بعد الصدمة الأولى التي رافقت زلزال 6 شباط/فبراير، وجه العديد من السوريين غضبهم نحو نظام بشار الأسد محملين إياه مسؤولية الفساد والإهمال اللذين أديا إلى إقامة الكثيرين في مساكن غير مطابقة للمعايير.
وقالوا إن امتناع النظام عن معالجة الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية التي تشرف على تراخيص البناء وعدم منعه الناس من السكن في مباني آيلة للسقوط ساهما مباشرة في ارتفاع عدد الضحايا.
ولام البعض النظام أيضا على منح قواته موافقة ضمنية لإزالة حديد التسليح،وهو الحديد المستخدم لتقوية الخرسانة، من المباني الواقعة في المناطق التي هرب منها السكان الأصليون، وذلك بهدف بيعها من أجل الربح.
وذكر مسؤولون ومسعفون أن الزلزال أدى إلى مقتل أكثر من 50 ألف شخص في تركيا وسوريا، بما في ذلك نحو 6000 شخص في سوريا.
وأشارت الأمم المتحدة إلى أنه أدى أيضا إلى إلحاق دمار كلي أو جزئي في أكثر من عشرة آلاف مبنى بشمالي غربي سوريا.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي السوري محمود مصطفى للمشارق إن الزلزال كشف "حجم الاهتراء بالبنية التحتية وحال المباني في العديد من المناطق، خصوصا مناطق سيطرة النظام".
وفضح أيضا معايير البناء الرديئة التي طبقت تحت حكم النظام، مع إعطاء المسؤولين الفاسدين الأولوية لمكاسبهم الشخصية على حساب تطبيق معايير سلامة المباني.
وأشار مصطفى إلى أن الفساد في سوريا ممنهج "وأصبح أمرا معتادا في جميع نواحي الإدارة والاقتصاد".
يُذكر أن سوريا احتلت المرتبة 178 من أصل 180 دولة شملها مؤشر مدركات الفساد لعام 2022 والصادر عن منظمة الشفافية الدولية.
وأوضح مصطفى أن "قلة قليلة من التجار والعسكريين والسياسيين الموالين للنظام الحاكم حصلوا طوال السنوات الماضية على جميع المقدرات الخاصة بالدولة السورية والشعب السوري".
وتابع أنه على هذا الأساس، "ما من عملية تجارية كانت تتم دون موافقة بعض الشخصيات المعينة وذلك لقاء عمولات كبيرة جدا أو الحصول على نسبة من الشراكة".
لا محاسبة أو ضبط للجودة
وأضاف مصطفى أنه عقب الزلزال، لم يتحرك النظام السوري لمحاسبة المسؤولين عن الانهيارات القاتلة للمباني.
وقال "اللافت أن السلطات السورية لم تتحرك إطلاقا لمحاسبة المسؤولين عن هذا الفساد الذي أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا".
ويأتي ذلك بعكس ما قامت به السلطات التركية التي تحركت على الفور لاعتقال عدد من متعهدي العقارات على خلفية تهم التلاعب بمستندات ومواد البناء.
وأشارت تقارير إلى أن أفعال هؤلاء تسببت بانهيار أكثر من 12000 مبنى.
وذكر مصطفى أن السلطات القضائية والأمنية في تركيا تحركت على الفور وألقت القبض على عدد من الأشخاص، بينهم 2 من متعهدي البناء حاولا الهروب إلى جورجيا.
وبدوره، قال المحامي السوري بشير البسام للمشارق إنه في الفترة الأولية من الحرب، ظهرت لفظة "التعفيش" في إشارة إلى عمليات سرقة الأثاث والأجهزة من منازل الهاربين من هجوم النظام السوري.
وأوضح "لم يقتصر الأمر على سرقة أثاث المنازل، بل وصل إلى حد سحب حديد التسليح من المباني"، لافتا إلى أن هذا النشاط الإجرامي كان ينفذ "بشكل علني".
وقال "لم تتحرك قيادة الجيش أو قيادات الميليشيات لوقفها"، موضحا أن المباني التي باتت بدون تعزيزات تركت عرضة للسقوط، حتى قبل وقوع الزلزال المدمر.
وأضاف البسام أنه في هذه الأثناء، لم تخضع المباني التي تم بناؤها في مناطق سيطرة النظام وغيرها من المناطق السورية لتدابير "ضبط الجودة".
فلم تكن مواد البناء خاضعة للمراقبة أو التدقيق، ولم يتم التأكد من مواصفاتها ومن طرق البناء المستخدمة.
وقال إن هذا الإهمال شكّل كارثة أخرى إلى جانب الزلزال.
وعود فارغة
ومن جانبه، قال الناشط السوري محمد البيك إن مناطق سورية كثيرة تعرضت خلال العقد الماضي للقصف والغارات الجوية والمعارك، وكان معظمها من فعل النظام السوري وداعميه الروس.
وقد جعل ذلك الكثير من المناطق غير صالحة للسكن بسبب الدمار الذي طال المباني وانعدام وجود البنية التحتية وغياب الخدمات بما في ذلك الإسعاف والطوارئ.
وأوضح البيك أنه "رغم الوعود المتكررة التي أطلقها النظام لإغراء المواطنين للعودة إلى مناطقهم وبأنه سيقوم بإعادة تأهيل البنية التحتية وترميم المباني، إلا أن كل الوعود بقيت حبرا على ورق".
وأشار إلى أن وسائل الإعلام التابعة أو الخاضعة للنظام تروج دائما لفكرة أن الحكومة تنفذ عمليات الترميم والإصلاحات المطلوبة، "لكن لا شيء إطلاقا يحصل على الأرض".
وتابع "حتى المناطق الموالية للنظام محرومة أيضا من هذه الأعمال، مما يدل على حجم الفساد الكبير".
وقال إنه حتى عند حصول الزلزال، لم تتم تعبئة أي من آليات المؤسسات الحكومية أو الجيش.
وأوضح أن "التحرك كان تلقائيا وعفويا من بعض متعهدي البناء الصغار ومتوسطي القدرة والذين يملكون الرافعات والجرافات التي شاركت بعمليات الإنقاذ".
وأكد أن عدد الضحايا ارتفع كثيرا بسبب التأخر بعملية الإنقاذ وعدم تحرك المؤسسات الحكومية بالوقت المناسب.