بعد أسبوعين من تمرد مجموعة فاغنر على الدولة الروسية، لا يزال وضع مقاتليها في سوريا غامضا، وينسحب الغموض على مكان وجود مؤسسها وممولها وقائدها يفغيني بريغوجين.
وفور حصول هذا التمرد الفاشل، سافر نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي فيرشينين إلى سوريا حيث أبلغ نظام بشار الأسد بأن قوات مجموعة فاغنر لن تستمر بالعمل في بلاده بشكل مستقل.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في 28 حزيران/يونيو أنه طالب الأسد بمنع مرتزقة مجموعة فاغنر من مغادرة سوريا بدون إشراف وإذن من موسكو.
وأكد موقع المونيتور في 1 تموز/يوليو تقارير أفادت بأن الكرملين أبلغ كبار المسؤولين في سوريا وأماكن أخرى بأنه سيتولى إدارة قوات مجموعة فاغنر.
ولكن كشف اعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 27 حزيران/يونيو بأن مجموعة فاغنر "ممولة بالكامل" من قبل الكرملين، أن هذه المجموعة كانت تعمل طيلة الوقت كذراع للدولة.
حرب ضمن الحرب؟
وأفاد موقع العربي الجديد في 27 حزيران/يونيو أنه بعيد بدء تقدم مجموعة فاغنر نحو موسكو، انقضت الشرطة العسكرية الروسية وجهاز مخابرات النظام السوري على مسؤولي مجموعة المرتزقة في سوريا.
وذكرت قناة الحدث الإخبارية أن هذه الأجهزة اعتقلت قادة وعناصر مجموعة فاغنر في مختلف أنحاء البلاد، وبينهم رئيس الوحدة المسؤولة عن التجنيد في السويداء.
ونقلت القناة أن 3 قادة رفيعي المستوى اعتقلوا داخل قاعدة حميميم الجوية الخاضعة لروسيا في محافظة اللاذقية، وأن الشرطة الروسية داهمت 3 قواعد لمجموعة فاغنر في دير الزور وحماة ودمشق.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان في 28 حزيران/يونيو أن القوات الروسية أعطت عناصر مجموعة فاغنر خيار مغادرة سوريا أو الانضمام إلى الجيش الروسي والعمل في سوريا.
وأردف أنه سيتم أيضا تسريح السوريين المتعاقدين مع مجموعة فاغنر وفقا لجدول زمني تحدده القوات الروسية، وسط مخاوف من تمرد مجموعة فاغنر على القوات النظامية الروسية والسورية.
ونفت قنوات تلغرام المرتبطة بمجموعة فاغنر التقارير التي تحدثت عن اعتقالات، حسبما أفاد موقع المونيتور في 30 حزيران/يونيو.
ومنذ ذلك الحين، قال مسؤولون أميركيون للموقع إنهم يواصلون رصد تحركات منتظمة في المنطقة لعناصر فاغنر الذين يعتمدون على قاعدة حميميم كمركز لوجستي لهم.
علاقة تكافلية
يُذكر أن مجموعة فاغنر دخلت إلى سوريا عندما تدخلت القوات الروسية في الحرب الدائرة بالبلاد في أواخر أيلول/سبتمبر 2015 دعما للنظام السوري.
وأوضح المرصد أنه تم التعاقد مع مجموعة المرتزقة من أجل تنفيذ عمليات أمنية داخل سوريا وخوض معارك عسكرية على الجبهات ضد فصائل المعارضة وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وعلى الرغم من دور الجماعة المزعوم كـ "صائدي داعش"، اتضح مع مرور الوقت أن هؤلاء المرتزقة تواجدوا في سوريا للدفاع عن المصالح الاقتصادية لروسيا بالدرجة الأولى، وتحديدا بحقول الفوسفات وآبار النفط والغاز.
وكشف المرصد أن قوات مجموعة فاغنر في سوريا تتألف من نحو ألفي مواطن روسي ومن آخرين من دول الاتحاد السوفيتي السابق والبلقان، بالإضافة إلى نحو 3000 مجند محلي.
وتم نقل بعض المجندين المحليين للخدمة في مناطق أخرى حيث تعمل مجموعة فاغنر، وبينها أوكرانيا ودول إفريقية عدة.
وقال المرصد إن مرتزقة فاغنر ينتشرون في سوريا بمناطق اللاذقية وحماة وحمص وتدمر ودير الزور وحلب والحسكة ودمشق وظلوا فيها حتى تمرد المجموعة.
وأكد أن عناصر فاغنر يتمركزون في قواعد روسية بمحافظة حلب ومع القوات الروسية في معسكرات عدة ببلدة ربيعة في محافظة حمص.
وأشار المرصد إلى أن "القوات الروسية نفت علاقتها بقوات فاغنر في سوريا".
وأضاف "لكن كل التطورات على الارض تثبت أن تحركات الشركة الروسية وعملياتها لا تتم إلا بعد التنسيق مع القوات الروسية وجهاز المخابرات الروسي".
وفي هذه الأثناء، "يتمتع [عناصر مرتزقة مجموعة فاغنر] بالامتيازات نفسها الممنوحة للجنود الروس، ويخضعون للعقوبات نفسها المطبقة في الجيش الروسي".
وتابع المرصد أنه "علاوة على ذلك، يتم نقل قوات شركة فاغنر إلى سوريا على متن طائرات روسية تهبط في قاعدة حميميم العسكرية".
ومع ذلك، فإن قوات المرتزقة لا تشكل "إلا فرقة صغيرة من الوجود العام للكرملين في سوريا"، وفقا لموقع المونيتور.
تداعيات التمرد
وفي هذا السياق، رجّح محللون أن تزداد العلاقة الغامضة أصلا بين مجموعة فاغنر والقوات الروسية النظامية تعقيدا.
وفي تقرير صدر في 1 تموز/يوليو، أشار الكاتب في موقع المونيتور أنتون مارداسوف إلى أن هيكل مجموعة فاغنر في سوريا "معقد للغاية".
وقال "لا أعتقد أن الجيش سيبدأ بتغييره بين ليلة وضحاها".
وأضاف "أظن أن المخابرات العسكرية كانت تتحكم دوما بعملياتهم بطريقة أو بأخرى، وهذه السيطرة ستستمر".
من جهة أخرى، تبدو مجموعة فاغنر تائهة مع تواري زعيمها بريغوجين عن الأنظار عقب التمرد، ولا يزال الشك يحيط بمصير المجموعة والاتفاق الذي وضع حدا لحركة التمرد.
هذا وساعد الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في عقد اتفاق لإنهاء التمرد، على أن يتم بموجبه نفي بريغوجين وعدد من مقاتليه إلى بيلاروسيا.
وتنص الخطة على أن يوقّع مقاتلو مجموعة فاغنر الذين يريدون مواصلة القتال لصالح روسيا عقودا مع الجيش النظامي.
ولكن ذكر لوكاشينكو يوم الخميس، 6 تموز/يوليو، أن بريغوجين كان لا يزال في روسيا.
ويوم الاثنين، أفاد الكرملين بأن بوتين التقى بريغوجين في 29 حزيران/يونيو في الكرملين، معلنا عن الاجتماع بعد أن أدان بوتين المتمردين واصفا إياهم بـ"الخونة" وحذر من خطر اندلاع حرب أهلية، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن "الرئيس قدم تقييمه لأحداث 24 حزيران/يونيو"، مضيفا أن بوتين "استمع [أيضا] إلى إفادات قدمها قادة (فاغنر)".
وخلال الاجتماع الذي استمر 3 ساعات ونصف الساعة مع قادة فاغنر، قدم لهم بوتين "خيارات بديلة لتوظيفهم"، شمل بعضها أدوارا قتالية.
ولكن يبقى من غير الواضح كيف سيترجم ذلك على أرض الواقع لا سيما في سوريا، ومن سيتخذ القرارات من الآن وصاعدا في ظل عدم معرفة موقع بريغوجين والتكهنات المرتبطة بإمكانية إجراء تغييرات في القيادة العسكرية الروسية.