نواكشوط، موريتانيا -- تم الترويج لزيارة وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إلى موريتانيا في وقت سابق من الشهر الجاري إلى حد كبير كمسعى لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الدولتين.
ولكن وبصورة أقل وضوحا، هدفت الزيارة أيضا إلى دعم الحملة الدبلوماسية لروسيا في غرب إفريقيا، ولا سيما في منطقة الساحل، حسبما ذكر مراقبون.
وقال الصحافي الموريتاني قريني أمينوه إن "الوضع الأمني المستقر لموريتانيا ودورها المحوري في قيادة مجموعة دول الساحل، وأهميتها الجيو-ستراتيجية، والآفاق الاقتصادية الواعدة لها كبلد مصدر للغاز عوامل لن تفوتها روسيا".
وأوضح أن روسيا تسعى جاهدة لإيجاد موطئ قدم في المنطقة.
واختتم لافروف زيارته لموريتانيا في 8 شباط/فبراير قبل التوجه إلى السودان.
وفي بداية الرحلة نفسها وقبل زيارة موريتانيا، توقف لافروف في مالي حيث أصحبت روسيا شريكا أساسيا مع المجلس العسكري الحاكم.
وفي مالي، تعهد بمساعدة الساحل ودول خليج غينيا في الحرب ضد الإرهاب وألمح إلى دور أكبر في القارة.
يُذكر أن موريتانيا تقع بين المغرب العربي وإفريقيا جنوب الصحراء.
ومع أن موريتانيا لم تشهد هجمات إرهابية منذ العام 2011، إلا أن التطرف الإسلامي انتشر في دول مالي وبوركينا فاسو والنيجر المجاورة لها من الجهة الشرقية، ويهدد بالتمدد جنوبا إلى خليج غينيا.
هذا وأصبح انعدام الاستقرار المتزايد في منطقة الساحل والذي يعزى إلى وجود مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية، مصدر قلق بالغ في موريتانيا.
وفي كانون الأول/ديسمبر، هاجم مرتزقة فاغنر سوقا أسبوعيا في قرية كيتا المالية بالقرب من الحدود مع موريتانيا، وهي حادثة أثارت مخاوف من توسع الصراع.
وفي مالي، أدى الصراع المتواصل بين الفصائل المتطرفة المتنافسة وحرب المعلومات بينها وبين فاغنر إلى ظروف يسودها انعدام الاستقرار وإلى زيادة التوترات ونزوح المدنيين.
أجندة أمنية وعسكرية
وأشار أمينوه إلى أن لافروف لم يتحدث صراحة في نواكشوط عن البعد الأمني والعسكري لزيارته، ولم يشر كذلك إلى حلف الناتو أو الدول الغربية.
وبحث مع الرئيس محمد ولد الغزواني في اللقاء الذي جمع بينهما العلاقات الروسية-الموريتانية والأزمات الأمنية في الساحل، لا سيما التهريب والأنشطة الإرهابية.
وقدم لافروف الدعوة للغزواني للمشاركة في القمة والمنتدى الاقتصادي الروسي-الإفريقي الثاني الذي من المقرر انعقاده في نهاية تموز/يوليو في سانت بطرسبرغ، وفق ما ذكره المحلل السياسي بشير ولد ببانة.
وبحث الطرفان أيضا سبل تعزيز التعاون في قطاع صيد الأسماك والبنية التحتية وإنتاج السلع على الأراضي الموريتانية واستخراج الموارد الطبيعية.
وذكر ولد ببانة أن لافروف قال إنه من الممكن أن تحصل موريتانيا على منتجات الطاقة والمنتجات الزراعية والحبوب من روسيا، ولكن شرط أن ترفع العقوبات الغربية عن الصادرات الروسية.
ولكن أمينوه أشار إلى أن تصريحات لافروف التالية خلال زيارته السودان "كشفت بوضوح" عن الأهداف الأمنية والعسكرية لرحلته إلى القارة.
ففي الخرطوم، قال وزير الخارجية الروسية إن يتم حاليا العمل على اتفاقية بين روسيا والسودان لإنشاء قاعدة بحرية لوجستية روسية في السودان.
تقارب مع حلف شمال الأطلسي
وفي هذا الإطار، ذكر محللون أنه رغم أن موريتانيا تسعى إلى الحفاظ على موقف حيادي في النزاع القائم بين روسيا والغرب، إلا أن موسكو قلقة بشأن تقربها من حلف شمال الأطلسي والزيارات المتكررة لقادة عسكريين أميركيين وأوروبيين إلى نواكشوط.
ويعد ذلك صحيحا في ظل الحديث السائد عن رغبة حلف شمال الأطلسي بإنشاء قاعدة عسكرية في موريتانيا.
وخلال لقائه مع لافروف، شدد وزير الخارجية الموريتانية محمد سالم ولد مرزوك على "احترام [بلده] لقواعد القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة"، في إشارة إلى حرب روسيا على أوكرانيا.
وفي السياق نفسه، قال الصحافي سيد أحمد ولد اطفيل المتخصص في صراعات منطقة الساحل إن "روسيا تدرك جيدا أن مصلحتها تقتضي كسب موريتانيا إلى جانبها، مهما كانت علاقة الأخيرة بفرنسا وحلف الناتو".
وأضاف أن "اكتساب صداقة موريتانيا قد يجنب روسيا وجود دولة مجاورة للحدود المالية،وبالتالي يضمن لها ذلك عدم تهديد قواتها العسكرية في مالي".
وتابع أن ذلك قد يمكّن روسيا أيضا من إنشاء قواعد عسكرية على الحدود المالية مع موريتانيا، لكن يظل السؤال مطروحا بشأن مدى قبول موريتانيا بوجود قواعد عسكرية روسية.
ولفت إلى أن "مسألة قبول موريتانيا أو رفضها لقواعد عسكرية روسية تتعلق أساسا بمستقبل التعاون العسكري بين موريتانيا وحلف الناتو".
وقال "أعتقد أن موريتانيا ستستمر في المحافظة على لعبة التوازن في علاقاتها مع كل من روسيا والناتو، وهو موقف قد يجعلها تكسب أكثر مما تخسر".