طهران -- تزايدت التهديدات ضد مجلس التعاون الخليجي في الأشهر الأخيرة، فيما يواصل الحرس الثوري الإيراني تشديد قبضته على مفاصل أكبر في الحكومة الإيرانية.
ورغم الخلاف القائم منذ فترة طويلة بين إيران والعديد من دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن التوترات تصاعدت بعدما وقعت البحرين والإمارات والمغرب والسودان على اتفاقيات سلام مع إسرائيل في إطار اتفاقيات أبراهام برعاية الولايات المتحدة.
وفي 13 أيلول/سبتمبر أي بعد يومين من توقيع إسرائيل والبحرين على اتفاقية التطبيع وبعد شهر من تطبيع الإمارات للعلاقات، هدد الحرس الثوري البحرين قائلا إن الاتفاق "يفتقر للشرعية" وإنه يأتي في إطار "مفعول تسلسلي" متعمد.
وقد حذر الحرس الثوري البحرين وغيرها من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بتوقع "انتقام حاد" من "المجاهدين المدافعين عن القدس"، وذلك في إشارة واضحة للحرس الثوري وأذرعه الإقليمية.
وأصدر الرئيس حسن روحاني ووزارة الخارجية إدانات مماثلة، في حين حذر المرشد الأعلى علي خامنئي من أن "الحكومات الإقليمية التي توافق على الجلوس على طاولة المفاوضات" مع إسرائيل "ستفقد مكانتها أمام شعبها".
وإن مبادرات السلام التاريخية هذه مع إسرائيل إضافة إلى التقارب بين السعودية وقطر، قد تركت طهران في موقف المتفرج.
مؤامرات ضد دول الخليج
وليس تهديد إيران لدول الخليج مجرد كلام. فيتدخل فيلق القدس التابع للحرس الثوري والذي يتبع قائده إسماعيل قاآني ومن قبله قاسم سليماني، مباشرة لخامنئي، منذ فترة طويلة في شؤون دول المنطقة ويسعى لزعزعة استقرارها.
وفي آخر الأمثلة على هذا العداء، تبنت ألوية الوعد الحق وهي واجهة جديدة لجماعة كتائب حزب الله العراقية التي يدعمها الحرس الثوري الإيراني، هجوما فاشلا شن يوم 23 كانون الثاني/يناير على قصر اليمامة ومواقع أخرى في الرياض.
وفي منشور لاحق على تيليغرام صدر في 27 كانون الثاني/يناير، نشرت الجماعة صورة مشوهة لبرج خليفة في الإمارات وهو يُضرب بطائرات مسيرة، وهي صورة هدفت للتذكير بهجمات 11 أيلول/سبتمبر الإرهابية في الولايات المتحدة.
كذلك، صعد الحوثيون (أنصار الله) المدعومون من الحرس الثوري من هجماتهم على قطاع النفط في السعودية مؤخرا، حيث استهدف آخر هجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة في 7 آذار/مارس منشآت شركة آرامكو في مدينة الظهران الشرقية.
وتبنى الحوثيون هجومين صاروخين سابقين على منشأة لأرامكو في جدة، أحدهما يوم 4 آذار/مارس والآخر يوم 24 تشرين الثاني/نوفمبر.
إنفاق حتى 16 مليار دولار على الميليشيات
وقد سمحت سيطرة الحرس الثوري المتزايدة على خزانة إيران للجماعة بأن تنفق بسخاء على أذرعها من الميليشيات في حين أن الإيرانيين العاديين يغرقون أكثر وأكثر في الأزمة الاقتصادية، ما يؤجج الاضطرابات المحلية التي تزداد عنفا.
وتشير الأرقام المتاحة للعامة والتي جمعتها منظمات بحثية في الولايات المتحدة وأوروبا إلى أن إيران تنفق بين 2 و3 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي السنوي، أي بين 12 و16 مليار دولار، على الميليشيات الإقليمية.
وقال محلل سابق في البحرية الإيرانية تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته إنه "من الناحية المالية، فإن ما بين 12 مليار و16 مليار دولار يعد مبلغا صغيرا نسبيا لبلد يتجاوز إجمالي ناتجه المحلي 400 مليار دولار".
وأضاف "لكن الكلفة الحقيقية هي في الفرصة الاقتصادية الضائعة [في الداخل] وخسارة إيران لمكانتها في المنطقة وخارجها".
وتابع أنه "قبل سنوات، كان من الصعب تخيل أن السوريين سيحرقون العلم الإيراني احتجاجا على أفعال الحرس الثوري الإيراني هناك، أو أن العراقيين سيخرجون إلى شوارع بغداد للاحتجاج على تدخل إيران في شؤون بلدهم".
ولطالما استخدم الحرس الثوري الإيراني عزلة إيران السياسية والاقتصادية لإثراء نفسه وتشديد قبضته على المجتمع الإيراني.
وفي حزيران/ يونيو، قدرت شركة خاتم الأنبياء للبناء التابعة للحرس الثوري، بأن الحرس الثوري يشارك في 80 في المائة تقريبا من "كل المشاريع الاقتصادية" في إيران أو يمتلكها أو يديرها، بما في ذلك المشاريع التي تركز على النقل والمياه والبناء والنفط والغاز.
توسيع النفوذ السياسي
وعلى الصعيد السياسي، يتمتع الحرس الثوري الإيراني أيضا بنفوذ مفرط.
ففي البرلمان الإيراني (المجلس) وحده، يعد نفوذ الحرس الثوري كبيرا، حيث أن شخصيات بارزة مثل القائد الإقليمي السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري إسماعيل كوثري، تشكل مجموعة كبيرة من النواب المتشددين.
هذا وكان رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني ينتمي أيضا إلى الحرس الثوري الإيراني. وكان الرئيس الحالي للبرلمان محمد باقر قاليبافالذي شغل منصب عمدة طهران قبل تولي منصبه الأخير العام الماضي، قائدا سابقا بالحرس الثوري.
وفي عام 2016، تورط قاليباف في فضيحة كبيرة بعد أن أوردت وسائل إعلام إيرانية معتدلة أنه باع عقارات مميزة لأفراد أسرته وحلفائه السياسيين بأسعار مخفضة.
وقد أنكر أي تورط في الأمر، لكنه ليس المسؤول الوحيد التابع للحرس الثوري الذي يستغل منصبه لتحقيق المكاسب المالية. ففي الصيف الماضي، اشتكى برويز فتاح مدير أكبر منظمة خيرية تدعمها الدولة في إيران من أن الحرس الثوري قد حول أموالا من المنظمة لنفسه.
وقد أصبح الفساد في إيران متفشيا للغاية لدرجة أن مسؤولين بارزين بالحرس الثوري كانوا ينكرون سابقا أي تورط في التعاملات المالية، لم يعودوا حتى يتظاهرون بفعل ذلك.
وفي آب/أغسطس، لم ينكر القائد الإقليمي للحرس الثوري في طهران أن الفساد يمثل قضية حقيقية تؤثر على كل مؤسسة في البلاد.
بدلا من ذلك، أشار إلى أن "الأموال التي يتم اختلاسها غير كبيرة بالمقارنة مع الميزانية السنوية للبلاد، ولم تتجاوز الـ 9 مليارات دولار في العقد الأخير".
وقال فاتح نابوفات وهو تاجر متقاعد يقيم في إيران، إن "هؤلاء الأشخاص يعرفون أنهم يفقدون السيطرة على البلاد، لذا فهم يقومون بما يشبه حشو الأموال النقدية في أكياس البطاطا قبل تركهم السلطة".
وتتوافق وجهة النظر هذه مع التصور العام السائد في إيران، وهو أن النظام يخدع سكان البلاد ولا يأبه برفاه الإيرانيين.