بيروت -- وجهت التحركات الأخيرة لجمعية القرض الحسن التابعة لحزب الله انتباها غير مرحب به على الجمعية الخيرية المزعومة، ودقت ناقوس الخطر بشأن النظام المصرفي الموازي للحزب والتهديد الذي يشكله لاقتصاد لبنان.
ففي منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، قامت جمعيةالقرض الحسن بتركيب عدد من الصرافات الآلية في مناطق سيطرة حزب الله، بما في ذلك الضاحية الجنوبية لبيروت.
وسمحت هذه الصرافات لمن حصلوا على قرض من الجمعية أو يتلقون دفعات مباشرة من الحزب المدعوم من إيران بسحب مبالغ نقدية لا حد لها بالليرة اللبنانية أو الدولار الأميركي، حسبما ذكرت وسائل الإعلام المحلية.
وطرحت هذه الخطوة علامات استفهام، لا سيما مع انهيار قيمة الليرة اللبنانية وسط الأزمة الاقتصادية والسياسية المحلية التي يلام عليها حزب الله إلى حد كبير، وفرض المصارف قيودا صارمة على سحب الدولار في ظل أزمة سيولة خانقة.
كذلك، لفتت الانتباه إلى "النظام المصرفي الموازي" لحزب الله وطرحت تساؤلات عن مصدر المال، في وقت يواجه فيه الحزب والجهة الداعمة له، أي إيران، عقوبات هائلة.
وقال مصدر مطلع على طريقة عمل الجمعية طلب عدم الكشف عن اسمه للمشارق إن حزب الله "ابتدع هذه الفكرة [لتسييل] أمواله الواردة من إيران".
وأضاف أن هذا شكل من أشكال تبييض الأموال، لافتا إلى أن الحزب المدعوم من إيران عمل على تقديم القروض النقدية لأهالي المناطق الفقيرة الخاضعة لسيطرته مقابل رهن الذهب.
وتابع أنه لإغراء المقترضين، قامت الجمعية "بتركيب ماكينات الصراف الآلي لسحب ما يريدون من الدولارات وقت ما يشاؤون، مع إمكانية تجديد القرض طالما أن الذهب بحوزة الجمعية".
كذلك، ذكر مصدر آخر طلب عدم الكشف عن اسمه الكامل ويدعى حيدر، أنه رهن ذهب زوجته لدى جمعية القرض الحسن لقاء قرض بقيمة ألف دولار قبل عدة سنوات، "ولكني بعدما سددت المبلغ بعد عدة أشهر، لم أسترد الرهن وتعرض كثيرون لموقف مشابه".
سوق مالية موازية
وأوضح الخبير القانوني الدولي بالشؤون الاقتصادية علي زبيب أن جمعية القرض الحسن مسجلة بصورة رسمية كجمعية خيرية لدى وزارة الداخلية وأن له القدرة على تقديم القروض النقدية.
وأشار إلى أن هذه جمعية وليست مصرفا، وبالتالي لا يحق لها مزاولة أعمال مالية ربحية. ولفت إلى أن مالية المؤسسة "تتخطى المليار دولار وأعطت حتى اليوم حوالي مليون قرض".
يُذكر أن جمعية القرض الحسن كانت قد أدرجت على لوائح العقوبات لوزارة الخزانة الأميركية في العام 2007، كونها منظمة تشكل "العمود الفقري المالي" لحزب الله.
ورأى زبيب أن المشكلة "ليست بماكينات الصراف الآلي كونها أداة تنفيذية بسيطة، إنما لأن القرض الحسن كجمعية ليست مصرفا تابعا لمصرف لبنان".
وتابع أن الجمعية "لا تعمل ضمن قطاع النظام المصرفي التقليدي، وهي غير خاضعة لأية رقابة رسمية".
وقال إن المتعاملين مع جمعية القرض الحسن ويستخدمون صرافاتها الآلية هم "خارج نطاق النظام المصرفي"، مشيرا إلى أن الغالبية الكبرى، أي نحو 90 في المائة منهم، مقربون من حزب الله أو يقيمون في المناطق الخاضعة له.
وأضاف أنه كونها خارج نطاق النظام المصرفي، حاولت الجمعية كما حاول أمين عام حزب الله حسن نصرالله، الابتعاد عن الأزمة المصرفية الحالية وتداعياتها التي قد تشمل عقوبات.
وأوضح زبيب أنه في أكثر من مناسبة، صدرت عن نصرالله تعليقات تشير إلى إقرار ضمني بأن الحزب يعمل بنظام مالي خارج عن نطاق النظام المالي التقليدي.
وكان نصرالله قد قال في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، "نحن ليس لدينا أموال في البنوك ومعروف مصدر أموالنا".
ولكن ثمة مؤشرات كثيرة على أن جمعية القرض الحسن تعمل كمصرف.
وظهرت في 29 كانون الأول/ديسمبر أدلة جديدة بشأن تعاملاتها، عندما خرقت مجموعة القرصنة "سبايدرز" التدابير الأمنية للجمعية، كاشفة تعاملاتها غير المشروعة مع مصارف محلية ودولية.
ونشر القراصنة لوائح عن المقترضين والمودعين في كل فروع الجمعية، مع تفاصيل كاملة عن القروض بما في ذلك القيمة الإجمالية ومبالغ السداد.
كذلك، نشروا وثائق الميزانية لجمعية القرض الحسن وفروعها لسنتي 2019 و2020، وهددوا في فيديو مصاحب للوثائق بالكشف عن مزيد من المعلومات في المستقبل القريب.
مصدر الأموال ʼمجهولʻ
وفي هذا الإطار، قال الخبير الاقتصادي جهاد حكيّم إن تركيب جمعية القرض الحسن للصرافات الآلية قد "يضاعف" كمية الدولارات في السوق الموازية، لافتا إلى أن مصدر الأموال "مجهول وقد يكون إيران أو ليبيا أو العراق".
وتابع أن "جمعية القرض الحسن تؤسس سوقا موازية، وقد تشجع جمعيات ومؤسسات أخرى على تقليدها".
وذكر أنه في هذه الحال، "نصبح أمام مؤسسات رديفة للقطاع المصرفي التقليدي الذي قوّض"، ومعه الاقتصاد اللبناني.
وبدوره، قال الكاتب السياسي طوني عيسى إن الصرافات الآلية لجمعية القرض الحسن هي جزء من جهود حزب الله الهادفة إلى تدعيم المناطق الخاضعة له "ماليا واقتصاديا، لمنح قروض بالدولار الأميركي" لمعاقله فقط.
وأضاف في حديث للمشارق أن "حزب الله يجهز نفسه ومناصريه للتعايش خارج القطاع المصرفي الذي [قد] يستهدف بالعقوبات الأميركية".
وأشار إلى تقديم قانون مكافحة تبييض حزب الله الأموال للعام 2020 بمجلس النواب الأميركي في 30 أيلول/سبتمبر الفائت.
وطالب مشروع القانون بإخراج المصارف الواقعة في مناطق سيطرة حزب الله من النظام المالي الدولي، الأمر الذي سيصعب على الحزب تنفيذ مسعى إيران بدعم النظام السوري والحوثيين (أنصار الله) في اليمن.
وإضافة إلى المطالبة بعقوبات على المؤسسات المصرفية اللبنانية في المناطق الخاضعة لحزب الله، يطالب مشروع القانون بفرض عقوبات على المسؤولين الحكوميين في دول أميركا اللاتينية التي يحصل الحزب منها على التمويل.
وقال عيسى "في حال تم إقرار هذا القانون، قد يتم فصل جزء كبير من النشاطين الاقتصادي والمالي بمناطق الحزب عن أنشطة سائر المناطق اللبنانية، وفك ارتباط القطاع المصرفي بالحزب".
وأكد أن هذا ما يخشاه حزب الله.