في خضم الأزمات المتلاحقة التي تواجهها روسيا، من الخسائر الفادحة في أوكرانيا إلى الانقسامات التي تهدد استقرارها الداخلي بعد تمرد مجموعة فاغنر الفاشل، يعمد النظام الإيراني إلى الاستفادة في سوريا عبر توسيع رقعة سيطرته في البلاد.
وكانت سوريا تعتبر نقطة ارتكاز أساسية لروسيا في منطقة الشرق الأوسط، لكن موارد الكرملين استنفدت بعد هجومه على أوكرانيا، ما أجبره على إعادة نشر جزء من قواته من سوريا على الجبهات الأوكرانية.
وقال خبراء للمشارق إن الانسحاب الجزئي للقوات الروسية قد فتح الطريق أمام القوات الموالية للحرس الثوري الإيراني لسد هذه الفراغات وزيادة رقعة انتشارها في سوريا.
من جهة أخرى، لفتوا إلى أن توريد إيران للمسيرات إلى روسيا، التي استخدمتها في حربها ضد أوكرانيا، قد أعطى النظام الإيراني بعض النفوذ في تعامله مع روسيا في سوريا.
وأشار إلى هذا الأمر الجنرال أليكسوس جرينكيويش من سلاح الجو الأميركي عندما قال في إفادة يوم 21 حزيران/يونيو، إن "أعتقد أن إيران تشعر أن روسيا مدينة لها بشيء، وأن روسيا الآن بطريقة ما مدينة بالفضل لإيران".
بدوره، قال شيار تركو المتخصص في شؤون الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، إن الانسحابات الروسية من سوريا "لم تشمل قواعد عسكرية كبيرة كقاعدة حميميم".
لكن هذه الانسحابات حدثت في جميع أنحاء سوريا وتشمل "مراكز للجيش السوري كانت روسيا تتموضع فيها لحمايتها أو مخازن للذخيرة أو مواقع أسلحة روسية قدمتها موسكو للجانب السوري"، حسبما أضاف في حديثه للمشارق.
وأوضح أن هذه الفراغات تم ملؤها بواسطة "عناصر الميليشيات الموالية للحرس الثوري الذي تتداخل مناطق نفوذه مع مناطق النفوذ الروسي خاصة في دمشق وحلب والبادية ودير الزور".
وتابع أنه "يمكن اختصار الأوضاع بسوريا بالوقت الحالي على هذا النحو: روسيا تنسحب وإيران تنتشر والخسارة تقع على الشعب السوري وحده الذي يدفع الثمن منذ العام 2011".
سباق الهيمنة على سوريا
من جانبه، قال فتحي السيد المتخصص في الشأن الإيراني في مركز الشرق الأوسط للدراسات الإقليمية والاستراتيجية، إن "إيران وروسيا، ورغم الحلف المعلن بينهما، هما في حالة سباق محموم للسيطرة على سوريا".
وأضاف في حديثه للمشارق أن أطماع كلا البلدين في سوريا مختلفة، إذ ترى روسيا في سوريا موطئ قدم استراتيجيا في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط.
"فيما ترى إيران في سوريا ممرا أساسيا لانتشارها في منطقة بلاد الشام، ليس فقط لامتدادها السياسي والعسكري بل أيضا التجاري"، حسبما تابع.
أما الخبير الاقتصادي السوري والأستاذ المحاضر في جامعة دمشق السوري، محمود مصطفى، فقال للمشارق إنه "يُنظر لسوريا كسوق كبير لتصريف البضائع الإيرانية".
وأضاف "الأهم بالنسبة لإيران هو سعيها جاهدة للاستفادة من سيطرتها على الموارد الطبيعية السورية من فوسفات ونفط وغيره من خلال الاتفاقات التي أبرامت طيلة السنوات الماضية مع الحكومة السورية".
هذا وقد ضعف مسعى روسيا لأن تصبح الشريك الرئيس للنظام السوري جراء محاولة التمرد الأخيرة التي قامت بها مجموعة فاغنر، وهي قوة مرتزقة روسية بزعامة يفغيني بريغوجين كانت نشطة في سوريا.
ففي أعقاب التمرد الفاشل، قامت الشرطة العسكرية الروسية، بالاشتراك مع استخبارات النظام السوري، باعتقال قادة وعناصر ومسؤولي تجنيد يعملون لحساب فاغنر في مختلف المحافظات السورية، بحسب ما أوردته صحيفة العربي الجديد في 27 حزيران/يونيو.
من جهته، توجه نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين إلى سوريا لإيصال رسالة شخصيا إلى رئيس السوري بشار الأسد، مفادها أن قوات فاغنر لن تعمل هناك بشكل مستقل، بحسب ما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال في 28 حزيران/يونيو.
وحث المسؤول الروسي الأسد على منع مقاتلي فاغنر من مغادرة سوريا دون إشراف موسكو.
وعلق المحلل العسكري المصري اللواء المتقاعد عبد الكريم أحمد في حديثه للمشارق قائلا إن "التمرد سيفتح الباب أمام صراعات جديدة محتملة"، مشيرا إلى أنه سيحدث فراغ في السلطة في حال منع فاغنر من العمل في سوريا.
التداعيات على روسيا
وفي حديثه للمشارق، قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، محي الدين غانم، إن "الخسارة الأكبر لروسيا جراء أزمة فاغنر ستكون في سوريا".
وأضاف أن أي توتر بين روسيا ومجموعة فاغنر سيضعف كلا الطرفين.
من جهته، يرى الخبير العسكري وائل عبد المطلب أن روسيا ستشهد تغيرات على صعيد القيادات العسكرية والمخابراتية الأمر الذي سيؤثر على الأداء الروسي بشكل عام في سوريا والقارة الإفريقية وأوكرانيا.
وقال في حديثه للمشارق إن "الجيش الروسي أثبت عدم فعاليته أمام القوة المتواضعة المتمثلة بفاغنر، وكذلك الأمر بالنسبة للقوات الأوكرانية".
وأشار أن الأمر نفسه حدث بالنسبة للمخابرات الروسية التي لم تستطع كشف نوايا بريغوجين قبل محاولة التمرد.
وأردف أنه في الدول التي تشهد نزاعات مثل سوريا وليبيا وإفريقيا الوسطى، فإن القادة بحاجة إلى داعم قوي سياسيا وعسكريا وماديا.
وقد أثارت الأحداث الأخيرة الشكوك حول قدرة النظام الروسي على أن يكون شريكا قويا لتلك الدول، حسبما ذكر.
وأوضح "إذا ما اهتز أحد أركان هذا المثلث، فإن الثقة ستتآكل ومن ثم تنتقل تلك الدول إلى داعم أقوى".