رغم مزاعمها بكونها دولة صديقة للشعب السوري، لم تقدم روسيا أي دعم يُذكر للسوريين المقيمين في المناطق الأكثر تضررا جراء الزلزال الكارثي الذي حصل مؤخرا.
وقال ناشطون ومراقبون إن هذا الامتناع عن التحرك يؤشر إلى مصلحة روسيا الذاتية في سوريا، ويكشف أيضا أنها تحت ضغط كبير نتيجة هجومها على أوكرانيا لدرجة أنها لا تستطيع تقديم مستوى عال من المساعدة للشعب السوري المتضرر.
ولفت البعض في سوريا إلى أن العديد من مشاكلهم جاءت أساسا نتيجة الدعم الروسي لنظام بشار الأسد الوحشي.
وعندما وقع الزلزال، كانت القوات الروسية والميليشيات التابعة لها متمركزة أصلا في المناطق المتضررة وكان باستطاعتها تأمين المساعدة الفورية.
ولكن ناشطين محليين أشاروا إلى أن هذه لم تكن أولوية بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، علما أن موسكو اختارت عوضا عن ذلك الاستثمار في مزيد من الأسلحة الفتاكة لمواصلة هجومها غير المبرر على أوكرانيا.
ولفتوا إلى تكلفة صاروخ واحد متوسط أو طويل المدى يعادل تقريبا تأمين المواد الضرورية لعشرات العائلات السورية المتضررة جراء الزلزال.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسة أن الزلزال الذي سجل 7.8 درجة على مقياس ريختر وهز دولة تركيا المجاورة، أسفر عن مقتل أكثر من 50 ألف شخص، بينهم نحو 6000 في سوريا.
وبحسب الأمم المتحدة، تضرر ما لا يقل عن 8.8 مليون شخص في سوريا وحدها بسبب الهزة المدمرة.
مساعدات روسية محدودة
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي السوري محمود مصطفى إن "روسيا بدلا من الالتفات لأبناء الشعب السوري والسعي لمساندته في المحنة الناتجة عن الزلزال، اتجهت إلى تصعيد هجومها في أوكرانيا".
وأوضح للمشارق "قامت بأكبر هجوم صاروخي منذ بدء الحرب على منطقة زابوريجيا".
ففي 10 شباط/فبراير، قالت أوكرانيا إن روسيا شنت هجمات "مكثفة" بالصواريخ والطائرات المسيرة، استهدفت مدنا ومرافق حيوية للبنية التحتية في منطقة خاركيف شرقي وجنوبي منطقة زابوريجيا.
وذكر مصطفى أن "موسكو لم تقدم أي مساعدات فعلية لسوريا ولم تقم بأية خطوات لتحسين البنى التحتية لمساعدة الشعب السوري".
وأكد أنه لو حركت روسيا آلياتها الضخمة وقسما بسيطا من جيشها والميليشيات التابعة لها في سوريا في الساعات الأولى لوقوع الزلزال، لكانت أحدثت فارقا.
وأوضح أن ذلك كان ليساعد السوريين، لا سيما في ظل عدم قيام النظام بواجباته في هذا الخصوص.
وتابع "لم نر أية مساعدات غذائية قدمت من الجيش الروسي وميليشياته متعددة الجنسيات للنائمين في الطرقات بعد خسارة منازلهم".
وأشار إلى أن روسيا لم تتصرف بإنسانية في سوريا، معتبرا أن بوتين يهين وطنه والتاريخ الروسي بأفعاله هذه.
لامبالاة الجيش الروسي
وبدوره، قال الناشط السوري محمد البيك للمشارق إن سكان محافظتي اللاذقية وطرطوس غاضبون من لامبالاة الجيش الروسي بعد أزمة الزلزال.
وأضاف أن "هذه المناطق تعتبر من المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري منذ عشرات السنين".
وذكر "توقع الأهالي أن يحصلوا على المساعدات بصورة فورية وتلقائية من القواعد الروسية، إلا أن الصدمة كانت كبيرة بعد تجاهل مطالبهم".
وأوضح البيك أنه لم يتم إرسال إلا مجموعة واحدة فقط من المنقذين الروس لمساعدة الأهالي المتضررين، وقد حصل ذلك في اليوم الثالث بعد وقوع الزلزال.
وقال إن الروس وزعوا بعض المواد الغذائية التي لم تتعد حمولة شاحنة واحدة، وتضمنت بشكل أساسي الطحين وبعض المعلبات.
وأضاف أن الناجين انتظروا ساعات عديدة، ولكن لم تحصل إلا قلة منهم على بعض المواد الغذائية في حين طلب من الآخرين العودة في وقت لاحق.
وذكر "وكأن المطلوب كان فقط التقاط بعض الصور أثناء عملية التوزيع لإظهار روسيا بأنها مهتمة بالشعب السوري".
تحويل الموارد لصالح حرب أوكرانيا
من ناحيته، قال الخبير السياسي عبد النبي بكار إن روسيا لا تمتلك الموارد المطلوبة لتقديم العون للشعب السوري في محنته الحالية، ذلك أنه تم تحويل كل مواردها لصالح الحرب على أوكرانيا.
وتابع أن روسيا تنفق الأموال في سوريا، ولكن تخصصها لتنفيذ غارات جوية على بعض المناطق لتحافظ على سيطرتها والمكاسب التي حققتها خلال السنوات الماضية، بدلا من تخصيصها لإنقاذ الناس ومساعدتهم.
وأشار بكار إلى أنه منذ بداية تدخلها في الحرب السورية، لم توفر روسيا المساعدات أو المال للسوريين، ذاكرا أن الأموال الوحيدة التي أنفقت في البلاد خصصت لرواتب الميليشيات.
وتابع أن تلك الرواتب حتى لا تُدفع من قبل الحكومة الروسية، إذ أنه غالبا ما يتكفل بها رجال الأعمال والشخصيات النافذة السورية.
وأوضح أن الأمر نفسه ينطبق بالنسبة للمرتزقة الروس بمجموعة فاغنر، والذين غالبا ما تدفع رواتبهم من قبل سوريين أو سكان محليين بدول أخرى حيث ينتشرون مقابل "خدمات الحماية" التي يقدمونها.
ولفت إلى أنه في كلتا الحالتين، يستفيد الروس فيما يتحمل السكان المحليون الكلفة.