تحليل

تقرير يكشف كيف ورطت روسيا مرتزقة سوريين في صراعات خارجية

فريق عمل المشارق ووكالة الصحافة الفرنسية

مرتزقة جندتهم روسيا بالقرب من تدمر السورية في العام 2017. [صائدو داعش/تويتر]

مرتزقة جندتهم روسيا بالقرب من تدمر السورية في العام 2017. [صائدو داعش/تويتر]

كشف تحقيق استقصائي الأسبوع الماضي أن مجندين روس استغلاليين قاموا بسرقة رواتب العديد من المقاتلين السوريين، مستخدمين القوة في بعض الأحيان، في مناطق تشهد حروبا مثل ليبيا وناغورنو كاراباخ، مما دفع العديد من هؤلاء الشبان إلى ارتكاب جرائم كالنهب والاستغلال الجنسي والخطف من أجل البقاء على قيد الحياة.

وجندت روسيا منذ أواخر العام 2019 آلاف الرجال كمرتزقة بشكل مباشر أو غير مباشر، في الحرب السورية المستمرة منذ عشر سنوات، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.

وأجرى المركز السوري للعدالة والمساءلة بالتعاون مع سوريون من أجل الحقيقة والعدالة دارسة بشأن التجنيد الاستغلالي لهؤلاء المرتزقة ونشرها في 27 أيار/مايو.

هذا وقامت جهات عسكرية روسية، مثل جماعة فاغنر الغامضة، بتجنيد عناصر سابقين في الجيش النظامي السوري ومقاتلين في الجماعات الميليشياوية الحليفة له.

وذهب الشبان السوريون الذين تحولوا إلى مرتزقة والذين جندتهم روسيا إلى ليبيا لأكثر من عام لدعم قوات القائد العسكري الليبي خليفة حفتر المدعوم من موسكو.

وحارب آخرون العام الماضي في منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها.

وقال محمد العبدالله المدير التنفيذي في المركز السوري للعدالة والمساءلة إن "مشاركة السوريين كمرتزقة في المعارك الخارجية تهدف إلى تعزيز ودعم بعض أكثر الجماعات المسلحة إجراما داخل البلاد".

أما المدير التنفيذي بمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بسام الأحمد، فشدد على "ضرورة أن يحاسب المجتمع الدولي المتورطين، مع معالجة الأسباب الأساسية التي تجعل من عمل المرتزقة مصدر الدخل الوحيد لشريحة كبيرة من السوريين".

تضليل وامتناع عن الدفع

ويشرح التقرير كيف أن العديد من المقاتلين الذين أرسلوا إلى ليبيا أو ناغورنو كاراباخ، لم يكن لديهم الخيار في هذه المسألة ولم يتلقوا إلا جزءا من الأموال التي وعدهم بها المجندون.

وقد علم مراقبون بوجود حالات تعويضات غير مدفوعة بعد أن قتل مرتزقة سوريون في ليبيا وفي ناغورنو كاراباخ.

وبحسب التقرير، تعتمد القوات الروسية في سوريا على سماسرة في المحافظات وعلى شخصيات عشائرية لتجنيد المرتزقة، لا سيما في محافظتي حمص ودير الزور.

وقد روّج هؤلاء الأفراد لعقود المرتزقة في مناطقهم لصالح الفيلق الخامس، وهي وحدة من الجيش السوري أنشأتها روسيا، وأوصوا بلوائح من المجندين للقوات الروسية، حسبما ذكر أحد ضباط الوحدة.

وجاء في التقرير أن الرواتب الشهرية التي عرضت ترواحت بين ألف وألفي دولار بحسب تخصص المرتزقة، لكنها لم تشمل تعويضات في حالات الإصابة أو الوفاة.

وتلقى المجندون الأموال بصورة مباشرة أو عبر سماسرة حصلوا على عمولة.

وفي حالة ناغورنو كاراباخ، قامت القوات الروسية آنذاك بنقل المجندين إلى قاعدة حميميم الجوية التي يديرها الروس في محافظة اللاذقية بسوريا، قبل أن ينقلوا على متن طائرات إلى المنطقة المتنازع عليها، حسبما ذكر التقرير.

وقال ضابط الفيلق الخامس لباحثين ميدانيين إن السوريين الذي كانوا يتوقعون القتال في ليبيا ووجدوا أنفسهم في ناغورنو كاراباخ، "كانوا يجهلون تفاصيل العملية" ولم يكونوا على علم بأنه مهماتهم قد تغيرت إلى حد كبير.

ولفت التقرير إلى أن الدور المحدد للمرتزقة السوريين الذين أحضرتهم روسيا إلى ناغورنو كاراباخ لا يزال مجهولا.

وكان بعض المقاتلين مسؤولين عن حراسة المرافق العسكرية واللوجستية.

وذكر التقرير أنه بما أن بعض المقاتلين كانوا قد عملوا في السابق كمرتزقة في ليبيا، من الممكن أن يكون الكرملين قد خطط لدور قتالي لهم في ناغورنو كاراباخ.

وقد دعمت هذه الفرضية شهادة عائلات السوريين الذين قتلوا في المعارك بناغورنو كاراباخ.

وفي هذا السياق، قال العبدالله إن ترك مقاتلين يشاركون في عملية سرية دون تلقي رواتب عالقون في منطقة حرب أجنبية يدفعهم للجوء للجريمة.

وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية أن "تخفيض الرواتب دفع بالمقاتلين الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون إلى التورط في المزيد من الأنشطة الإجرامية".

وتابع أن المرتزقة السوريين ارتكبوا عمليات نهب واستغلال جنسي وخطف في ليبيا.

وأشار التقرير إلى أنه كان لتجنيد المرتزقة أيضا آثار سلبية على النساء والأطفال الذين بقوا في سوريا.

حيث واجهت غالبية العائلات التي تحول معيلها الأساسي إلى الارتزاق "صعوبات اقتصادية أكبر واضطرابات اجتماعية".

وغالبا ما قام المجنِدون بتضليل عائلات السوريين المقاتلين في ناغورنو كاراباخ أيضا. ففوجئ العديد من العائلات لدى معرفتها بأن أفرادها يقاتلون هناك عوضا عن ليبيا.

وطالب التقرير روسيا "بوقف تمويل وتجنيد الجماعات المسلحة السورية أو الأفراد السوريين سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة لغرض القتال كمرتزقة في الخارج".

ازدواجية روسية

ويؤكد التقرير الأخير تاريخ من الازدواجية الروسية في سوريا.

وفي هذا الإطار، قال نزار بو علي، وهو ناشط من منطقة السويداء السورية، في نيسان/أبريل الماضي إن إعلانات وظيفية تستهدف الشباب السوري تظهر بصورة دورية على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عناوين مختلفة مثل "عقد عمل مع أصدقائنا" أو "فرصة عمل مع الأصدقاء الروس".

وأوضح أن هذه الإعلانات تسرد بعض المتطلبات كالعمر والوضع الصحي والوثائق المطلوبة، في حين تبقى غامضة عن قصد في ما يتعلق بالمسمى الوظيفي أو مواصفات العمل.

وتابع أن بعض الإعلانات تعرض رواتب مغرية مقابل عمل "أمني" في ليبيا.

وأضاف أن عددا من الشبان السوريين، وبينهم أحد أقربائه، استجابوا لإعلان عن فرصة عمل ذات راتب جيد في ليبيا، نظرا لنقص فرص العمل وتدهور أوضاعهم المالية.

وذكر "اتصلوا بالجهة التي طرحت الإعلان، وطُلب منهم التوجه إلى قاعدة حميميم مع إحضار وثائقهم الرسمية. وخضعوا هناك لفحص طبي سريع".

وأوضح "قاموا بتوقيع عقود عمل مدتها 3 أشهر قابلة للتمديد، تنص على أن... العمل يتعلق بحماية منشآت النفط، وطُلب منهم عدم الكشف عن الأسرار أو التقاط الصور".

ولكنه لفت إلى أنه فور وصولهم إلى ليبيا، "رأوا أن الوضع مختلف تماما عما ظهر في الإعلان وأجبروا على المشاركة في العمليات القتالية المتواصلة".

وفي هذه الأثناء، اتهم ناشطون موسكو باستخدام "الشركات الأمنية الخاصة" للسيطرة عسكريا على المناطق التي هي إما بحاجة إلى إعادة إعمار وإما فيها موارد محتملة من النفط والمعادن.

وقام هؤلاء المقاولين بإخراج الميليشيات المعادية والتابعة للنظام السوري والحرس الثوري الإيراني، من أجل تأمين المكاسب في تلك المناطق اليوم وخلال أية جهود إعادة إعمار مستقبلية.

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500