المزيد من الأسلحة الخطيرة والمزعزعة للاستقرار لأذرعها في جميع أنحاء المنطقة وستعزز قدرتها على قمع شعبها.
وأكثر من عارض تمديد الحظر هما روسيا والصين، العضوان الدائمان في مجلس الأمن.
واستغلت القوات المسلحة الإيرانية قدرتها الجديدة على الوصول إلى للأسلحة، لا سيما عبر الحرس الثوري الإيراني.
ففي 18 كانون الأول/ديسمبر، قال وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي أمام البرلمان الإيراني إن القوات المسلحة وقعت مع عدد من البلدان على صفقات عدة لشراء الأسلحة دون أن يسمها.
الصين، الأخ الأكبر
ومقابل دعمها لمسعى إيران في الأمم المتحدة، وضعت بيجين يدها على مصادر الطاقة التي تشتد الحاجة إليها، ما يمنح النظام الصيني نفوذا كبيرا في منطقة لها أهمية استراتيجية كبيرة.
وعلى سبيل المثال، بدأت الصين التنقيب في حقل غاز ضخم بإيران في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، وذلك على الرغم من المخاطر الاقتصادية والسياسية الكبيرة التي قد ترتبها عليها هذه الخطوة.
وفي هذا السياق، أكد مراقبون أنه مع بدئه التنقيب وإبرامه اتفاقيات تجارية واقتصادية أخرى طويلة الأمد مع إيران في إطار اتفاق بين البلدين مدته 25 عاما، يضع النظام الصيني مستقبله على المحك ، إذ أن ذلك يجعله عرضة للمزيد من العقوبات الأميركية.
ويعتقد كثيرون أن الاتفاق الذي وقع خلسة في الصيف الماضي وسط طوفان من الانتقادات في الداخل الإيراني، سيكون له تأثير سلبي على دول المنطقة ودول خارجها.
فهذا الاتفاق سيجعل النظام الإيراني الضعيف والمعزول والمحاصر عالميا والذي أصبح على حافة الانهيار الاقتصادي، تحت رحمة نظام صيني يتمتع بالعزم والحزم.
ومن المعروف أن الديون هي إحدى استراتيجيات الإكراه الرئيسة التي تستخدمها بيجين.
فهي تلجأ إلى تقديم قروض ضخمة للبلدان الضعيفة في جميع أنحاء العالم وتبرم معها عقودا مرهقة بذريعة مساعدتها على بناء اقتصادها، لكن الحقيقة تتكشف عندما تعجز هذه البلدان عن سداد القرض أو عن الوفاء بالتزامات العقد فتطالبها بيجين حينها بتنازلات مؤلمة.
وتشمل هذه التنازلات إما المطالبة بدعم دبلوماسي للمصالح الصينية أو الاستيلاء على مجمل موارد البلد الطبيعية.
مبيعات الأسلحة الروسية والمكاسب في سوريا
بالنسبة إلى روسيا، فإن دعم التعزيزات العسكرية الإيرانية يساعدها في تأمين المكاسب التي حققها البلدان في سوريا ، إذ دعم النظامان الرئيس بشار الأسد واستتبع ذلك تكلفة باهظة من الخسائر البشرية.
فلسنوات عدة، دأبت كل من إيران وروسيا على إرسال مقاتلين إلى سوريا وضخ أموال في الصراع الدائر فيها سعيا لزيادة نفوذهما الجيوسياسي.
والكثيرون من هؤلاء المقاتلين هم مرتزقة روس، بينهم عناصر في مجموعتي فاغنر وفيغا، اللتان تنفذان مشروع الرئيس الروسي فلادمير بوتين تحت تحت غطاء من الإنكار المعقول.
وتسببت الضربات الجوية الروسية التي شنتها مؤخرا في محافظة إدلب شمال غربي سوريا ومحيطها في إحداث دمار هائل، إذ قضت على الإنتاج الزراعي وعلى التجارة وحرمت الأطفال من التعليم.
إلى هذا، أسفر قصف الطائرات الحربية الروسية المتعمد للأهداف المدنية، بما فيها المستشفيات، عن مقتل ما لا يقل عن 6500 شخص ونزوح نحو مليون مواطن، كما تقوض التوغلات الروسية في شرقي سوريا الجهود المبذولة لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وتسببت الغارات الجوية الروسية في موجات من النزوح، ما حدا بعض السوريين إلى التكهن بأن النظام الروسي يسعى لإحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة عبر التأكد من عدم عودتهم.
إن قرار الكرملين لدعم طهران عند انتهاء سريان حظر الأسلحة يستند أيضا إلى المال، إذ يعتبر كثيرون أن روسيا تجازف بالتعرض لدمار اقتصادي بتحالفها المستمر مع إيران.
فموسكو لا تعارض فرض عقوبات أخرى على إيران، حسبما صرح الخبير الاقتصادي المقيم بإيران أحمد توكل عبادي، والاستثناء الوحيد هو حظر الأسلحة لأنها لا تريد أن تفقد مشتريا كبيرا لأسلحتها البالية.
تأجيج الحروب بالوكالة
إن الوصول إلى السوق الدولية سيمكن النظام الإيراني من تأجيج الحروب بالوكالة الأكثر خطورة وزعزعة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.
وفي سوريا، أدى الدعم الإيراني للنظام السوري إلى انتهاكات موثقة ارتكبت ضد الشعب السوري، بما في ذلك الهجمات الكيميائية على المدنيين والتعذيب في السجون.
ويقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن 100 ألف شخص على الأقل قتلوا بسبب التعذيب أو نتيجة للظروف المروعة في سجون النظام، حيث سجن منذ العام 2011 مليون شخص.
وفي خطوة تهدف إلى محاسبة النظام السوري على هذه الجرائم وغيرها ووقف التدخل الأجنبي، أصدرت الحكومة الأميركية قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019 الذي دخل حيز التنفيذ في حزيران/يونيو 2020.
وقد سمي هذا القانون تيمنا باسم "قيصر" المستعار الذي استخدمه مصور عسكري سوري سابق كان قد أدلى بشهادته أمام الكونغرس الأميركي بعد أن فر من سوريا عام 2013 وبحوزته 55 ألف صورة تعكس الوحشية التي تمارس في السجون السورية.
وفي اليمن، تأجج الأسلحة الإيرانية الأزمة في ذلك البلد الذي أصبح على حافة الانهيار الاقتصادي والسياسي.
وبحسب مشروع بيانات اليمن، أسفرت الأزمة اليمنية التي أججها الحوثيون (أنصار الله) المدعومون من إيران عن مقتل وإصابة أكثر من 17 ألأف و500 شخص منذ العام 2015. وأفادت منظمة هيومن رايتس ووتش أن أكثر من 20 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينما يواجه 10 ملايين آخرين خطر المجاعة.
ومعظم الأسلحة التي يستخدمها الحوثيون في الحرب لم تشاهد في اليمن قبل انقلاب الميليشيا في أيلول/سبتمبر 2014، كما أن الحرس الثوري الإيراني يستخدم الساحل اليمني البالغ طوله 2500 كيلومتر والجزر اليمنية والمراكب الشراعية لتهريب الأسلحة إلى الميليشيا.
وفي العراق، تواصل الميليشيات التي تدعمها إيران في التسبب في عدم استقرار البلاد ومهاجمة البعثات الدبلوماسية، بما في ذلك هجوم صاروخي شن يوم 20 كانون الأول/ديسمبر واستهدف السفارة الأميركية في بغداد.
وفي لبنان، لطالما استخدمت الأسلحة الإيرانية من قبل حزب الله، الذي يعتبره الكثير من اللبنانيين أصل المشاكل في البلاد.