أقام النظامان الإيراني والصيني سرا شراكة أمنية واقتصادية واسعة النطاق، من شأنها تمهيد الطريق لصرف مليارات الدولارات باستثمارات صينية في الطاقة وقطاعات أخرى.
ولكن يقول العديد من المراقبين إن الاتفاق الذي مدته 25 عاما سيأتي بمجموعة من التأثيرات السلبية على المنطقة وخارجها، ذلك أن النظام الإيراني الضعيف والمحاصر والذي اقتصاده على وشك الانهيار ويواجَه بخيبة أمل شعبية، كما أنه منقطع عن معظم دول العالم جراء سعيه المتواصل لحيازة الأسلحة النووية وتسليح الميليشيات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا، سيكون تحت رحمة دولة صينية جريئة وحازمة.
وستوسع الشراكة المفصلة في اتفاق مطروح بـ 18 صفحة، إلى حد كبير التواجد الصيني في قطاع المصارف والاتصالات والموانئ وسكك الحديد وعشرات المشاريع الأخرى، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في 11 تموز/يوليو. وبالمقابل، ستحصل الصين على إمدادات نفطية إيرانية على مدى الـ 25 سنة المقبلة، علما أن مسؤولا إيرانيا وتاجر نفط قد ذكر أن سعر هذه الإمدادات سيكون مخفضا للغاية.
وأشار التقرير الصحافي إلى أن الوثيقة تصف توطيد التعاون العسكري وتدعو إلى تدريبات ومناورات مشتركة مع أبحاث مشتركة وتطوير للأسلحة ومشاركة المعلومات الاستخبارية.
وفي هذا الإطار، أصر وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف بالقول إن "ما من طابع سري" للاتفاق المرتقب مع الصين. ولكن لم يتم رفع هذا الاتفاق بعد إلى البرلمان الإيراني ليصوت عليه كما أنه لم يعرض علنا، الأمر الذي أثار شكوك في إيران حيال حجم التقدمات التي تعتزم الحكومة إعطائها لبكين، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وتحول الاتفاق المخطط له مع الصين إلى موضوع بارز على مواقع التواصل الاجتماعي في إيران، علما أن الرئيس الشعبوي السابق محمود أحمدي نجاد قد دان أيضا الشهر الماضي المفاوضات الجارية مع دولة أجنبية.
وقد عبّر نقاد لمختلف الجهات السياسية في إيران عن مخاوف بأن الحكومة تقوم سرا "ببيع" البلاد في لحظة ضعف اقتصادي وعزلة دولية.
وذكر ظريف أنه سيتم إعلام الأمة "فور التوصل إلى اتفاق"، مضيفا أن نية إبرام مثل هذا الاتفاق قد أعلنت في كانون الثاني/يناير 2016 عندما زار الرئيس شي جين بينغ طهران.
وبحسب نيويورك تايمز، يأتي في الجملة الافتتاحية من الوثيقة أن "ثقافتين آسيويتين قديمتين وشريكين في قطاع التجارة والاقتصاد والسياسة والثقافة والأمن مع نظرة مشابهة والعديد من المصالح الثنائية والمتعددة الأطراف، ستعتبران بعضهما البعض شركاء استراتيجيين".
وفي السياق نفسه، أعلن المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي علنا عن تأييده لشراكة استراتيجية مع الصين.
قلق كبير بشأن الدعم العسكري
هذا ويثير موضوع تعزيز الدعم العسكري والتدريب ومشاركة المعلومات الاستخبارية الذي يشمله الاتفاق، قلقا كبيرا.
يُذكر أن توسيع الدعم الصيني لإيران يعني أن بكين ستوفر دعما مباشرا للحرس الثوري الإيراني، وهو ذراع للجيش الإيراني صُنف رسميا على أنه تنظيم إرهابي.
وقد أُنشأ الحرس الثوري بعد الثورة الإسلامية التي جرت في العام 1979، وكان هدفه الدفاع عن النظام الديني، على عكس الوحدات العسكرية التقليدية أكثر التي تحمي الحدود.
وثبتت علاقة الحرس الثوري في عدة عمليات إرهابية في منطقة الشرق الأوسط وخارجها خلال العقود الماضية.
ويتخصص فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في المهمات الأجنبية، فيوفر التدريب والتمويل والسلاح للجماعات المتطرفة، بما في ذلك حزب الله اللبناني وجماعة حماس الفلسطينية.
ولعب فيلق القدس دورا أساسيا بدعم قوات النظام السوري في الحرب الأهلية في سوريا.
وفي سعيه لتوسيع نفوذه على الصعيد الإقليمي وبسط هيمنته، عملت هذه القوة على تجنيد شباب أفغان وباكستانيين وعراقيين ويمنيين للقتال لخدمة مصالحها في سوريا.
وتظهر هذه الاستراتيجية جلية من خلال لواء فاطميون وهي وحدة جندت أكثر من 50 ألف لاجئ أفغاني بين العام 2013 و2017 للقتال في سوريا، ولواء زينبيون الذي يضم عناصر باسكتانيين يتلقون التدريب والسلاح من الحرس الثوري قبل نقلهم من قبل إيران إلى سوريا للقتال إلى جانب النظام السوري وفصائل أخرى تابعة للحرس الثوري.
شبكة من الموانئ الصينية
وأشار مقال نيويورك تايمز الذي يمكن الاطلاع عليه هنا كاملا، إلى أن النقاد أتوا على ذكر مشاريع استثمارية صينية سابقة تركت دولا في أفريقيا وآسيا مديونة ومدينة في نهاية المطاف للسلطات في بكين. وارتبط أحد المخاوف الأساسية بالموانئ المطروحة في إيران، بما في ذلك 2 على ساحل بحر عمان.
ومن شأن أحد الموانئ في جاسك عند مخرج مضيق هرمز الذي يعد مدخلا إلى الخليج العربي، أن يعطي الدولة الصينية نقطة امتياز استراتيجية في البحر، تمر عبرها نسبة كبيرة من نفط العالم.
وقد بنت الصين سابقا سلسلة موانئ على المحيط الهندي، منشِأة بذلك شبكة من محطات إعادة التزود بالوقود والتمون من بحر الصين الجنوبي إلى قناة السويس. وللموانئ هدف تجاري ظاهريا، إلا أن لها أيضا قيمة عسكرية تسمح للبحرية الصينية التي تتنامى بشكل سريع بتوسيع نطاق انتشارها.
وفي هذا الموضوع، أعلن وزير الخارجية الأميركية مايك بوبيو يوم الاثنين، 13 تموز/يوليو، أن الولايات المتحدة ستعتبر سعي بكين وراء الموارد في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، أمرا غير قانوني.