اعترف رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين للمرة الأولى علنا بأنه أسس مجموعة فاغنر، واصفا جيش المرتزقة الغامض التابع له بأنه "مجموعة من الوطنيين".
ولكن يخالفه العديد من مواطني البلدان التي تشهد حالة توتر وحيث تنتشر مجموعة المرتزقة الروسية وبينها سوريا، الرأي نظرا لتاريخ المجموعة الطويل والمروع المطبوع بالاستغلال وارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان.
ويوم الاثنين، 26 أيلول/سبتمبر، أقر بريغوزين وهو حليف مقرّب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه أسس المجموعة لإرسال مقاتلين إلى منطقة دونباس في أوكرانيا عام 2014، مع الإشارة إلى أن بوتين كان قد نفى سابقا أي علاقة له بفاغنر.
وقال بريغوزين في بيان صادر عن شركته كونكورد "قمت شخصيا بتنظيف الأسلحة القديمة واكتشاف كيفية عمل السترات الواقية من الرصاص والبحث عن متخصصين يمكنهم مساعدتي بذلك".
ووصف مقاتليه المرتزقة قائلا إن "هؤلاء الرجال الذين هم أبطال دافعوا عن الشعب السوري وشعوب أخرى في الدول العربية والأفارقة ومواطني أميركا اللاتينية المعوزين، باتوا اليوم حجر أساس لوطننا الأم".
يُذكر أن مجموعة فاغنر متهمة بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات وبالتدخل في صراعات حول العالم بما في ذلك أوكرانيا وسوريا وليبيا ومالي وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى والسودان وموزمبيق وفنزويلا.
وقال منتقدون إن مجموعة فاغنر تشكل "جيش الظل" التابع لبوتين ويستخدم لتحقيق مصالح الكرملين باعتماد سياسة الإنكار المعقول.
عمليات قتل مروعة في سوريا
وفي 15 آذار/مارس 2021، قدمت 3 مجموعات حقوقية شكوى قانونية تاريخية في موسكو ضد مجموعة فاغنر على خلفية عملية قطع رأس رجل سوري عام 2017 وانتهاكات أخرى اعتبرتها جرائم حرب.
ولكن رفضت محكمة مدينة موسكو القضية في آذار/مارس 2022.
وفي مقاطع فيديو أظهرت عملية القتل المروعة، شوهد 4 عناصر من المرتزقة الروس كانوا متواجدين في سوريا ضمن مجموعة فاغنر وهم يقتلون شابا سوريا.
فقاموا أولا بكسر ساقيه مستخدمين مطرقة ثقيلة، ثم سحقوا صدره وقطعوا رأسه وقطعوا ذراعيه وعلقوا جثته من ساقيه قبل إشعال النار على جسده.
وعقب ظهور الفيديو، قال الصحافي السوري محمد العبدالله للمشارق إن الضحية يتحدر من بلدة الخريطة بدير الزور.
وكان قد أكمل خدمته الإلزامية في الجيش السوري قبل السفر إلى لبنان ليعمل بأجر يومي. ولدى عودته إلى سوريا، اقتيد إلى الخدمة في الاحتياط بقاعدة التياس الجوية (تي-4) في محافظة حمص.
وأوضح العبدالله أنه هرب لكن المرتزقة الروس ألقوا القبض عليه في منطقة حقل الشاعر النفطي ليلقى مصيره المظلم على أيديهم.
الاستفادة من الحرب
ومن جهته، قال المحامي السوري بشير البسام إن روسيا سعت للسيطرة على الموارد الطبيعية الأساسية في سوريا، حيث تقاتل لدعم نظام بشار الأسد الوحشي.
وأضاف أن الموارد المستهدفة تشمل البترول والفوسفات والسيليكون، وتم جلب مجموعات مرتزقة مثل فاغنر تحت ذريعة محاربة مجموعات مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) لحماية تلك الموارد.
ويقيم مستشارو النفط والغاز الروس الآن في مدينة تدمر السورية، إلى جانب فنيين من شركة إيفرو بوليس وهي شركة روسية أخرى يمكلها بريغوزين.
وتسيطر مجموعة فاغنر على تدمر، جنبا إلى جنب مع الشرطة العسكرية الروسية.
وأوضح العبدالله أن إيفرو بوليس أبرمت عقودا طويلة الأمد مع النظام السوري تمنحها 25 في المائة من عائدات النفط والغاز المستخرج في المناطق الخاضعة لسيطرة مجموعة فاغنر.
وقال إن مجموعة فاغنر توفر الحماية للفنيين في تدمر وفي تنقلاتهم اليومية من حقول الغاز والنفط وإليها.
وتوفر أيضا "الحماية" للحقول، فضلا عن مصنع الأسمدة الكيماوية بالقرب من حمص وحول عدد كبير من مناجم الفوسفات في تدمر.
نهب وقتل واغتصاب
ونهب مرتزقة مجموعة فاغنر موقع اليونسكو في تدمر، حسبما قال القائد السابق بشركة فاغنر مارات جابيدولين للموقع الإخباري الروسي المستقل ميدوزا في كانون الأول/ديسمبر 2020.
وذكر أنه رأى "حجارة قديمة" و"نقش بارز" في قواعد فاغنر بسوريا.
وأفادت مجلة فورين بوليسي في 25 آذار/مارس، أن المرتزقة السوريين والليبيين في جمهورية إفريقيا الوسطى نفذوا أعمال نهب واسعة النطاق شملت سرقة الدجاج والماعز والماشية الأخرى، إضافة إلى سرقة المال والدراجات النارية والفراش.
وفي تموز/يوليو 2018، قتل في كمين 3 صحافيين كانوا يجرون أبحاثا عن عمليات مجموعة فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى لصالح وسيلة إعلامية استقصائية.
وفي أواخر آذار/مارس، أسفرت عملية نفذت في مدينة مورا بمالي عن مقتل مئات الأشخاص.
ووصف الجيش المالي وشهود عيان قابلتهم الصحافة ومنظمة هيومن رايتس ووتش العملية بأنها مذبحة طالت المدنيين وتخللتها عمليات اغتصاب ونهب نفذها جنود ماليون ومقاتلون أجانب يعتقد أنهم روس.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، ظهر مقطع فيديو لبريغوزين في مستعمرة عقابية بوسط روسيا وهو يعرض على السجناء عقودا للقتال في أوكرانيا ضمن شروط أقل ما يقال فيها إنها مرعبة.
وقال لهم "إذا خدمتم لمدة 6 أشهر، تعودون إلى دياركم كأحرار. وإذا قررتم البقاء [مع فاغنر] يمكنكم ذلك. لن يعود أحد منكم إلى السجن".
وأضاف "إذا وصلتم إلى أوكرانيا وقررتم أنكم غير مؤهلين للقيام بما يتوجب عليكم، فسنعتبر ذلك انشقاقا وسنطلق عليكم النار. هل من أسئلة يا رفاق؟".
’طباخ بوتين‘
ونشأ بريغوزين البالغ من العمر 61 عاما، في بيئة متواضعة ليصبح جزءا من الأوساط المقربة من بوتين. وأمضى 9 سنوات في السجن بعد إدانته بتهمة الاحتيال والسرقة قبل الظهور مجددا في عام 1990.
وفي تسعينيات القرن الماضي، أطلق مشروعا تجاريا نجح فيه نسبيا في مجال بيع النقانق.
ومن هناك انخرط في مجال المطاعم وافتتح مطعما فاخرا في سانت بطرسبرغ كان من بين زبائنه بوتين الذي كان آنذاك في مرحلة انتقالية بين العمل لصالح الاستخبارات السوفيتية وممارسة السياسة على الصعيد المحلي.
وعملت مجموعة التموين كونكورد التي أسسها بريغوزين لصالح الكرملين، ما أكسبه لقب "طباخ بوتين".
ووصفته تقارير في وسائل الإعلام الروسية بأنه ملياردير لديه ثروة طائلة كوّنها عبر حصوله على عقود حكومية، علما أن الحجم الحقيقي لثروته ما يزال مجهولا.
وكان حتى اليوم يصر على عدم وجود أي علاقة له بمجموعة فاغنر.
وفي يونيو/حزيران الماضي، زعم بريغوزين أمام المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي قائلا "ليس لدي أي علم بوجود كيان يعرف باسم مجموعة فاغنر"، وذلك خلال سعيه للطعن في قرار صدر عام 2020 وقضى بتجميد أصوله في الاتحاد الأوروبي ووضعه في القائمة السوداء للتأشيرات على خلفية نشر مقاتلي فاغنر في ليبيا.
ورفضت المحكمة مرافعة بريغوزين.
واليوم، يخضع بريغوزين والشركات التابعة له لعقوبات في أوروبا والولايات المتحدة وهو مدرج على قائمة المطلوبين لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي "لتورطه المزعوم في مؤامرة للاحتيال على الولايات المتحدة".