موسكو -- رفعت ثلاث جماعات حقوقية دعوى قضائية في موسكو ضد مجموعة فاغنر التي تضم مرتزقة يعملون بأمر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد رفعت القضية على خلفية تعذيب معتقل في سوريا.
ويأتي هذا التحرك القانوني ضد المتعهد العسكري الخاص في أعقاب نظر محاكم بعض الدول الأوروبية لعدد من القضايا ضد مسؤولين في النظام السوري، تتعلق بممارسة التعذيب خلال الحرب الجائرة المستمرة منذ عقد من الزمن، والتي تحول مسارها بسبب تدخل موسكو العسكري عام 2015.
حيث رفع الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان ومقره باريس ومجموعة ميموريال الروسية والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير يوم الاثنين، 15 آذار/مارس، دعوى جنائية ضد عناصر مزعومين في مجموعة فاغنر بشأن قطع رأس رجل عام 2017 يعتقد أنه فر من الجيش السوري.
وقالت الجماعات الحقوقية في بيان إنها قدمت أدلة تشير إلى وجود علاقة واضحة بين فاغنر ومتهم واحد على الأقل.
وفي مقاطع فيديو لعملية القتل المروعة، يُشاهد أربعة مرتزقة روس يعملون في سوريا ضمن مجموعة فاغنر وهم يقتلون شابا سوريا.
وعمدوا إلى كسر ساقي الضحية بمطرقة ثقيلة وسحقوا صدره وقطعوا رأسه وذراعيه وعلقوا جثته من ساقيه، قبل إشعال النار في جسده.
وينحدر الضحية من بلدة الخريطه بدير الزور، وفقا لما أكده الصحافي السوري محمد العبد الله.
وكان قد أكمل خدمته العسكرية الإجبارية في الجيش السوري ثم سافر إلى لبنان ليعمل كمياوم. ولدى عودته إلى سوريا، اقتيد إلى الخدمة في الاحتياط في قاعدة تياس الجوية (تي-4) في محافظة حمص.
وأوضح العبد الله أنه هرب، لكن المرتزقة الروس أسروه في منطقة حقل الشاعر النفطي ولقي حتفه على أيديهم.
’موجة من الإفلات من العقاب'
يُعرف يفغيني بريغوزين بأنه الممول الرئيس الذي يقف وراء مجموعة فاغنر، وهو رجل أعمال من سانت بطرسبرغ وحليف لبوتين، وكان قد جمع ثروة في مجال تقديم الطعام عبر حصوله على عقود مربحة مع الجيش والحكومة في روسيا.
ويسمح هذا التمويل الخاص للكرملين بتعزيز مصالحه وتنفيذ حربه الهجينة تحت غطاء الإنكار المعقول.
وسبق للولايات المتحدة أن فرضت عقوبات على بريغوزين بسبب تدخله في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، وهو ينفي أية علاقة له بفاغنر. ومن المرجح ألا تؤدي القضية التي تحقق في "جرائم حرب" محتملة إلى أية إدانات.
لكن الإجراءات القانونية تعتبر محاولة نادرة لفضح مجموعة فاغنر، بعد عدة سنوات على ظهور أول التقارير عن نشرها في أماكن الصراعات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا .
من جانبه، قال ألكسندر تشيركاسوف، وهو عضو بارز في منظمة ميموريال، إن "هذه الشكوى مهمة لأننا لا نتعامل مع جريمة واحدة فقط. إنها موجة متكاملة من الإفلات من العقاب".
وأردف أن "الأشخاص الذين يفلتون من العقاب بعد ارتكابهم جرائم كهذه يُمنحون الفرصة لتكرارها في أماكن مثل الشيشان وشرق أوكرانيا وسوريا"، مضيفا أنهم "سيعودون في نهاية المطاف إلى روسيا ويسيرون في الشوارع بيننا".
'مسؤولية قانونية وأخلاقية'
وعلى الرغم من أن الشركات العسكرية الخاصة غير قانونية في روسيا، إلا أن مجموعة فاغنر لعبت في السنوات الأخيرة دورا متزايد الأهمية في دعم وتحقيق طموحات الكرملين في الخارج، كما يقول المراقبون.
وأرسل عناصر المجموعة إلى جانب الطائرات الحربية والقوات البرية الروسية بعد تدخل موسكو في أيلول/سبتمبر 2015 في الحرب الدائرة إلى جانب جيش الرئيس السوري بشار الأسد.
ولم تؤكد موسكو قط صحة التقارير التي تحدثت عن مرتزقة فاغنر، لكنها أعلنت يوم الاثنين عن مقتل 112 جنديا روسيا خلال عمليات قتالية منذ بدء عمليتها في سوريا.
وسُلط الضوء على وجود فاغنر في سوريا عام 2018 عندما نشرت صحيفة نوفايا غازيتا المستقلة تقريرا عن عمليات تعذيب وقتل جرت عام 2017، وهما موضوع الدعوى الجنائية التي رفعتها المنظمات غير الحكومية.
وتهدف الدعوى التي رفعت يوم الاثنين بالنيابة عن عائلة الضحية إلى إجبار موسكو على مقاضاة المتهمين من عناصر المجموعة الخاصة جنائيًا، في قضية تصفها المنظمات غير الحكومية بإنها الأولى من نوعها.
وفي وقت لاحق من يوم الاثنين، تحدثت نوفايا غازيتا عن تعرض مكاتبها في موسكو صباح ذلك اليوم إلى "اعتداء كيماوي"، ربطته بتقاريرها حول المحتجز.
ويسعى المشتكون إلى الحصول على اعتراف بالمسؤولية القانونية والأخلاقية.
من جهته، قال المدير العام ومؤسس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، مازن درويش، إنه "على الحكومة الروسية أن تتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية عن الانتهاكات التي يرتكبها جيشها، بما في ذلك الكيانات الخاصة التي تعمل تحت قيادتها والمتورطة في العمليات العسكرية الخارجية، مثل مجموعة فاغنر".
كما لفت إيليا نوفيكوف، وهو محام للأسرة السورية، إلى أن روسيا ملزمة بموجب دستورها بالتحقيق في الجرائم التي يرتكبها مواطنون روس في الخارج.
وكشف نوفيكوف إن "لجنة التحقيق لم تبادر حتى الآن إلى فتح أي تحقيق في جريمة القتل".
وأكد الكرملين يوم الاثنين علمه بالدعوى المرفوعة، لكنه وصفها بأنها "قضية تدخل ضمن صلاحيات لجنة التحقيق وليس الإدارة الرئاسية".
وتأتي الدعوى في أعقاب رفع عشرات القضايا الأخرى في ألمانيا والنمسا والسويد والنرويج ضد مسؤولين في النظام السوري من قبل نحو 100 لاجئ، وذلك بدعم من المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ومقره برلين.
ويتعاون الناشطون مع الشرطة والمحققين التابعين للأمم المتحدة في جميع أنحاء أوروبا لجمع الشهادات وغربلة عشرات الآلاف من الصور ومقاطع الفيديو والملفات، لواحد من أفضل الصراعات توثيقا في التاريخ.
وتنبه المسؤولون الأوروبيون إلى الدور الذي تلعبه مجموعة فاغنر في صراعات خارج سوريا، ففرضوا العام الماضي عقوبات على بريغوزين لمشاركة المجموعة في زعزعة استقرار ليبيا.
وفي سياق منفصل، أعلنت بريطانيا يوم الاثنين عن فرض عقوبات على ستة أعضاء في الحكومة السورية، بينهم وزير الخارجية فيصل المقداد، بتهمة "قمع الشعب السوري أو الاستفادة من بؤسه".
واستهدفت العقوبات أيضا مستشارة الأسد واثنين من كبار القادة العسكريين واثنين من رجال الأعمال.
وقالت لندن إنها تعمل أيضا من خلال مجلس الأمن الدولي لدفع سوريا "للانخراط بشكل هادف" في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة ومحادثات اللجنة الدستورية في جنيف.
وأوضحت وزارة الخارجية البريطانية أن لندن حثت دمشق على إطلاق سراح المحتجزين تعسفيا والسماح بوصول المساعدات دون عوائق إلى جميع أنحاء البلاد.