موسكو - حذر مسؤولون أميركيون قائلين إن الاجتماع الذي عقد خلال الأسبوع الجاري بين الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يؤكد على الصداقة "غير المحدودة" التي تشكلت العام الماضي قبيل غزو موسكو لأوكرانيا، مشددين على ضراوة أن يحذر العالم من أي وقف لإطلاق النار قد يقترحه الحاكمان المستبدان.
وأثناء مباحثات استمرت 4 ساعات ونصف في موسكو يوم الاثنين، 20 آذار/مارس، وصف شي وبوتين بعضهما البعض بصفة "الصديق العزيز" وتعهدا بتعزيز العلاقات بينهما.
ومن المتوقع أن يقضي شي 3 أيام في روسيا.
وقال شي بحسب تصريحات مترجمة بثها التلفزيون الرسمي الروسي، "نحن شركاء في تعاون استراتيجي شامل. وإن هذا الوضع تحديدا يحدد أنه لا بد أن تربط بين بلدينا روابط وثيقة".
ومن جانبه، أبلغ بوتين شي أنه مستعد لمناقشة مقترح السلام في أوكرانيا الذي تقدمت به بيجين، مضيفا "لدينا الكثير من المهام والأهداف المشتركة".
ولكن حذر وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن قائلا إن مقترحات "السلام" التي تقدم بها شي في موسكو يمكن أن تكون "تكتيك مماطلة" لمساعدة روسيا على الأرض في أوكرانيا.
وذكر للصحافيين يوم الاثنين "على العالم ألا ينخدع بأي تحرك تكتيكي من قبل روسيا بدعم من الصين أو من أي دولة أخرى لتوقف الحرب وفق شروطها الخاصة".
وقال إن الولايات المتحدة ترحب بأي جهود دبلوماسية للتوصل إلى "سلام عادل ودائم"، ولكنها شككت في الوقت عينه في قيام الصين بحماية "سيادة وسلامة أراضي" أوكرانيا.
وأضاف أن "أية خطة لا تعطي الأولوية لهذا المبدأ الحيوي هي مجرد تكتيك مماطلة في أحسن الأحوال أو تسعى فقط لتسهيل نتيجة غير عادلة. وهذه ليست دبلوماسية بناءة".
وتابع أن "الدعوة لأي وقف لإطلاق النار لا يتضمن إخراج القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية تدعم فعليا التصديق على الغزو الروسي".
وأوضح بلينكن أن الجهود الروسية لضم أراضي أوكرانيا والهجمات المتواصلة التي يشنها الجيش الروسي على المدنيين تثبت أن بوتين "لا يهتم" بالتوصل إلى سلام دائم وثابت.
وبدوره، حذر الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي من أية دعوات صينية-روسية لوقف إطلاق النار في أوكرانيا.
وقال إن "كل ما سيؤدي إليه ذلك... هو التصديق على غزو روسيا حتى اليوم. وسيؤدي إيضا إلى إطاء بوتين مزيدا من الوقت لإعادة التجهيز والتدريب وحشد العناصر ومحاولة التخطيط لهجمات جديدة في الوقت الذي يختاره".
ʼلا مسؤوليةʻ
هذا وتأتي زيارة شي لموسكو بعد أيام من إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وقال بلينكن إن "الصين لا تشعر بأن عليها مسؤولية لمساءلة الكرملين على الفظائع التي ارتكبت في أوكرانيا" وإنها "بدلا من ذلك، تفضل توفير غطاء دبلوماسي لروسيا لمواصلة ارتكاب تلك الجرائم نفسها".
هذا وأصدرت وزارة الخارجية الأميركية يوم الثلاثاء تقريرها السنوي حول حقوق الإنسان في العالم الذي أدان القوات الروسية على خلفية ارتكاب مجموعة كبيرة من الفظائع في أوكرانيا، بما في ذلك "تقارير موثوقة عن إعدامات بإجراءات موجزة وأعمال تعذيب واغتصاب وهجمات عشوائية" شملت هجمات ضد المدنيين.
وأكد التقرير أيضا اتهامات المحكمة الجنائية الدولية ضد بوتين، مشيرا إلى أن الحكومة الروسية "ضالعة في الترحيل القسري للمدنيين من أوكرانيا إلى روسيا"، بمن فيهم أطفال.
وقوبلت محاولة الصين تصوير نفسها على أنها وسيط "محايد" في حرب أوكرانيا بموجة شجب.
وفي الذكرى السنوية الأولى لغزو روسيا لأوكرانيا، أصدرت بيجين وثيقة تتألف من 12 نقطة تدعو فيها كل الأطراف "لدعم روسيا وأوكرانيا في العمل في الاتجاه نفسه واستئناف الحوار المباشر في أسرع وقت ممكن".
وفي حين دافعت الصين عن "السيادة الكاملة" لأوكرانيا، لم تقم بإدانة روسيا على غزوها لجارتها وعلى الدعاية الروسية المتكررة ومعلوماتها المضللة حول الحرب، بل وعارضت بشدة العقوبات الاقتصادية الغربية التي تهدف للحد من قدرة الكرملين على تمويل عملياته الحربية.
الصين تدعم روسيا
علاوة على ذلك، ساعدت الصين العام الماضي في إنقاذ الاقتصاد الروسي الخاضع لضغط شديد جراء العقوبات الغربية، وذلك عبر تعزيز التبادل التجاري بين البلدين.
وشهدت الصادرات الصينية من الرقائق الإلكترونية التي تحتاجها موسكو لإنتاج الأسلحة زيادة حادة، في حين قالت شركة غازبروم الروسية يوم الثلاثاء إنها حققت رقما قياسيا يوميا في كميات الغاز التي تمدها للصين عبر خط أنابيب غاز قوة سيبيريا.
وفي مقال نشره الكرملين قبيل زيارة شي، وصف بوتين خط الأنابيب بأنه أهم شراكة اقتصادية تعقد في السنوات المائة الماضية.
وقال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكساندر نوفاك الشهر الماضي إن موسكو تسعى إلى زيادة الصادرات عبر خط الأنابيب بأكثر من الضعف بحلول العام 2025 لتصل إلى 38 مليار متر مكعب سنويا.
وكتبت إلكساندرا بروكوبينكو لمدونة كارنيغي بوليتيكا وهي المدونة التابعة لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي والمعنية بروسيا وأوراسيا، أن "الزعماء الروس يحبون أن يسلطوا الضوء على التعاون الاستراتيجي غير المسبوق بين البلدين".
ولكن أضافت أن "هذا التعاون في واقع الأمر يجعل موسكو تعتمد أكثر فأكثر على بيجين".
وفي هذا الإطار، كتب ألكساندر غابويف مدير مركز كارنيغي لروسيا وأوراسيا ومقره برلين، لمجلة ذي إيكونوميست أن "الصين راضية ببساطة بتحقيق مكاسب مالية من نفوذها الجغرافي-الاقتصادي المتزايد على روسيا من خلال تأمين حسومات على صادراتها من الهيدروكربون وغزو سوقها الاستهلاكية".
وقال "لكن من المرجح أنها مجرد مسألة وقت قبل أن تطالب الصين بالمزيد من الولاء السياسي مقابل مساعدتها في الحفاظ على استمرارية نظام بوتين".
كييف تراقب عن كثب
وفي هذه الأثناء، تراقب أوكرانيا هذه الزيارة عن كثب في ظل افتقارها لأية أداة من أدوات النفوذ.
وقال سيرغي سولودكي نائب مدير مركز التحليل الأوكراني البحثي في كييف لوكالة الصحافة الفرنسية إن "توقعات أوكرانيا هي على أدنى المستويات، أي ألا تتدهور الأمور".
يُذكر أن هذا الموضوع حساس للغاية لدرجة أن السلطات الأوكرانية غير راغبة في التعليق علنا على الزيارة.
وقال أحد كبار المسؤولين الأوكرانيين لوكالة الصحافة الفرنسية شريطة عدم الكشف عن هويته إن "أوكرانيا ستتابع هذه الزيارة عن كثب".
وأضاف "بالنسبة لنا، من المهم جدا أن تتمسك الصين بسياستها التي تنطوي على احترام لا يتزعزع لسلامة أراضي البلدان الأخرى"، في إشارة إلى الطريقة التي أعلنت بها روسيا عن ضم 5 مناطق أوكرانية إليها.
وفي الوقت نفسه، اتهمت الولايات المتحدة بيجين بالنظر في احتمال تزويد روسيا بالأسلحة مع تعثر غزوها.
وقال مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز لقناة سي بي إس نيوز في شباط/فبراير "نحن متأكدون من أن القيادة الصينية تنظر في إمكانية تزويد [روسيا] بعتاد فتاك".
ووفق تقارير إعلامية، قد يشمل ذلك الذخائر والمسيرات. وقد أنكرت الصين هذه المزاعم بشدة.
وحتى الآن، تعد إيران الجهة الوحيدة التي زودت موسكو بمسيرات هجومية، علما أن هذه الأخيرة تستخدمها لاستهداف البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا.
وقال مسؤولون أميركيون إن الشركات الصينية تمد روسيا بالفعل بعتاد غير فتاك وإن الشركات الصينية تورد المكونات لشركات تصنيع المسيرات في إيران.
هذا واستمرت الولايات المتحدة بدعم الجيش الأوكراني، وقد أعلنت يوم الاثنين عن تقديم مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة 350 مليون دولار.
وقال بلينكن في بيان إن "رزمة المساعدات العسكرية هذه تتضمن المزيد من الذخائر لأنظمة المدفعية الصاروخية عالية الحركة ومدافع هاوتزر التي أمنتها الولايات المتحدة والتي تستخدمها أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، فضلا عن ذخائر لمركبات برادلي القتالية للمشاة وصواريخ عالية السرعة ومضادة للإشعاع وأسلحة مضادة للدبابات وزوارق نهرية ومعدات أخرى".
وأثنى على جهود "الدول التي زاد عددها عن 50 دولة والتي اجتمعت لتقديم الدعم لأوكرانيا".
وأشار إلى أن "روسيا وحدها قادرة على إنهاء حربها اليوم. وإلى أن تفعل ذلك، سنقف متحدين مع أوكرانيا مهما استغرق الأمر".