تحليل

واقع قاس ينتظر القادة الإيرانيين في ظل تصاعد الاستياء جراء الانهيار الاقتصادي

بهروز لاريكاني

باعة السجاد الإيرانيون ينتظرون المتسوقين في بازار طهران الكبير في صورة التقطت يوم 30 أيلول/سبتمبر الماضي. أشار التجار إلى أن صادرات السجاد تراجعت جراء العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة. [عطا كيناري/وكالة الصحافة الفرنسية]

باعة السجاد الإيرانيون ينتظرون المتسوقين في بازار طهران الكبير في صورة التقطت يوم 30 أيلول/سبتمبر الماضي. أشار التجار إلى أن صادرات السجاد تراجعت جراء العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة. [عطا كيناري/وكالة الصحافة الفرنسية]

يشهد الشارع الإيراني موجة غضب متزايدة في ظل ما تشهده البلاد من انهيار حاد للعملة الوطنية وتضخم مفرط وركود اقتصادي ونقص حاد في الموارد.

ومن المؤشرات الأبرز على التدهور الاقتصادي، إعلان حاكم البنك المركزي الإيراني عبد الناصر همتي في وقت سابق من الشهر الجاري أن إجمالي عائدات إيران من النفط بلغت 20 مليار دولار فقط في فترة الـ 21 شهرا المنتهية في 20 كانون الأول/ديسمبر.

ويعد ذلك تراجعا حادا مقارنة بالسنوات الماضية.

وأضاف همتي أن "المبلغ الذي يمكن للبنك المركزي الإيراني التصرف به هو أقل بكثير"، دون أن يقدم تفاصيل أكثر.

متظاهرون إيرانيون يتحلقون حول النار خلال تظاهرة بطهران في تشرين الثاني/نوفمبر 2019. [وكالة الصحافة الفرنسية]

متظاهرون إيرانيون يتحلقون حول النار خلال تظاهرة بطهران في تشرين الثاني/نوفمبر 2019. [وكالة الصحافة الفرنسية]

امرأة إيرانية تنظر إلى شاشة العرض في محل صيرفة بطهران بتاريخ 29 أيلول/سبتمبر. [عطا كيناري/وكالة الصحافة الفرنسية]

امرأة إيرانية تنظر إلى شاشة العرض في محل صيرفة بطهران بتاريخ 29 أيلول/سبتمبر. [عطا كيناري/وكالة الصحافة الفرنسية]

وما زاد الأمور سوءا، هو ما تظهره الوقائع من أن الجزء الأكبر من عائدات النفط يخصص للحرس الثوري الإيراني عوضا عن استخدامه لدعم الخدمات العامة.

وكان الحرس الثوري المدرج على قائمة الإرهاب الأميركية، قد أنفق الجزء الأكبر من هذه العائدات على قمع المعارضة الداخلية وتنفيذ المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة.

وإلى جانب سيطرته على المؤسسات العسكرية والسياسية في إيران، يتحكم الحرس الثوري الإيراني أيضا باقتصاد البلاد.

فخلال العقدين الماضيين، هيمن الحرس على الجزء الأكبر من قطاعات الاقتصاد الإيراني حتى باتت العقوبات المفروضة عليه تؤثر في الحياة اليومية للمواطنين.

وبحسب أحد التقارير التقيمية الذي نشره مقر خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري في حزيران/يونيو 2020، يملك الحرس أو يدير أو هو شريك في نحو 80 في المائة من مجمل "المشاريع الاقتصادية" في البلاد، من ضمنها مشاريع في قطاعات النقل والماء والبناء والنفط والغاز.

وأدى استشراء الفساد والزيادة الدراماتيكية في معدلات التضخم إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية ووضعا الشعب أمام ضغط اقتصادي هائل، وقد اعترف بذلك علنا المسؤولون في النظام وحتى المرشد الأعلى علي خامنئي نفسه.

يُذكر أن البنك المركزي لم يعلن رسميا عن حجم معدل التضخم في البلاد منذ العام 2018. ولكن توقعت صحيفة دنياي اقتصاد، وهي أبرز صحيفة اقتصادية في إيران، أن يرتفع معدل التضخم استناداً إلى مقياس أسعار المستهلك من 34 إلى 36 في المائة.

وقدم مركز الإحصاءات في إيران أرقاما مشابهة في أيلول/سبتمبر الماضي. وتشير الإحصاءات غير الرسمية وأسعار السلع الأساسية إلى أن التضخم سيتجاوز نسبة الـ 40 في المائة مع نهاية العام الإيراني الحالي (الذي ينتهي في 21 آذار/مارس).

وازدادت بالفعل أسعار العديد من السلع الأساسية بنسبة أكثر من 50 في المائة خلال الأشهر الـ 12 الماضية.

الغضب الشعبي وصل ʼحد الغليانʻ

وقال الخبير الاقتصادي المقيم في طهران، أحمد تافاكولابادي، إن مجرد تصور أن تتمكن إيران من تحسين اقتصادها بطريقة أو بأخرى في ظل العقوبات الحالية هو أقرب إلى الحلم منه إلى الواقع.

وأضاف أن الغضب الشعبي حيال الظروف الاقتصادية والمعيشية وصل حد الغليان، محذرا من أن الموجة التالية من الاحتجاجات الشعبية ستكون أعنف بكثير مقارنة بالاحتجاجات التي حصلت في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 جراء ارتفاع أسعار الوقود.

ولم تشهد إيران تظاهرات بالحجم الذي كانت عليه تظاهرات عام 2019 بحيث لم توازيها ضخامة إلا تلك التي رافقت اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، وتعتبر الأكبر منذ سنة 2009 عندما خرج الناس إلى الشوارع احتجاجا على انتخابات مثيرة للجدل.

ولم تتمكن السلطات من السيطرة عليها إلا بعد شن حملة قمع شرسة أسفرت بحسب منظمة العفو الدولية عن مقتل ما لا يقل عن 304 شخصا.

وتم التغطية على قساوة أعمال القمع وحصيلتها عبر قطع خدمة الإنترنت، في خطوة وصفها الناشطون بأنها محاولة لمنع انتشار المعلومات.

وذكر تافاكولابادي أنه إلى جانب إثارة موجة جديدة من التظاهرات العنيفة، قد تؤدي حالة التوتر الاجتماعي الناتجة عن التدهور الاقتصادي إلى تشكيل جماعات مسلحة سرية وإلى أعمال تخريب داخلية.

ولفت إلى أن طبيعة التظاهرات التي جرت العام الماضي مختلفة عن تلك التي جرت في العقدين الماضيين.

وتابع أنه خلافا للتظاهرات الماضية التي شهدتها مهاجع الجامعات، شكلت الطبقة الدنيا والمتوسطة والمجتمعات الفقيرة وقود احتجاجات العام 2019.

وأشار إلى أنه في طهران تحديدا، شكل سكان المناطق الأكثر فقرا مثل إسلامشهر‎ وشهريار نواة التظاهرات، وانسحب ذلك على الاحتجاجات التي جرت في المدن الإيرانية الأخرى خارح العاصمة.

وهذه الشرائح الاجتماعية هي نفسها التي يصفها الحرس الثوري بأنها "مظلومة" ويدعي دعمها.

عزلة إيران تتسع

وفي هذا الإطار، تم الضغط على النظام الإيراني بطرق عدة ليغير سلوكه، إلا أنه استمر بالمعاندةوواصل تدخله المؤذي في دول مثل العراق وسوريا واليمن عبر دعمه الميليشيات التابعة للحرس الثوري.

إلى هذا، استمر بتخصيب اليورانيوم، منتهكا بذلك شروط الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، وواصل تطوير أنظمة صاروخية ذات قدرات نووية.

وشكّل هذا السلوك العامل الأساسي الذي دفع الولايات المتحدة إلى تكثيف فرض العقوبات.

وخلال الشهرين الماضيين، ارتفعت أيضا حدة انتقاد الحكومات الأوروبية لإيران.

فأعربت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في 6 كانون الثاني/يناير الماضي عن "قلقهم البالغ" حيال قرار إيران زيادة تخصيب اليورانيوم، محذرة من مخاطر "كبيرة جدا".

هذا وأعلنت إيران في 5 تشرين الثاني/يناير عن بدئها زيادة معدل تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة، في أخطر انتهاك لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي للعام 2015.

علاوة على ذلك، تجد طهران نفسها محاصرة جليجيا من قبل الدول المجاورة لها والتي تجمعها شراكة أمنية داخلية قوية تحظى بدعم الولايات المتحدة، إضافة إلى دخول بعضها مسار تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

فإضافة إلى البحرين والإمارات، تربط علاقات اقتصادية وسياسية تركيا وأذربيجان وأرمينيا وباكستان وتركمانستان بإسرائيل.

وما يزيد من قدرة طهران على العرقلة هو الدعم الذي تحصل عليه من روسيا والصين.

ففي وقت جل ما تبتغيه موسكو وبيجين من تمكين النظام الإيراني من الوصول إلى سوق الأسلحة العالمي هو تحقيق مصالح ضيقة، فهما تخاطران بسلامة الشرق الأوسط وأمنه المستقبلي.

بدوره، قال المحلل السياسي المقيم في كرمان بإيران، فرامارز إيراني، إنه خلال السنوات الأربع الماضية كان الهدف الأساسي لموسكو هو بيع السلاح لطهران مقابل مبالغ هائلة، مستغلة عزلة طهران العالمية لتحقيق مصالحها في سوق النفط العالمي.

أما بيجين، فنصيبها من دعم إيران هو حصولها على مصادر للطاقة هي بأمس الحاجة إليها إضافة إلى منح النظام الصيني دورا أساسيا في منطقة تتمتع بأهمية استراتيجية.

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500