يتراجع سريعا نفوذ جمهورية إيران الإسلامية في المنطقة بما في ذلك في العراق وسوريا، في ظل سلسلة من الهزائم والنكسات التي طالت الحرس الثوري الإيراني.
ويعتبر محللون أن العامل الرئيسي وراء مثل هذه الإخفاقات المتزايدة، يعود إلى نقص السيولة جراء العقوبات الأميركية.
وقال الخبير السياسي كريم صماديان للمشارق، "طوال سنوات، زعم الحرس الثوري أن تواجد إيران النشط في المنطقة متجذر في الدين وفي النفوذ الروحي للمرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي".
وأضاف أن "النظام ادعى حتى إحدى المرات أن [الرئيس الروسي فلاديمير] بوتين و[الرئيس التركي رجب طيب] أردوغان متأثران بسلطة خامنئي الروحية".
وتابع أن الادعاءات نفسها قد وردت عن تنظيم وحشد الجماعات المقاتلة في المنطقة. ومن أفغانستان إلى سوريا، كانت الجماعات شبه العسكرية المتحالفة مع إيران تعرف بـ "الحلفاء الروحيين والأيديولوجيين".
أموال أقل ونفوذ متراجع
وفي ظل العقوبات الأكثر صرامة وحملة "الضغط الأقسى" التي تفرضها وتمارسها الولايات المتحدة، يبدو أن إيران غير قادرة على دفع الميليشيات التي تمولها. ويقول مراقبون إن التراجع الملحوظ في عائدات النفط الإيرانية قد أدى إلى تراجع محتم في نفوذ إيران الإقليمي.
وقال إن الحرس الثوري "يواجه مصاعب مالية حاليا، ولا تتوفر له ما يكفي من المال لملء جيوب قياداته وحلفاءه الإقليميين".
وذكر صمديان أن سبب التصعيد الأخير مع الخلاف والسخط في صفوف الأذرع الإيرانية، يتمثل أيضا بنقص التمويل، مما يظهر أن المال لطالما شكل "أيديولوجية" الحرس الثوري الحقيقة وليس الدين.
وفي هذا السياق، قال رئيس مؤسسة "المستضعفين" برويز فتاح الذي كان يشغل سابقا منصب مدير قوات تعاونية الحرس الثوري، في مقابلة تلفزيونية أجريت في نيسان/أبريل الماضي إن قائد الحرس آنذاك قاسم سليماني قد طلب منه مرة المساعدة لتأمين المال للميليشيا.
وبحسب فتاح، طلب سليماني المال فيما كان يواجه صعوبات مالية، ليتمكن من دفع رواتب عناصر ميليشيا فاطميون في سوريا (وهم مقاتلون أفغان مدعومون من إيران).
وقد ووجهت تصريحات فتاح بانتقادات لاذعة من قبل جهات إصلاحية ومعتدلة في إيران، مع أن المحافظين أمثاله بقوا صامتين. وقال منتقدون إن لم يكن ينبغي أن يتحدث فتاح عن أسرار النظام ونقص تمويل الحرس الثوري.
وفي إشارة إلى مقابلة فتاح، لفت صمديان إلى أن "واقع أن الحرس الثوري لم يعد قادرا على تأمين رواتب [كافية] لأذرعه، يشكل السبب المباشر لتلاشي نفوذه يوما بعد يوم في المنطقة".
اعتماد حزب الله المالي على إيران
هذا ويبعد نفوذ إيران المالي الحالي في المنطقة كل البعد عما كان عليه مثل 15 عاما. ففي حزيران/يونيو 2006، كان أمين عام حزب الله حسن نصرالله قد أعلن أنه "غير قلق بشأن العقوبات المصرفية الأميركية" كون كل تمويل الميليشيا التابعة لها "يأتي من إيران".
وشكر خامنئي، قائلا إن حزب الله تلقى "كل ما يحتاج إليه من طعام ولباس وصواريخ" من إيران.
وقالت الخبير في الشؤون السياسية والطالبة الناشطة سابقا زهراء زنجاني، "على مدى سنوات، لم يخف المسؤولون في الجمهورية الإسلامية فكرة أنهم من خلال دفع المال، تمكنوا من إنشاء أذرع لهم بهدف توسيع نفوذهم في المنطقة".
وأوضحت للمشارق أن تصريحات نصرالله في العام 2006 "قوبلت بموجة معارضة عارمة من قبل الشعب الإيراني، إلا أن وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري الإيراني دافعت في الواقع عن المدفوعات الموجهة لحزب الله".
العقوبات تضعف الحرس الثوري
وأشارت زنجاني في حديثها للمشارق إلى أنه في ظل العقوبات الأكثر صرامة المفروضة اليوم، "لم يعد بالإمكان إنفاق أموال الشعب الإيراني في مغامرات إقليمية. وخلال السنوات القليلة الماضية، اشتكى عناصر حزب الله من عدم الحصول على الأموال بصورة منتظمة."
وفي حزيران/يونيو الماضي، تحدثت معلومات عن عدم تمكن القائد الجديد لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الجنرال اسماعيل قآاني، من أخذ المال معه إلى العراق لعدم توفره.
وعوضا عن المال، قدم قآاني خواتم من الفضة لبعض قيادات الميليشيات التابعة لإيران، موضحا لهم أن عليهم خلال هذه الفترة الاعتماد على الحكومة العراقية للحصول على التمويل.
وذكرت زنجاني أنه في حين واجه الإيرانيون تضخما غير مسبوق وبطالة ومشاكل مالية أخرى، تم على مدى سنوات إنفاق أموالهم على حملة التوسع غير المنطقية لخامنئي والحرس الثوري الإيراني.
وتابعت أن الحرس الثوري وخامنئي أنفقا طوال سنوات مليارات الدولارات من عائدات النفط، لزرع الفوضى وتوسيع رقعة نفوذهما الإقليمية الأشبه بنفوذ المافيات.
وختمت زنجاني "أعتقد أن خامنئي لم يعد يحتل المنصب الذي كان فيه قبل 10 سنوات. أصبح اليوم شخصية مكروهة في كل أنحاء المنطقة، حتى في صفوف الشيعة".