قبل وقوع الزلزال المدمر الذي الأسبوع الماضي، كانت معاناة السكان والمسعفين المتطوعين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غربي سوريا قد وصلت بالفعل إلى حدها الأقصى، ما وضعهم منذ البداية في موقف لا يحسدون عليه.
فالمناطق التي تعمل فيها فرق متطوعي الخوذ البيضاء في محافظة إدلب الشمالية الغربية ومحيطها مدمرة أصلا بفعل سنوات من الحرب والإهمال وتدهور البنية التحتية والخدمات.
وتشهد هذه المناطق أيضا زيادة كبيرة في عدد سكانها بسبب نزوح مئات الآلاف هربا من قصف النظام السوري والقوات الروسية، ملتمسين الملاذ الآمن في المخيمات والملاجئ المزدحمة.
أما المباني فقد تم بناؤها عشوائيا دون إشراف يضمن سلامتها، في حين كانت هناك بنايات تعرضت هياكلها للتصدع أو الزعزعة بسبب القصف، ما جعلها معرضة لخطر السقوط خصوصا عند وقوع الزلزال.
سكان هذه المناطق الذين تحدثوا إلى المشارق ألقوا مسؤولية أوضاع مناطقهم الهشة التي جعلتها ضعيفة أمام الكارثة الطبيعية على النظام السوري وداعميه، وخصوصا روسيا.
وأوضحوا أن الأوضاع المأسوية في شمال غربي سوريا هيأت ليكون عدد قتلى الزلزال مرتفعا بشكل استثنائي وغير مبرر.
وفي حديثه للمشارق، قال أحد متطوعي الخوذ البيضاء، خالد الخطيب، إن "نتائج الدمار الذي حصل بسبب الزلزال مرعبة جدا"، وما تزال حصيلة الضحايا النهائية غير معروفة "لوجود مئات العائلات عالقين تحت الأنقاض حتى الآن".
وأضاف أن "التعامل مع كارثة مماثلة يحتاج لأعداد كبيرة من الآليات والعناصر البشرية لتسريع عمليات البحث والإنقاذ".
وذكر أن "الخوذ البيضاء أعلنوا المنطقة منطقة منكوبة ويطالبون بالمساعدات الطارئة التي تشمل أيضا مساعدة آلاف العائلات التي تواجه العواصف الشديدة ودرجات حرارة منخفضة دون مأوى".
ولفت إلى أنه على الجانب السوري من الحدود مع تركيا، "المنطقة الأشد تضررا هي مدينة إدلب"، حيث انهار ما لا يقل عن 400 مبنى بالكامل وانهار 1200 جزئيا وتصدعت آلاف أخرى من الأبنية.
من جهته، قال المتحدث باسم الخوذ البيضاء محمد شبلي لوكالة الصحافة الفرنسية إن "فرق الانقاذ الدولية يجب أن تدخل منطقتنا".
وأكد شبلي أنه "من المستحيل" أن تستجيب الخوذ البيضاء وحدها للكارثة الواسعة النطاق في مناطق شمال غربي البلاد الخاضعة لسيطرة المعارضة، والتي يقطنها أكثر من أربعة ملايين نسمة.
القليل من المساعدة والدعم
الصحافي السوري محمد عساف المقيم في إدلب قال إن عدد القتلى في منطقة شمال غربي سوريا "يعتبر الأكبر مقارنة مع باقي المناطق السورية والتركية التي ضربها الزلزال".
وعزا ذلك لعوامل عدة، أبرزها الكثافة السكانية الكبيرة التي تشهدها المنطقة بسبب هرب السكان من مناطق سيطرة النظام.
وأضاف أن هذه المنطقة تعتبر "من أكثر المناطق التي تعرضت طيلة السنوات الماضية وما تزال للغارات الجوية من قبل الطائرات الروسية وتلك التابعة للنظام".
"هذا الأمر أضر بالأبنية وجعلها غير صالحة للسكن بسبب التصدعات التي أصابتها، ويفسر ذلك انهيار أحياء بأكملها في أكثر من منطقة"، وفقا له.
وأوضح عساف أن "العديد من أبناء المنطقة والنازحين كانوا يسكنون هذه الأبنية المتصدعة لعدم قدرتهم على القيام بأعمال الترميم".
كما أن "هذه المنطقة محرومة كليا من دعم حكومة النظام، بالإضافة الى عدم وجود أي دعم مقدم من هيئة تحرير الشام أو من حكومة الإنقاذ التابعة لها ".
من جهته، قال ناجي بيرقدار والذي يسكن حاليا مع عائلته بأحد مخيمات النزوح في ريف ادلب "لم أتخيل يوما أن يكون السكن بمخيم النازحين نعمة بعد أن رأيت ما جرى لأهالي المنطقة بعد تهدم الأبنية والمنازل بفعل الزلزال".
وتابع للمشارق "للأسف، بعض العائلات وبسبب البرد القارص كانت قد لجأت إلى بعض المنازل المتضررة من الغارات والقصف الذي تعرضت له من قبل الطائرات الروسية وتلك التابعة للنظام".
هذه المنازل سقطت سريعا فوق ساكنيها.
وأكد بيرقدار أنه على رغم من كون الزلزال عملا من أعمال الطبيعة "لولا إجرام النظام السوري واضطرار المدنيين الى الهروب من مناطقهم نتيجة ظلمه، لما كانت أعداد القتلى والجرحى بهذا القدر على الاطلاق".
"وأيضا بسبب عداوة النظام مع أغلب دول العالم واصطفافه إلى جانب روسيا وإيران، فإن عدد الدول التي تقوم بمساعدة الشعب السوري قليلة جدا"، حسبما تابع.
تعثر تسليم المساعدات
ويوم الاثنين، 13 شباط/فبراير، ارتفع عدد قتلى الزلزال إلى أكثر من 35 ألفا، وكان منسق الإغاثة التابع للأمم المتحدة مارتن غريفيث قد حذر في نهاية الأسبوع أنه "سيتضاعف أو يزيد" عن العدد السابق البالغ 28 ألفا.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن ما يصل إلى 5.3 مليون شخص في سوريا قد أصبحوا بلا مأوى، مع تضرر ما مجموعه نحو 26 مليونا من الزلزال.
وقال مسؤول في معبر باب الهوى الحدودي لوكالة الصحافة الفرنسية إن قافلة مساعدات أولية وصلت الخميس الماضي إلى شمال غربي سوريا.
لكن ثمة حاجة إلى المزيد لإغاثة الملايين الذين دمرت منازلهم.
وتعد آلية إيصال المساعدات من تركيا إلى المناطق السورية التي تسيطر عليها المعارضة عبر باب الهوى هي الطريقة الوحيدة التي يمكن عبرها إيصال مساعدات الأمم المتحدة إلى المدنيين دون المرور عبر المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام السوري.
فقد تم إغلاق معابر أخرى بضغط من الصين وروسيا.
وفي حين أن باب الهوى نفسه لم يتأثر بالزلزال، فقد تضرر الطريق المؤدي إليه ما أدى إلى تعطيل العمليات مؤقتا.
والتقى رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غبريسوس بالرئيس السوري بشار الأسد في دمشق يوم الأحد، وقال إن الرئيس السوري أعرب عن استعداده لفتح المزيد من المعابر الحدودية للمساعدة في إيصال المساعدات إلى شمال غربي البلاد حيث تسيطر المعارضة.
وأكد غيبريسوس أن الأسد "كان منفتحا للتفكير في فتح نقاط عبور إضافية عبر الحدود لهذه الحالة الطارئة".
لكن الكثيرين في شمال غربي سوريا اعتبروا أن هذه الخطوة إذا حصلت ستأتي بعد فوات الأوان.