تسود العالم موجة قلق حيال أدلة متزايدة تشير إلى اعتماد روسيا أكثر فأكثر على الوحدات العسكرية غير الرسمية من أجل حل المشاكل الاستراتيجية في البلدان التي فيها مصلحة جيوسياسية.
وإلى جانب مجموعة فاغنر التي هي عبارة عن شركة عسكرية خاصة عرفت بمشاركتها في حروب بشرق أوكرانيا وسوريا وليبيا والسودان وفنزويلا ومدغشقر وغيرها والتي أنشأها شركاء مقربون من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أصبحت الشركة العسكرية الخاصة فيغا تحت المجهر.
ويسمح مثل هؤلاء المتعاقدين للنظام السوري بالتسبب بوقوع ضحايا وتكبد خسائر، من دون ظهور أي سفك دماء في سجلات الكرملين.
وفي آذار/مارس 2019، قام فريق الصراعات الاستخباراتي وهي مجموعة من المدونين الروس المستقلين الذين يستخدمون المصادر المفتوحة للتحقيق في الحروب، بنشر بيانات تشير إلى أن مرتزقة فيغا متواجدون في سوريا منذ العام 2018 لدعم الرئيس السوري بشار الأسد على فرار نظرائهم في مجموعة فاغنر.
دعم مقاتلي لواء القدس في سوريا
وفي البداية، كانت مجموعة فيغا تؤمن الحماية للأفراد ولمختلف الشركات والمصارف والسفن في المناطق عالية الخطورة.
ولكن في السنوات الماضية، وسّعت نطاق أعمالها الأمنية لتشمل تدريب الميليشيات نيابة عن روسيا.
وتعمل فيغا على تدريب ميليشيا غالبية عناصرها من الفلسطينيين وتعرف بلواء القدس، وتعد أكبر وحدة في حلب تدعم الحكومة السورية.
وهذا ما توصل إليه محققو فريق الصراعات الاستخباراتي بعد التدقيق في صور التقطها الصحافي أوليغ بلوخين الذي يغطي أخبار سوريا لصالح المنشورات الإلكترونية لـ "أنا نيوز" و"روسكايا فيسنا" (الربيع الروسي) المواليتين للكرملين.
وتظهر الصور قوات ترتدي علامة فيغا للخدمات الاستراتيجية.
وتأسست فيغا للخدمات الاستراتيجية بأوكرانيا في العام 2011 على يد عناصر قدامى في القوات الخاصة الروسية والأوكرانية، حسبما اكتشف المحققون. وأصبحت الشركة تعرف باسم فيغاسي للخدمات الاستراتيجية في العام 2012 عندما نقل مؤسسها المواطن الأوكراني أناتولي سمولين مقرها الرئيسي إلى قبرص.
وقد ذكر سمولين وهو من العناصر القدامى في البحرية والاستخبارات السوفيتية والتحق بعد ذلك بصفوف قوات وزارة الداخلية الأوكرانية، لمحطة البي.بي.سي في آذار/مارس 2019 أنه انتقل إلى قبرص لأن القوانين المحلية التي تنظم الشركات العسكرية الخاصة هي ملائمة.
ويقع المقر الرئيسي في قبرص، وله مكاتب تابعة له في أوكرانيا وروسيا وسوريا وسريلانكا ومصر.
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة دوتشي فيلي في آذار/مارس 2019 عن الصحيفة الإلكترونية اللبنانية المدن قولها إن روسيا "عززت دعمها للواء القدس بشكل ملحوظ". وقد اكتسبت المجموعة الفلسطينية مئات العناصر الجدد بينهم قاصرين، حسبما جاء في التقرير.
وقد حددت تقارير في كانون الثاني/يناير 2019 أن روسيا هي القوة التي تقف وراء فيغا.
وبحسب فريق الصراعات الاستخباراتي، شارك سمولين شخصيا في التدريب العسكري الذي خضع له مقاتلو لواء القدس في سوريا. وتُظهر صور التدريبات شخصا يشبهه.
مهام تنفذ ʼفي الظلʻ بالشرق الأوسط
ويعتبر مراقبون في آسيا الوسطى الشركات العسكرية الأمنية الروسية على أنها تهديد متعدد الأوجه لأمن بلادهم.
وقال الخبير السياسي المتخصص في العلاقات الدولية إديل أوسمونبيتوف وأصله من بشكيك، إن الشركات العسكرية الأمنية كمجموعة فاغنر تنفذ مهمات استخبارية وعسكرية لا تستطيع موسكو تنفيذها بصورة رسمية.
وأوضح أن "هذه ليست قوات مسلحة عادية تخضع للقانون الدولي. ولا تتحمل الدول التي تنسق عملها أي مسؤولية عن أفعالها".
وبدوره، قال دورن أوسبانوف وهو رائد متقاعد في الجيش الكازاخستاني وضابط سابق في موقع ألماتي العسكري الإقليمي، إن فيغا ليست إلا واحدة من شركات عسكرية خاصة عدة أنشأت بطلب من الكرملين.
وأشار إلى شركات أخرى من هذا النوع بينها "شيت" و"باتريوت" التي لا توجد رسميا في روسيا، ولكنها تعمل على تجنيد الشبان لتنفيذ مهام خطرة في الشرق الأوسط.
وأضاف أوسبانوف، "خلافا لمجموعة فاغنر، لا تملك فيغا وغيرها من الشركات العسكرية الخاصة الروسية أي معدات عسكرية أو مركبات مدرعة لنقل العناصر أو سلاح مدفعية، كما أنها لم تظهر في معارك. تعمل في الظل وتتولى معالجة الملف الأمني وتدريب المقاتلين، ولكن من الممكن أن ذلك ليس إلا غطاء لإخفاء جرائم الحرب".
تجنيد مقاتلين في آسيا الوسطى
وتابع أن الشركات العسكرية الخاصة الروسية تشارك أيضا في أنشطة مدمرة، ليس فقط في تلك المهمات "التي تتم في الظل". فتجند الشبان الذين ينتمون إلى العائلات الفقيرة، لا سيما من يقيمون في روسيا، وتقدم لهم رواتب عالية للقتال في سوريا.
وقال إن "العديد من المرتزقة يقتلون، ولكن لا تتحمل أي جهة المسؤولية".
هذا وتجري عمليات التجنيد أيضا في دول آسيا الوسطى.
ففي آب/أغسطس الماضي، أصبح معروفا أن خدمة أمن أوكرانيا كانت قد فتحت قضايا جنائية بحق 15 عنصرا من مجموعة فاغنر، بينهم 3 أفراد من قيرغيزستان زعم أنهم قاتلوا في شرقي أوكرانيا إلى جانب الانفصاليين الموالين لروسيا.
وقبل عامين من ذلك، ذكرت صحيفة كارافان الكازاخية خدمة أمن أوكرانيا عندما نقلت أن عناصر من بيلاروس ومولدوفا وكازاخستان كانوا يقاتلون ضمن شركة عسكرية خاصة روسية في سوريا.
وقال أندري بوزاروف وهو خبير سياسي من كييف في أوكرانيا لصحيفة كارافان، إن الشركات العسكرية الخاصة الروسية تجند الأجانب بحيث "تصدر شكاوى أقل" ضد روسيا، من دون تحديد مصدر الشكاوى.
وتابع أن المرتزقة يوافقون أيضا على العمل لدى هذه الشركات لأسباب مادية.
ʼآلات قتلʻ مدعومة من الكرملين
وفي هذا الإطار، أبدى أوسبانوف عن اقتناعه بأن فيغا مرتبطة ارتباطا وثيقا بالكرملين، كونها تدرب مجموعة مدعومة من روسيا.
وأوضح "لا حاجة إلى تكوين أوهام حول عدم انخراط فيغا في المعارك والتزامها بالشروط العالمية المتعلقة بالشركات العسكرية الخاصة. ولا شك في أنه في لحظة حاسمة، قد يتم حشد الشركات العسكرية الخاصة مثل فيغا وقد يتم إشراكها بطريقة أو بأخرى في حرب هجينة، لتنفيذ المهمات القتالية للكرملين كما كانت الحال في أوكرانيا".
ومن جهته، قال دوسيم ساتباييف وهو خبير سياسي ومدير مجموعة تقييم المخاطر وأصله من ألماتي، إن خطر شن روسيا حربا هجينة يطال أيضا منطقة آسيا الوسطى، ولا سيما كازاخستان.
وتابع أن المشاكل الداخلية في كازاخستان تشهد تزايدا، وهو أمر قد تستغله موسكو لمصالحها الخاصة.
وذكر أن "ظهور شركة عسكرية خاصة أجنبية في كازاخستان يشكل تهديدا كبيرا لبلدنا، ذلك أنه من الممكن أن تشارك في أعمال تخريب في حال تغير الوضع السياسي".
ومن جانبها، تدرك السلطات الكازاخية حقيقة الشركات العسكرية الخاصة ولا تسمح لمثل هذه الكيانات بالعمل بصورة شرعية في كازاخستان.
وفي آذار/مارس 2018، استنكرت داريغا نزارباييفا التي كانت تشغل في تلك الفترة منصب رئيسة مجلس الشيوخ وهي الابنة الكبرى للرئيس السابق نور سلطان نزارباييف، فكرة إنشاء شركات عسكرية خاصة في كازاخستان.
وأعلنت "لا أؤيد هذه الفكرة. إنها فعليا آلة قتل خاصة. لا يجب أن تكون مثل هذه التنظيمات شغالة".