تونس - قال خبراء أمنيون في منطقة الساحل إن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في الصحراء الكبرى يواصل جهوده للتوسع في مالي، حيث يسعى لإقامة قاعدة له ينفذ منها عملياته وهجماته.
وأضافوا أن التنظيم المتطرف يمضي قدما في أجندته التوسعية، إذ سيطر على عدة مناطق في مالي رغم الجهود المبذولة لمحاربته والتي لا تعد كافية بدون دعم وتماسك دوليين.
وقد تدهورت الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل بغرب وشمال وسط إفريقيا ولا سيما في مالي منذ انسحاب القوات الفرنسية، علما أن السكان يخشون عودة أعمال العنف من جديد.
يُذكر أن سياسات روسيا وأفعالها في منطقة الساحل بغرب وشمال وسط إفريقيا والتي تشمل انتشار مرتزقة مجموعة فاغنر، قد أدت إلى تفاقم الوضع الأمني في المنطقة.
وفي هذا السياق، ذكرت مسؤولة أميركية رفيعة يوم 26 تشرين الأول/أكتوبر أن الوضع الأمني في مالي قد "تدهور بشكل كبير" كنتيجة مباشرة لخيارات المجلس العسكري الحاكم، بما في ذلك قراره الدخول في شراكة مع مجموعة فاغنر.
وكان المجلس العسكري الحاكم الذي استولى على السلطة في مالي عام 2020، قد ابتعد عن حليفه التقليدي فرنسا وتقرب من روسيا في حربه ضد حركة تمرد كانت تدوم منذ 10 سنوات.
ويواصل تنظيم داعش وجماعات متطرفة أخرى أعمال التوغل في المنطقة، ولا سيما في غاو ومناطق أخرى في شمال مالي.
جنرال يحاول تعبئة الشباب
وفي هذا السياق، دعا مؤخرا الجنرال في الجيش المالي الحاج آغ جامو، وهو شخصية بارزة في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، جميع شباب الطوارق في الجزائر وليبيا وأماكن أخرى للتجمع في منطقة غاو.
هذا وتشهد غاو وهي أكبر مدينة في شمال مالي، أعمال عنف جهادية حيث أقدم أتباع داعش في الصحراء الكبرى على ذبح مئات الناس في شمالي شرقي البلاد خلال العام الجاري، حسبما ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش.
وأوضحت المنظمة أن عشرات الآلاف من القرويين من مناطق ميناكا وغاو فروا من ديارهم بعد خسارة ماشيتهم ومقتنياتهم في هجمات منذ آذار/مارس الماضي، علما أن هذه الاعتداءات طالت على وجه الخصوص أبناء قبيلة دوساهاك وهي إحدى قبائل الطوارق.
ولكن لم تتفاعل قبائل الطوارق حتى الآن مع نداء الجنرال، كما لم تعلق عليها الحكومة المالية أو الجيش المالي.
وأشار المحلل السياسي الموريتاني المتخصص في الجماعات الإرهابية بمنطقة الساحل محمد الأمين الداه، إلى أن سبب ذلك هو "الحالة السياسية التي يعيشها شباب الطوارق".
وأوضح أن هؤلاء الشباب "يعتبرون أنفسهم ضحايا الظلم والتهميش من قبل الجيش المالي".
وقال الداه في حديث للمشارق إنه لا يتوقع أن يجد نداء الجنرال أية آذان صاغية أو استجابة من حركات الطوارق الكبرى في المنطقة، خاصة الحركة الشعبية لتحرير الأزواد.
كما استبعد أن تشكل المبادرة أساسا لتحرك شباب الطوارق في كافة دول شمال إفريقيا لثورة طوارقية ضد التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء.
السكان قلقون إزاء الوضع الأمني
واعتبر الداه أنه لكي يظهر تحرك شعبي لمواجهة هذا الانفلات الأمني ومحاربة انتشار الجماعات الإرهابية، فإن "النداء يجب أن يأتي من أكثر من شخصية من شخصيات الطوارق ومن أكثر من جماعة واحدة ومن أكثر من تنظيم سياسي".
وتابع أنه من الضروري أيضا أن تعمل الحكومة المالية والوحدات القتالية العسكرية التابعة لها على تحسين صورتها أكثر من أجل كسب ود الأزواديين والطوارق وحتى الكيانات العربية الموجودة هناك.
وذكر أن النداء الذي وجهه الجنرال يسلط الضوء على "عجز قوات الجيش المالي عن مواجهة تنظيم داعش الذي أصبح أكثر شراسة وعنفا من قبل".
وأشار إلى أن النداء يلقي الضوء أيضا على فشلها في مجابهة "مظاهر الاستياء العميقة والمنتشرة في صفوف سكان شمال مالي بسبب تفاقم الأوضاع الأمنية".
وأكد أن دول الساحل وخاصة مالي، "ليس لها قدرة على مواجهة التنظيمات الإرهابية الخطيرة والمتوغلة".
وتابع "كما أن الحالة الاجتماعية والأمنية وحتى السياسية والجغرافية في المنطقة تساعد على نمو وانتشار هذه الجماعات وتسهل حركتها وعملياتها الإرهابية".
واستدرك قائلا إنه "يصعب على الجيش المالي محاربتها بمفرده"، لافتا إلى أن "انسحاب فرنسا زاد من شراسة هذه التنظيمات وأعطاها فرصة لكي تظهر بمظهر المنتصر".
وتابع أن السبيل الوحيد لمواجهة هذه التنظيمات الإرهابية هو "تفعيل التحالف الإقليمي".
وأوضح أن هذا ينطوي على "استمرار فرنسا في تقديم الدعم والعون لجيوش الدول المجاورة لمالي وتقديم الدعم اللوجستي والأمني للجيش المالي في محاولة لمساعدته على استعادة السيطرة على المناطق التي استحوذ عليها تنظيم داعش".
غياب الاستقرار في جنوب ليبيا
وقال عضو المجلس الاجتماعي الأعلى لقبائل الطوارق مجدي بوهنة إن قبائل الطوارق في ليبيا تتواجد وتتمركز أساسا في الجنوب.
واستبعد في تصريح للمشارق أن يتفاعل الشباب الطوارقي الليبي مع دعوة الجنرال المالي للانضمام إلى المعركة ضد داعش وذلك "بسبب انشغال هذه القبائل بأوضاعها الداخلية في ليبيا".
وأضاف أن "الوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي في البلاد غير مستقر، خاصة في منطقة الجنوب التي تواجه التهديدات نفسها من التنظيمات الإرهابية".
وأشار إلى أن مناطق جنوب ليبيا الشاسعة وغير المراقبة من قبل القوات الأمنية، تعج بعصابات التهريب خاصة التشادية والسودانية منها والتي تقوم بتهريب السلاح والمخدرات.
وأوضح أنه في هذه الأثناء، تستغل عناصر داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى الممرات للتنقل بين دول الساحل والصحراء.