نواكشوط، موريتانيا - أصبح غياب الاستقرار المتزايد في منطقة الساحل والذي يعزى إلى انتشار مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية، مصدر قلق أساسيا للمراقبين في موريتانيا.
وخلال مؤتمر صحافي عقد في ختام أعمال قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا في واشنطن، جدد وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن تحذيره من دور مجموعة فاغنر في زعزعة استقرار دول أفريقية عدة.
وقال "أينما تنتشر مجموعة فاغنر، تجد الدول نفسها أضعف وأفقر وأقل أمنا واستقلالية. هذا هو القاسم المشترك بينها".
وأضاف "ما سمعته خلال المحادثات التي جرت خلال الأسبوع الجاري مماثل لما سمعته في الماضي، ومفاده أن شركاءنا في أفريقيا يرفضون أن تستغل مواردهم".
وأوضح "لا يريدون أن تُنتهك حقوق الإنسان في صفوف شعبهم. لا يريدون أن يقوض حكمهم، وبالتالي نتيجة لذلك يرفضون وجود فاغنر".
أمن حدود موريتانيا
وذكر الصحافي المالي عمر سيدي محمد للمشارق أن مرتزقة فاغنر هاجموا قبل أيام سوقا أسبوعيا في قرية كيتا المالية القريبة من الحدود مع موريتانيا.
وقال إن تداعيات الهجوم "تتجاوز الصراع المزعوم بين عناصر فاغنر المدعومين من الجيش المالي من جهة، والجماعات الإرهابية من جهة أخرى".
ولفت إلى أن تأثير مثل هذه الهجمات "على أمن موريتانيا وعلى سكان المناطق الحدودية بين مالي وموريتانيا، أصبح يشكل مصدر قلق للعديد من المراقبين".
وبدوره، قال الصحافي الموريتاني قريني أمينوه للمشارق إن "الهجوم الذي وقع على بعد 70 كيلومترا من مدينة فصالة الموريتانية أجج مخاوف الموريتانيين من تمدد الاقتتال إلى مناطق قريبة من مناطقهم".
وأضاف أنه على ضوء هذا الاحتمال، تراقب نواكشوط الوضع على حدودها مع مالي، مشيرا إلى أن وجود مجموعة فاغنر "أصبح واقعا يجب التعامل معه".
واعتبر أمينوه أن "خطورة الهجوم الأخير قد تؤدي إلى ضرب اقتصاد العديد من القرى الحدودية التي يعتمد سكانها بدرجة أولى على نشاط الأسواق الأسبوعية المتنقلة".
يذكر أن شاحنات محملة بالمواد الغذائية ومستلزمات أخرى تمر يوميا بين البلدين.
وذكر أن أعمال العنف الأخيرة قد تؤثر على "التبادل التجاري النشط بين سكان المنطقة الجنوبية الشرقية من موريتانيا والأقاليم الجنوبية الغربية لدولة مالي، حيث تزدهر عمليات البيع والشراء".
وأكد أن المراقبين الموريتانيين يركزون على تأثير وجود قوات فاغنر على الأمن الداخلي والجيوستراتيجي الموريتاني بعد انسحاب القرات الفرنسية التابعة لعملية برخان في آب/أغسطس الماضي.
ثمن التدخل باهظ
وتابع أمينوه أنه في حين أن الحديث عن تصاعد نشاط مرتزقة مجموعة فاغنر بات موضوعا شائعا بين السياسيين الغربيين، إلا أن الجديد اليوم هو حديث بعض القادة الأفارقة عن هذه المسألة بقلق بالغ.
وفي هذا السياق، ذكر رئيس دولة غانا نانا أكوفو أدو خلال اجتماعه مع بلينكن في 14 كانون الأول/ديسمبر، أن بوركينا فاسو أبرمت اتفاقا مع روسيا لتوظيف قوات مجموعة فاغنر، على غرار ما فعلت مالي.
وكشف الرئيس الغاني الجانب الخفي لعلاقة بعض الدول الأفريقية بمجموعة فاغنر، داحضا ضمنيا ادعاءات حكومات تلك الدول بشأن طبيعة علاقاتها مع المجموعة.
وأضاف "أعتقد أنه تم تخصيص منجم [معادن] في جنوب بوركينا فاسو لها [لفاغنر] كوسيلة دفع مقابل خدماتها"، موضحا أن "نشاط المرتزقة الروس على حدودنا الشمالية يشكل مصدر قلق كبيرا بالنسبة لنا في غانا".
وتأتي تصريحات أكوفو أدو لتؤكد تصريحات سابقة أدلى بها المدير العام السابق لأمن موريتانيا طالب عبيدي محمد عبد الله، وهو باحث أمني ومحلل في إدارة المخاطر.
وفي تغريدة نشرها في أواخر تشرين الأول/أكتوبر، لفت عبد الله إلى أنه "... يبدو أن مهمة فاغنر كانت باهظة الثمن ونتائجها متواضعة".
وأوضح أن "هذه القوة تكلف الخزينة المالية 10 ملايين يورو (10.6 مليون دولار) شهريا، وقد حاولت مالي دفع مقابل عيني عبر التفاوض للدفع من خلال تقديم مناجم من الذهب تديرها شركات غربية".
وذكر الخبير في أمن منطقة الساحل محمد الأمين الداه أنه يبدو أن نتائج إحضار عناصر فاغنر إلى المنطقة كانت متواضعة من ناحية المردودية على السكان المحليين، مع أنها كانت مكلفة من الناحية الأمنية.
وأوضح للمشارق أن "تداعيات وجود فاغنر على الحدود الموريتانية-المالية خطيرة جدا كما كان متوقعا، خاصة مع زيادة نشاط تلك العناصر في وسط وغرب مالي".
وأشار إلى أن هذه المناطق هي مناطق استجمام يفضلها المغتربون الموريتانيون، "حيث يقومون بأعمال تجارية مع الماليين وتربط بين الطرفين علاقات اجتماعية".
سلسلة من الانتهاكات
وأكد الداه أن هذه المخاطر دفعت بموريتانيا إلى تكثيف نشاطها الدبلوماسي في الأسابيع التي سبقت هجوم مجموعة فاغنر على السوق المالي.
وأضاف أن موريتانيا تسعى إلى إقناع الحكومة المالية بإبعاد نشاط مجموعة فاغنر عن النشاط التجاري للحدود المالية–الموريتانية.
ولكنه أشار إلى أن تكرر الحوادث الأمنية مؤخرا يسلط الضوء على عدم فاعلية الضغط الدبلوماسي على حكومة باماكو.
وقال إن "عناصر فاغنر لا يشكلون طرفا محايدا ويتهمهم الجميع بتقديم المساعدات للجماعات الإرهابية المسلحة في المنطقة".
ونفت الحكومة المالية تلك الاتهامات على غرار نظيرتها في بوركينا فاسو التي دحضت تصريحات رئيس غانا واستدعت سفيرها في 16 كانون الأول/ديسمبر.
وأصدرت وزارة خارجية بوركينا فاسو بيانا جاء فيه أن "حكومة بوركينا فاسو ترفض التصريحات التي أدلى بها رئيس غانا".
وحاول الصحافي في التلفزيوني المالي عمر سيدي محمد تبرير هجوم مجموعة فاغنر على السوق الأسبوعي في كيتا قائلا إنه جاء في سياق "تعقب مصادر الدعم اللوجستي للجماعات الجهادية".
ولكن أثبتت تحقيقات الأمم المتحدة تورط مجموعة فاغنر في استهداف وقتل المدنيين في مالي، متهمة إياها باستغلال انعدام الأمن لتهديد الاستقرار وتقويض الحكم الرشيد.
وخلال المؤتمر الصحافي الذي عقد في 15 كانون الأول/ديسمبر، قال بلينكن إن التحقيقات وثقت انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها مجموعة فاغنر في إفريقيا، بما في ذلك تجنيد الأطفال واستغلالهم كجنود.
وتابع أنه بالإضافة إلى توثيق استغلال مجموعة المرتزقة للموارد، "رأينا تدخل فاغنر في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، ما يعرض قوات حفظ السلام وموظفي الأمم المتحدة للخطر".
وأضاف "إنها سلسلة طويلة من الأمور السيئة".