نواكشوط، موريتانيا -- قال محللون إن اللقاء الأخير بين السفير الروسي في مالي إيغور جروميكو ووفد تنسيقية الحركات الأزوادية، يشكل مرحلة جديدة من مراحل التدخل الروسي في صراعات منطقة الساحل.
وكان السفير الروسي في مالي إيغور جروميكو قد التقى يوم 18 كانون الثاني/يناير مع وفد تنسيقية الحركات الأزوادية برئاسة الغباس آغ إنتالا في العاصمة المالية باماكو.
وقال الصحافي الموريتاني بشير ببانه للمشارق، إنه في الوقت الحالي على الأقل، ما يزال الدور الرسمي لروسيا في مالي مقتصرا على تقديم الدعم اللوجستي والفني للقادة العسكريين الحاليين لمالي.
لكن روسيا اليوم تلقي بثقلها في الصراع الدائر بين الحركات الأزوادية والنظام المالي، ساعية بذلك لخلق مساحة جديدة من التأثير والنفوذ خارج دائرتها التقليدية في الشرق الأوسط وليبيا، حسبما أضاف.
ووفق عضو التنسيقية عطاي آغ محمد، فإن فحوى اللقاء لم يخرج عن دائرة النقاش الرامي إلى "الدفع بمسار السلام بين تنسيقية الحركات الأزوادية والحكومة المالية".
وأضاف محمد أن "روسيا عضو في فريق الوساطة الدولية بمالي ولجنة المتابعة المكلفة بتنفيذ اتفاق السلام والمصالحة بمالي عام [2014]".
لكن الصحافي المالي علق قائلا إن روسيا تسعى بذكاء لاستغلال الفراغ الذي تركه الانسحاب الفرنسي من مالي.
وتابع أنه لذلك، فإن روسيا "تظهر للدول الإفريقية استراتيجية جديدة تقوم على توحيد شعوب المنطقة وإنهاء حالة الحرب بين الجماعات المسلحة، [ظاهريا] دون أن تكون لديها أي أجندات خاصة".
وأضاف يبدو أن روسيا لها فعلا أجندة خاصة في منطقة الساحل.
وأشار "بالفعل لديها مصالح ضيقة في منطقة الساحل، لكنها تخفي ذلك تحت مبرر الرغبة في تحقيق المصالحة بين الجبهات المسلحة كافة في مالي، بل وحتى بين مكونات الشعب المالي نفسه".
"بل إنها تحرص على إقناع الشعوب المحلية بأن جميع المشاكل السابقة كانت تقف ورائها فرنسا لأجل خدمة مصالحها"، بحسب ببانة.
صعوبة اختراق روسيا
واستبعد ببانة أن تنجح روسيا في تحقيق أي مصالحة بين الجماعات الأزوادية والحكومة المالية "دون دعم سياسي من الجزائر، لكون الأخيرة صاحبة اليد الطولى في المنطقة".
بدوره، يستبعد المحلل السياسي الجزائري قاسم راس الماء أن تحقق روسيا أي اختراق في القضية المالية.
وقال إن "الحركات الأزوادية ترفض من حيث المبدأ مطلب نزع السلاح كشرط للتقدم في مفاوضات المصالحة مع الحكومة المركزية في باماكو".
وأضاف أن هذا الرفض لا يمثل أي مفاجأة، إذ أن حكومة مالي تتلقى مساعدات دولية تقدر بمليار دولار بهدف مساعدة مناطق الشمال، "لكنها للأسف لم توظفها في خدمة التنمية في منطقة أزواد".
وتابع "فلا مدارس ولا مستشفيات ولا بنية تحتية، والفساد ما يزال مستشريا".
ومع أن حالة الانقسام السياسي والحالة الأمنية المتدهورة في مالي لا تخدم مصالح روسيا، فإنها تتشبث بمالي "كورقة استراتيجية لتحقيق مصالحها في المنطقة"، بحسب الماء.
تصاعد نشاط فاغنر في مالي
هذا وقد تواكبت جهود روسيا الدبلوماسية في مالي مع مساعدات عسكرية مقدمة من موسكو للنظام العسكري في باماكو.
وتمثلت تلك المساعدات في مقاتلات من طراز سو-25 المصممة لدعم القوات البرية، وطائرات أخرى من طراز الباتروس إل-39 المصنوعة في جمهورية التشيك.
وتسلمت باماكو أيضا مروحيات إم آي-8إس، وهي مروحية نقل روسية ذات تصميم سوفياتي، حسبما أورد موقع فرانس 24.
وتأتي هذه المساعدات العسكرية بعد تلك التي قدمتها موسكو لمالي في آذار/مارس 2022، فيما يستمر الحديث عن تصاعد أنشطة مجموعة فاغنر في شمال مالي.
وقال سيد أحمد ولد أطفيل، وهو خبير في صراعات الساحل، إن المجلس العسكري في مالي لم يفصح عن حجم المساعدات العسكرية الأخيرة.
لكن محللين يرون أن تلك الأسلحة "يمكن أن تساعد حكام مالي في سد الفراغ العسكري الذي تركته الأسلحة الفرنسية".
وأضاف أطفيل في حديث للمشارق أن استراتيجية روسيا في مالي تقوم على مرتكزين أساسيين.
وأوضح أن أولهما هو استخدام "العنف العسكري" لتحقيق أهدافها.
وتابع أنها بعد ذلك تحاول أن تستميل السكان المحليين "حتى يتم تقبل فكرة أن روسيا أفضل من فرنسا وحلفائها في ضمان مصلحة سكان شمال مالي".
وأكد أن "حقوق الإنسان هي آخر ما تفكر فيه موسكو حين يتعلق الأمر بضمان مصلحتها".
واستبعد المحلل الجزائري الماء أن يترك عناصر فاغنر منطقة الساحل في المدى القريب والمتوسط.
وقال في هذا الصدد إن "فاغنر لن تغادر مالي، ولن تغادر قاعدة الجفرة في ليبيا، ولن تترك أفريقيا الوسطى ولا تشاد".